تجري في واشنطن ونيويورك وتل ابيب ايضا في الاسابيع الاخيرة هجمة عامة على الدولة القومية للشعب اليهودي، فان باحثين عن السلام امريكيين واسرائيليين ينقضون بشدة على طلب الاعتراف بأن دولة اسرائيل دولة يهودية. فلم تعد المستوطنات وحدها جريمة حرب بل طلب الشعب اليهودي الاعتراف بحقه في تقرير المصير. ولم تعد توجد شرعية فجأة لفكرة الصهيونية التأسيسية التي تم الاعتراف بها في تصريح بلفور وقرار التقسيم الذي صدر عن الامم المتحدة واعلان الاستقلال الاسرائيلي. وإن التفكير في أن توجد الى جانب الدولة القومية الفلسطينية (غير الديمقراطية) دولة قومية يهودية (ديمقراطية) تُخرج كثيرين وأخيارا عن طورهم. فالاشخاص الذين يلتزمون بالمساواة في الأكثر غير مستعدين لمنح اليهود ما يطلبونه للفلسطينيين بقوة. والاشخاص الذين يطلبون السلام يرفضون رفضا باتا طلب السلام الأساسي وهو اعتراف متبادل حقيقي.
قيل في الماهية ما يكفي ويزيد. إن هذا صراع عمى متبادل، فنحن لم نعترف بوجود شعب فلسطيني يستحق دولة ذات سيادة خاصة به، والفلسطينيون لم يعترفوا بوجود شعب يهودي يستحق دولة ذات سيادة خاصة به. ولهذا أصبح واضحا أن انهاء الصراع يجب أن يكون مصحوبا بانهاء العمى وباعتراف كل طرف بالآخر الذي تجاهل وجوده وحقوقه مدة 100 سنة. وقد فتحت اسرائيل عينيها من قبل واعترفت في 1993 بوجود شعب فلسطيني، ووافقت في سنة 2000 على أن تنشأ دولة فلسطينية، وتبنى زعيم اليمين في 2009 هذا الاعتراف المزدوج. بحيث حان الآن دور الفلسطينيين لفتح عيونهم. فحينما تقبل اسرائيل مبدأ تقسيم البلاد على أساس حدود 1967، سيكون من الواجب عليهم أن يعلنوا عن وجود شعب يهودي ذي حقوق شرعية في البلاد، له حق في أن يقرر مصيره في دولة يهودية ديمقراطية (على أن تحترم حقوق كل مواطنيها وتحافظ على حرية عبادة كاملة). إنه بسيط، بسيط جدا، وأساسي حقا.
ومع كل ذلك وحينما تحين لحظة الحقيقة يتحول البسيط البسيط فجأة الى مركب. ويُرى الشيء الأساسي هاذي. وبرغم أن ياسر عرفات قد اعترف من قبل بالدولة اليهودية وبرغم أن صيغة سلام جون كيري كانت تقوم من البداية على الاعتراف بالدولة اليهودية، أصبحت الدولة اليهودية فجأة كلمة نابية. وأصبح الطلب الأساسي جدا الموجه الى الفلسطينيين يُرى فجأة نزوة. فلماذا؟ لأنه حينما يقول محمود عباس لا، ينهار كثيرون في المجتمع الدولي واليسار الاسرائيلي. فليست عندهم الجرأة المطلوبة ليواجهوا الفلسطينيين ويقولوا لهم "الى هنا". وهم يشعرون بواجب أن يلائموا أنفسهم مع الموقف الفلسطيني حتى حينما يكون غير اخلاقي بصورة سافرة.
إن البروفيسور اليكس يعقوبسون هو مؤرخ كان في الماضي نشيطا في حزب سلام. وحينما ترك حزبه قال لي إن برنامجه المعلن ممتاز. لكن المشكلة، قال، أنه يظهر في أسفل البرنامج الحزبي مادة مكتوبة بحبر خفي على الناظر تقول إن كل المباديء السابقة تخضع لعدم معارضة الفلسطينيين لها. ولهذا فانه في اللحظة التي يعترض فيها الفلسطينيون اعتراضا ما ينهار برنامج عمل اليسار الصهيوني ويفقد نفاذه.
إن مشكلة الحبر الخفي على الناظر هو المشكلة العميقة لمعسكري السلام الدولي والاسرائيلي. والحبر الخفي على الناظر هو اليوم من أكبر العقبات في طريق السلام. فلن يكون سلام إلا اذا أسهم الفلسطينيون بنصيبهم في السلام، لكنهم لن يسهموا بذلك اذا لم يطلب ناس السلام في البلاد وفي العالم اليهم أن يسهموا بنصيبهم. ولهذا حان وقت أن يقوم اولئك الذين يريدون حقا انهاء الاحتلال وتقسيم البلاد في مواجهة عباس وأن يطلبوا منه ايضا أن يجتاز نهر الروبيكون لأنه اذا لم يفعل ذلك فسيكون الانهيار خطيرا لا مثيل له. ولن يدفن عباس الدولة اليهودية بل قد يدفن حل الدولتين.