الحديث عن مواجهة اسرائيل في ظل الفشل في مواجهة الشر الكامن بأنفسنا تجاه بعضنا يشبه قفزة للأمام هرباً من الواقع ليس أكثر لأن الجميع يعرف أن مقاومة الاحتلال تستدعي قبل كل شيء واقعاً فلسطينياً متماسكاً يضع كل الامكانيات الفلسطينية تحت قيادة موحدة وبرنامج واحد يوزع الأدوار على الجميع دون استثناء أحد أو اقصاء أحد.

لا داعي للقول المتكرر أن الانقسام يجعل اسرائيل تستفرد بكل منطقة على حدة سواء الضفة أو غزة وتستفرد بالنظام السياسي القائم هنا وهناك وتخيف كل واحد منهما بالآخر،  فالسلطة لا تريد أن تضعف حتى لا يتكرر نموذج غزة وتحكم حماس الضفة،  أما حركة حماس في غزة فهي أكثر ما تخشى هو سقوط حكمها وعودة السلطة وقد كان التعبير الأبرز أثناء عدوان 2008 عندما كانت تقول أن دبابات السلطة كانت تنتظر على معبر رفح.

أصبحت نقاط قوة الفلسطينيين هي نفسها نقاط ضعفهم أيعقل هذا !! هل رأيتم شعب تحت الاحتلال يفعل بنفسه ما فعلنا ؟ والقادم أكثر سوء اذا استمر الحال وكل يقاتل لوحده معتقداً أن لديه ما يكفي دون الآخرين من مقارعة اسرائيل وهزيمتها،  انه الوهم الذي وقع فيه الجميع وقد تضخم هذا الوهم المعبر عنه في شعارات نسمعها يومياً دون أن تصيبنا بمفاجأة الواقع المعقد أو مفاجأة معرفتنا بامكانيات الفصائل نفسها.

العملية الأخيرة في القدس والتي قام بها الشهيد مصبح هي عملية فردية تشبه كل العمليات السابقة ولكن امكانيات الشهيد وتدريبه واعتقاله السابق وانتماءه لحركة حماس جعل من هذه العملية أن تكون مختلفة عن سابقاتها وقد سارعت حماس لتبني العملية والدعوة لتصعيد الانتفاضة بالضفة والقدس في حين لا تدعو السلطة لذلك فلا الامكانيات موحدة ولا البرنامج واحد بل متضارب حد العظم.

لقد أثارت العملية تخوفات كثيرة عما يمكن أن تكون تداعياتها اللاحقة وقد أثارت أسئلة وسائل الاعلام وجرى حديث عن امكانية اغتيالات قد تنفذها اسرائيل ضد قادة حركة حماس وخصوصاً العسكريين منهم فيما أسئلة القلق على الضفة الغربية كانت أسئلة كامنة ولكنها تحمل لدى المنشغلين بالسياسة قلقاً أكبر ارتباطاً بحكومة أدارت ظهرها للعالم وأخره للموقف الأميركي من الاستيطان ولم تعد تأبه سوى لصوت التطرف داخلها والذي بات يعلن على لسان أحد أبرز شركاء الحكومة نفتالي بيت المطالبة بضم الضفة الغربية.

الخوف أن تستغل الحكومة الاسرائيلية هذه العملية لاضعاف السلطة أكثر مما هي عليه كمقدمة لعزل كل منطقة على حدة وفي مقابل ذلك التحرش بغزة لجز ما تريد من القيادات التي تشكل عائقاً أمام مشروع التهدئة الاسرائيلي وهنا الحديث عن القيادة العسكرية التي أعلنت موقفاً واضحاً بهذا الخصوص ووضعت سقفاً لا يمكن تجاوزه من قبل السياسيين.

المشروع الاسرائيلي واضح لمن يريد أن يرى ويسمع ويراقب ولا يحتاج الى كثير من التحليل والتنقيب للسيطرة على الضفة والكيان الفلسطيني في غزة وهنا يبرز سؤال ما جدوى العمليات وقدرتها على وقف المشروع في هذا الجو السياسي؟ لا يمكن وقف المشروع الا باعادة بناء النظام الذي يضع كل الامكانيات الفلسطينية في سلة واحدة ويتم من خلاله دمج قطاع غزة مع الضفة الغربية وبهذا لا يبقى قيادة وأجهزة خاصة بغزة،  بل مؤسسات هي جزء من الوطن وبالتالي فان ذلك يشكل اجهاضاً لفصل غزة أو اقامة أي كيان منفصل فيها.

لذا فان المهمة الوطنية الأولى أو المهمة الكفاحية بل العملية الأكبر ضد اسرائيل هي البحث عن أقصر طرق المصالحة المتباعدة،  صحيح أنها المهمة أو العملية الأكثر تعقيداً وأن العمليات المسلحة أسهل كثيراً لكن تلك العمليات تبدو كقفزات تائهة دون أن تكون وليدة حسابات سياسية دقيقة ودون توجهات عليا تعرف ما الذي تريد ودون أن تكون جزء من برنامج قادر على استثمار كل شيء للضغط على الاحتلال،  فليأخذ الفلسطينيون استراحة قصيرة وليرتبوا بيتهم أولاً وبعدها ينظروا يميناً ويساراً ويبدأوا من جديد..!!

المقال يعبر عن رأي الكاتب