بقلم / ماهر حجازي
كثرت في الآونة الأخيرة حوادث وفاة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية على الحدود التركية، قضوا برصاص الجندرمة التركية ( حرس الحدود )، هذه الحوادث التي كان أخرها وفاة اللاجئ محمد أحمد الخليلي من مخيم اليرموك المحاصر جنوب دمشق، وسبق ذلك بأيام موت عائلة من 3 أفراد ونجاة الرضيع وهم طارق عزوز وزوجته أمنة صالح واللاجئة حنان موسى من مخيم السيدة زينب، وسبقتها العديد من حالات الموت على الحدود السورية التركية.
بكل تأكيد فإن فوهات البنادق لا تميز بين القادمين الجدد الى تركيا إن كانوا فلسطينيين أو سوريين أو حتى ارهابيين، لكن من الضروري أن تجد الحكومة التركية ألية إنسانية للتعامل مع الوصول غير الشرعي إلى أراضيها، للحد من الوفاة على أبوابها، فهؤلاء اللاجئون لم يعتقدوا للحظة واحدة أن الموت الذي أفلتوا منه في سورية سيلاقيهم هنا على الحدود، وما عجزت عن فعله قذائف الهاون والبراميل المتفجرة والسيارات المفخخة في سورية، كانت أقدر عليه رصاصات حرس الحدود.
في حادثة وفاة عائلة طارق عزوز، حدثني الناجي الوحيد من المعركة المصيرية، أنهم دخلوا من منطقة خاضعة لسيطرة الأكراد في الجانب السوري إلى الأراضي التركية، فباغتتهم رصاصات الجندرما، بعد أن استسلموا لطلب المهرب بالاستلقاء على الأرض، وعند تقدم عناصر الجندرما تفاجؤوا بالمشهد نساء وأطفال ورجال مضرجون بدمائهم، صعقوا من هذا المشهد المأساوي وحاولوا جاهدين اسعافهم لكنهم فارقوا الحياة، 6 لاجئين، أربعة منهم فلسطينيون ومن بينهم أطفال.
تلى هذه الحادثة غموض في مصير الجثث، ومناشدات من عائلاتهم في سورية والمهجر، للكشف عن مصيرهم وكذلك الطفل الرضيع جعفر عزوز (3 أشهر ) الذي غدا اليوم يتيما بلا معيل، وتتحدث المعلومات أن جثث الضحايا تتواجد في براد للجيش التركي على الحدود مع سورية والطفل في مشفى سلوبي بمنطقة ماردين جنوب تركيا.
بالنظر إلى حيثيات هذه القضية، نرى أن المسؤولية جماعية، أطراف عديدة تتحمل نتائج هذه الحوادث الأليمة، أولا الوضع المتأزم في سورية مما يجبر اللاجئين الفلسطينيين على الهجرة، وبالتالي يحتم عليهم الدخول بطرق غير شرعية الى تركيا كون الاخيرة تمنع دخول الفلسطينيين من المعابر البرية.
الوصول إلى تركيا عبر المهربين الذين لا يأبهون بحياة الناس أكثر من اهتمامهم بالمال، واختلاف نقاط العبور من منطقة إلى أخرى حسب الجهة التي تسيطر عليها، فالدخول إلى تركيا من مناطق المعارضة السورية أسهل وأكثر أمنا من مناطق سيطرة تنظيم داعش والقوات الكردية، وهذا ما حدث فعلا مع طارق عزوز وعائلته فمجرد دخولهم من منطقة كردية يمثل خطرا حقيقيا على حياتهم في ظل المواجهة المحتدمة بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردي، فكانت حياتهم فرق عملة لا أكثر.
بالانتقال إلى الوضع القانوني والمعيشي لفلسطينيي سورية في تركيا، فإن التواجد الأكبر لهم في الجنوب التركي ضمن مدن كيليس وغازي عنتاب والريحانية وأنطاكية ومرسين وغيرها، حيث تعتبر هذه المناطق في غالبيتها حدودية مع سورية، جزء منها حدودي مع حلب والأخر مع ادلب.
تمنح السلطات التركية للفلسطينيين بطاقات (كيملك) تمثل هوية شخصية يحصل عليها اللاجئ من دائرة الأمنيات، وذلك أسوة باللاجئين السوريين، ولمن يصل تركيا بطريقة غير شرعية عبر الجبال والأودية، هذه الهوية تستخدم في العلاج الصحي المجاني في المشافي الحكومية التركية، وكذلك تلقي التعليم في المدارس التركية والسورية المدعومة من وزارة التربية التركية.
غلاء المعيشية وإيجارات المنازل وقلة فرص العمل، عنوان رئيس حول الواقع المعيشي لفلسطينيي سورية، حيث يعانون أوضاعا صعبة في تـأمين مستلزمات المعيشة ومصاريف الحياة المرتفعة في تركيا، خصوصا من هم في الجنوب.
كل هذه القضايا تستوجب حراكا على عدة مستويات رسمية وشعبية، تركية وفلسطينية، حيث لا بد من زيادة الدعم الإنساني للاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية إلى تركيا وهذا يقع على عاتق المؤسسات الفلسطينية الخيرية في تركيا والعالم، من خلال كفالة العائلات والأيتام والمساعدة في ايجارات المنازل وفواتير المياه والكهرباء التي تمثل عقبة أساسية في حياة اللاجئين، الذين يجبرون على السكن في منازل لا تصلح للعيش ولا تتمتع بشروط صحية.
ولا بد من دور رسمي فلسطيني للعمل على تنظيم الوضع القانوني للفلسطينيين القادمين من سورية، للتمتع بميزات الإقامة القانونية وصولا إلى تراخيص العمل، ويجري حاليا احصاء لفلسطينيي سورية من قبل السفارة الفلسطينية والجمعية التركية للتضامن مع فلسطين فيدار، بعد موافقة الحكومة التركية على منح فلسطينيي سورية إقامات، وإن كنت إلى حد اللحظة غير متفائل بهذه الخطوة التي جرت في السابق ولم تستكمل.
أما الحكومة التركية يقع على كاهلها العبء الأكبر، واللافت للنظر أنه بالحديث مع المسؤولين الأتراك حول قضية فلسطينيي سورية، نتفاجئ بأنهم لا يعلمون بوجودهم، هم فقط يتحدثون عن اللاجئين السوريين.
فلا بد من سياسة جديدة للحكومة التركية للتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية، والسماح على الأقل لكبار السن والمرضى منهم بالدخول عبر المعابر البرية أسوة بالسوريين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اعداد الفلسطينيين القادمين من سورية إلى تركيا قد تراجعت نظرا لانقطاع الطرق وصعوبة الوصول مثلا من دمشق الى الحدود، وباتت الأعداد القادمة لا تمثل تحديا كبيرا لتركيا إن انتقلت إلى التفكير الجدي بإقامة مخيمات لهم في الجنوب التركي وتقديم الرعاية الإنسانية في مختلف الجوانب، مما يخفف من مصاعب الحياة عليهم.
وانطلاقا من المواقف التركية الداعمة للقضية الفلسطينية، يجدر إصدار عدة قوانين تنظم حياة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية إلى تركيا تراعي وضعهم الانساني من حيث الاقامة والصحة والعمل والتعليم، كون هؤلاء النازحين لا يمكن لهم العودة إلى سورية، وكذلك في ظل هذه الأوضاع الانسانية المتدهورة هنا في تركيا يجبرون على المخاطرة بأنفسهم عبر زوارق الموت وصولا إلى الضفة المقابلة في أوروبا، وهناك يخطون حياة جديدة يبدؤونها من الصفر.
المقال يعبر عن رأي كاتبه