بقلم: فهمي هويدي
بعد مضى نحو ربع قرن من العيش فى الخرافة والتعلق بالوهم. خرج علينا فى الأسبوع الماضى الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامى فى فلسطين بدعوة للإفاقة والكف عن العبث. وعرض لأجل ذلك برنامجا للإنقاذ من عشر نقاط، غاب صداه فى العالم العربى فى حين ترددت تلك الأصداء قوية فى الفضاء الفلسطينى الذى بات مشغولا بصراعات مكوناته ورموزه بأكثر من انشغاله بالصراع ضد الاحتلال الذى يعادى الجميع.
فى مبادرته دعا الدكتور رمضان عبدالله شلح إلى الانطلاق من الخلاص من الأكذوبة وإعلان إلغاء اتفاق أوسلو، الذى وعد الشعب الفلسطينى بدولته المستقلة على الأراضى التى تم احتلالها فى عام ١٩٦٧، وبعد ٢٣ سنة من الفشل الذريع الذى منيت به جهود الركض وراء الوهم لم تقم الدولة الموعودة، وهو ما سبب إحراجا لقيادة السلطة التى طالما هددت بإلغاء الاتفاقية إذا لم تف إسرائيل بالتزاماتها إزاءها. ولأن التهديد تكرر مرات ومرات ولأن شواهد الفشل وأدلة العبث صارت مقطوعا بها، فإن إلغاء الاتفاق يصبح إجراء ضروريا لتصويب المسار ومدخلا طبيعيا للتعامل الجاد مع القضية.
النقطة الثانية تمثلت فى سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيونى. الذى كان بمثابة الإثم الأكبر الذى بمقتضاه تنازل صاحب الحق عن وطنه التاريخى لعدوه الذى بنى حقه على الأساطير والأكاذيب. وهو التنازل الذى عبر عن حسن نية أملا فى تحقيق وعد الدولة، ثم تبين بعد ذلك أن التنازل كان فخا وقعت فيه القيادة الفلسطينية، فقدمت الجائزة للعدو بلا مقابل.
فى النقاط الثمانى التالية تحدث البرنامج عما يلى:
١ــ إعادة بناء منظمة التحرير لتصبح وعاء جامعا لكل قوى الشعب الفلسطينى.
٢ــ إعلان أن المرحلة التى يعيشها الشعب الفلسطينى هى مرحلة تحرر وطنى من الاحتلال، الأمر الذى يعنى أن المقاومة بأشكالها المشروعة وحدها واجب المرحلة وفريضة الوقت.
٣ــ إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ووضع برنامج ينهى وجود سلطتين فلسطينيتين. واحدة فى غزة تتمسك بالمقاومة والثانية فى رام الله تجرم المقاومة وتنسق مع الاحتلال.
٤ــ وضع برنامج وطنى لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطينى على أرضه.
٥ــ الخروج من حالة اختزال فلسطين أرضا وشعبا فى الضفة الغربية وقطاع غزة، والتأكيد على أن الشعب واحد فى كل فلسطين دون تفرقة بين من بقى فى الأرض المغتصبة عام ٤٨ وتلك التى تم احتلالها فى عام ١٩٦٧، أو بين هؤلاء وهؤلاء وبين من اضطروا للجوء والشتات حول العالم.
٦ــ الاتصال بكل الأطراف العربية والإسلامية لكى تتحمل مسئوليتها التاريخية إزاء هذه الخطوات ولكى توقف الهرولة على التطبيع مع إسرائيل، الأمر الذى يقتضى سحب المبادرة العربية وإنهاء حصار غزة.
٧ــ أن تقوم قيادة منظمة التحرير من موقعها الرسمى بملاحقة دولة الكيان الصهيونى فى كل المجالات. ٨ــ إطلاق حوار وطنى شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطينى لبحث خطوات ومتطلبات الوضع الجديد الذى سيعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية.
المبادرة أعلنها أبوعبدالله على في الاحتفال الكبير الذى أقيم فى غزة فى ذكرى تأسيس حركة الجهاد الإسلامى قبل ٢٩ عاما، وسارعت حركة حماس إلى الترحيب بها، فى حين وصفها متحدثون باسم حركة فتح بأنها غير واقعية.
وذلك أمر مفهوم من جانب السلطة، ولم تعترض عليها الجبهة الشعبية وإنما ذكرت أنها تتقاطع مع بعض مواقفها.
ورغم أن الموضوع لايزال محل مناقشة فى الأوساط الفلسطينية، فإن العقبة الكبرى التى تواجهها تتمثل فى فتور البيئة العربية إزاءها، خصوصا من جانب دول الصف الأول المتبنية للمبادرة العربية وصار بعضها أقرب إلى مسار التطبيع مع إسرائيل.
حين سئلت عن المبادرة قلت إنها تتبنى انتفاضة سياسية تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة قبل أن يطويها النسيان، إلا أنها أقرب إلى الرأى السديد فى البيئة الغلط، لأنها بمثابة ضوء فى بداية نفق معتم يبدو مسدودا.
المقال يعبر عن رأي الكاتب