شمس نيوز/القدس المحتلة
قبل أربعين عامًا، وتحديدًا في 1976، نشر الكاتب آرثر كيستلر كتابًا أمضى سنوات طولية في كتابته، ليحدث زلزالًا هز أركان "دولة إسرائيل"، التي قامت قبل ثلاثين عامًا في أرض الميعاد فلسطين عند صدور الكتاب.
"السبط الثالث عشر The Thirteenth Tribe"، أو "القبيلة الثالثة عشرة ويهود اليوم"، هو عنوان الكتاب الذي دمّر فيه هذا الكاتب اليهودي النمساوي كل المزاعم والمبررات التاريخية التي حاول قادة إسرائيل من خلالها تبرير احتلالهم لفلسطين، وتشريد شعبها وإعلان مدينة القدس عاصمتهم الدينية والسياسية، وكل المزاعم يسعون إلى تهويد القدس وإعلان يهودية الدولة، كما دمر كل المبرارات القانونية التي يلجأ إليها اليهود اليوم لمواجهة كل من يفنّد وجود دولة إسرائيل في فلسطين بحجة معاداة السامية، فيهود اليوم كما يشير كيستلر في دراسته الأنثربولوجية لا يمتون بصلة لا من قريب ولا من بعيد للساميين، وهذه النتيجة المدهشة أكدها اليوم علم "هندسة الجينات البشرية" في دراسة مدوية ستصدر قريبًا في بريطانيا، تطرقت لها صحيفة الإندبندنت في عددها الصادر في 20 الشهر الجاري، وسنقف على التفاصيل لاحقًا.
انطلق آرثر كيستلر في كتابه (ترجمه إلى العربية أحمد نجيب هاشم، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1991) بعبارة مزلزلة قال فيها: "كتبت هذا الكتاب قبل الوقوف على الحجم الكامل للمحرقة الكبرى التي تعرض الشعب اليهودي، بيد أن ذلك لا يغير الحقيقة القائلة بأن الأغلبية الكبرى من اليهود في العالم في الوقت الحاضر، تقدر الدراسات المعاصرة نسبتهم بـ 90%، هم من أصل أوروبي شرقي، وبالتالي لعلهم بالدرجة الأولى من أصل خزري، وإن كان الأمر كذلك فهذا يعني أن أجدادهم لم يجيئوا من نهر الأردن بل من نهر الفولجا، أجل لم يجيئوا من أرض كنعان بل من القوقاز التي اعتقد فيما مضى أنها مهد الجنس الآراي، ثم إنهم من حيث التركيب الوراثي أقرب إلى قبائل الهون والآوجور والماجيار منهم إلى ذرية إبراهيم واسحق ويعقوب، فإذا ثبت أن هذا هو الأمر الواقع فإن تعبير "معاداة السامية" سوف يكون خلوًا من معناه القائم. إن قصة إمبراطورية الخزر وهي تبزغ على مهل من الماضي تبدأ في أن تبدو وكأنها أكبر خدعة اقترفها التاريخ في أي وقت مضى".
لنقف قليلًا على الفقرة الأخيرة التي قال فيها هذا العالم اليهودي: "إذا ثبت أن هذا هو الأمر الواقع فإن تعبير معادة السامية سيخلو من معناها"، وستجعل من دولة سرائيل أكبر خدعة اقترفها التاريخ أكثر من أي وقت مضى.
هنا بالضبط تكمن أهمية الدراسة التي أجراها الدكتور الإسرائيلي إيران الحايك Eran Elhaik، لصالح جامعة شيفيلد، التي ستنشر قريبًا في المجلة البريطانية العلمية الشهيرة Genome Biology and Evolution، كما ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية.
استدنت دراسة الحايك، التي وصفها بأنها أكبر دراسة وراثية أجريت على الإطلاق على اليهود الإشكناز (موطنهم بلاد الخزر)، إلى النماذج الوراثية المستخدمة في البحث على بيانات الحمض النووي من 376 يهودي من أصل شمال شرق أوروبا، وأكثر من 600 شخص من غير اليهود بشكل رئيسي من أوروبا وغرب آسيا.
إذا ثبت أن يهود اليوم جينيًا من الخزر، فإن تعبير معادة السامية سيخلو من معناها
وخلصت دراسةُ خريطتهم الوراثية إلى أن القرى التركية الثلاث شمال شرق تركيا التي لا تزال موجودة -Iskenaz ،Eskenaz وAshanaz إسكيناز وإشناز وإسكيناز- في الجزء الغربي من طريق الحرير القديم، كانت جزءًا من وطن الإشكناز الأصلي، وأن أكثر من 90% من العرق الإشكنازي، كما يقول علم الوراثة، وبما لا يدع مجالا للشك في هذه القرى الثلاث، كانت هي الوطن الأصلي ليهود الإشكناز وليس لهم علاقة مطلقًا بفلسطين.
وكما يخلص كيستلر في مؤلفه، فإن غالبية اليهود الحاليين ليسوا من أصل آسيوي، أي أنهم ليسوا من أسباط "القبائل" الاثني عشرة نسل يعقوب الوارد ذكرها في التوراة، بل إنهم ينحدرون من بلاد الخزر التي ظهرت في العصور الوسطى، وبلغت أوج مجدها في الفترة الممتدة من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي، امتدت حدودها من البحر الأسود إلى بحر قزوين، ومن القوقاز إلى الفولجا، وكانت عاصمتها "أتل" تقع على نهر الفولجا هي البلاد التي يسميها كيستلر بالقبيلة "الثالثة عشرة"، التي انتشرت ذريتها في كثير من دول شرق أوروبا، خاصة بولندة والمجر وروسيا.
يهود اليوم لم يجيئوا من فلسطين بل من القوقاز، وبعبارة أخرى فإن مصطلح معاداة السامية لم يعد له معنى في ضوء هذه الحقيقة، وعليه فإن قبول العقيدة اليهودية كديانة رسمية لشعب غير يهودي عرقيًا، يمكن أن يكون عرضة لتأملات مثيرة، لأن غالبية يهود أوروبا الشرقية، وبالتالي يهود العالم، هم أصلًا من الخزر لا من أصل سامي، وهذا ما يؤكده علم الهندسة الوراثية ودراسة الجينات.