تعود بدايات التعليم الديني اليهودي في العصر الحديث إلى الشتات اليهودي في أوروبا، حيث كان يشرف على هذا التعليم التيارات الدينية الحريدية التي هدفت من خلال إقامة مؤسسات هذا التعليم إلى مواجهة الدعوات لانخراط اليهود وذوبانهم في المجتمعات الأوروبية.
وبعد انطلاق الحركة الصهيونية وبداية الفعل لإقامة الكيان الصهيوني، اعترفت المؤسسات الصهيونية باستقلالية التعليم الديني. ولقد أثر واقع الاستقطاب بين العلمانيين والمتدينين بشكل واضح على النظام التعليمي بعد الإعلان عن إسرائيل؛ حيث اضطرت الدولة الإسرائيلية إلى صياغة النظام التعليمي من حيث المبنى الإداري ومن حيث المناهج ليتلائم مع مع اتجاهات القطاعات السكانية من الدين. من هنا فقد نشأت هناك ثلاثة تيارات دينية أساسية، وهي: التعليم الرسمي العلماني، الذي يستوعب الطلاب العلمانيين، والذي ينتمي إليه حوالي 55% من الطلاب، والتعليم الرسمي الديني الذي يتبع وزارة التربية والتعليم وينتمي إليه 20% من الطلاب، والذي يتوجه إليه بشكل خاص أتباع التيار الديني القومي، والتعليم الديني المستقل وهو الذي لا يخضع لإشراف وزارة التعليم، وتقع ضمنه جميع مؤسسات التعليم التابعة للحركات الحريدية الشرقية والغربية . وقد نظم قانون التعليم الذي سنته الكنيست عام 1953، والذي أدخلت عليه عدة تعديلات عام 2000، العلاقة بين هذه التيارات ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية. وقد ألزم قانون التعليم تيار التعليم الرسمي بأن يهدف، ضمن مجموعة أهدافه أخرى، إلى غرس القيم الدينية عبر تعليم التوراة وتاريخ الشعب اليهودي وتراثه الديني والتقاليد اليهودية.
تم تدشين نظام التعليم الديني الرسمي في الأساس على يد حركة "همزراحي" قبل إعلان الدولة وذلك لغرس مفاهيم هذه الحركة الدينية المتصلة بالشريعة اليهودية في طلابها وأنصارها، حيث سعت "همزراحي" التي انبثق عنها التيار الديني القومي إلى ترسيخ معتقدات أنصارها وتعزيز فكرها الديني والقومي على أساس اعتماد ركيزتين أساسيتين هامتين، وهما: التوراة والشريعة اليهودية من جهة، والبعث القومي من الجهة الأخرى.
وقامت فلسفة هذا التيار على الدمج بين الحياة العصرية والعيش وفق تعاليم التوراة. ولقد بادر مؤسسو "همزراحي" وروادها إلى إقامة مؤسسات تعليمية تعمل على تبني أولويات جديدة في سلم أولويات التعليم من خلال المحافظة على تعليم اليهودية وتشرب معاييرها السلوكية . وعندما قامت إسرائيل عام 1948، تم دمج هذا الإطار ليكون إطاراً رسمياً يتبع وزارة التربية والتعليم، وأطلق عليه التعليم الديني الرسمي. وتنص المادة الثالثة من قانون التعليم الديني الرسمي الذي سن عام 1953 على أن: "التعليم الديني الرسمي هو تعليم رسمي، لكن مؤسساته تكون مؤسسات دينية وفق منهج الحياة الديني، وتوضع المناهج ويسير المعلمون والمدراء والمفتشون على ذات النهج" .
وعلى الرغم من أن جهاز التعليم الديني الرسمي جزءٌ من الجهاز الرسمي العام؛ إلا أن إدارته مستقلة؛ حيث إن الدولة ضمنت أن تتم إدارته بشكل مستقل بدون تدخل وزارة التعليم، ويشرف على إدارة هذه التعليم مجلس التعليم الديني، وهو مجلس يضم أربعة عشر عضواً يمثلون جميع قطاعات اليهود المتدينين بالإضافة إلى مؤسسة الحاخامية الكبرى. ويتم تعيين أربعة من أعضاء المجلس بترشيح من وزير الأديان الذي عادة ما يكون منتمياً لإحدى الحركات الدينية الممثلة في الائتلاف الحاكم. ويقلص وجود هذا المجلس الصلاحيات التي تتمتع بها وزارة التعليم ووزير التعليم، فالمجلس هو المسؤول عن ترشيح الأشخاص الذين يراهم مناسبين لشغل مناصب الإدارة والتفتيش في هذا الجهاز، ويكون وزير التعليم ملزماً بتنفيذ توصيات هذا المجلس . ولا يحق للوزير التدخل في القرارات التي يتخذها المجلس؛ حيث إن معيار احترام قرارات المجلس هو أن تحظى باحترام وتقدير الجمهور المتدين.
ويشرف المجلس على وضع وتطبيق منهاج التعليم في المدارس الدينية الرسمية، ويعتبر مدير قسم التعليم الديني في وزارة التعليم موظفاً مستقلاً، ولا يخضع لإمرة مدير عام الوزارة. وعلى الرغم من أن وزير التعليم هو الذي يعين هذا المدير؛ إلا أن هذا التعيين مشروط بالتشاور مع مجلس التعليم الديني. وبخلاف التعيينات الأخرى في المؤسسات الحكومية؛ فإنه لا يتم إقرار شغل هذا المنصب إلا بعد مصادقة الحكومة بكامل هيئتها على هذا التعيين، وفي بعض الأحيان يتم إخضاع شغل هذا المنصب للمفاوضات التي تجرى بين الأحزاب والحركات الدينية والحزب الذي يكلف بتشكيل الحكومة؛ حيث تحاول الحركات الدينية أن يتم شغل هذا المنصب من قبل أحد أعضائها أو على الأقل شخص لا يشكل تعيينه مصدر قلق لهذه الأحزاب . ووفق المعطيات الرسمية لعام 2000؛ فإن هناك مائتان وخمسة وثلاثون ألف طالب وطالبة يتعلمون في التعليم الرسمي الديني، وهناك عشرون ألف شخص يعملون في هذا الجهاز الذي يضم سبعمائة مؤسسة تعليمية، بالإضافة إلى ألف ومائتي روضة أطفال .