غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الحرب على غزة في CNN

بينما كانت دولة الاحتلال تصب نيرانها المجنونة على غزة، كانت هنالك حرب أخرى تخوضها محطة "CNN" لتشكيل الرأي العام الغربي والأميركي بشكل خاص لحساب إسرائيل.

كان ذلك جلياً في طبيعة اختيار المراسلين لغزة وإسرائيل، في الأسئلة التي يطرحها مراسلوها ومقدموها على مضيفيهم، في اختيارهم للمواضيع التي تجري تغطيتها في غزة، في تجنبهم لطرح الأسباب التي أدت للحرب، وفي تأييد الرواية الإسرائيلية للحرب بدلا من تحديها بما في ذلك دعم المحطة لحكومة نتنياهو ضد الأميركية نفسها.

في اختيار المراسلين، اختارت "CNN" وولف بلتزر لتغطية المشهد الإسرائيلي من الحرب، بينما قامت خلال الفترة نفسها بتغيير مراسلها في غزة.

كيف يمكن أن نفهم سبب تغير المراسلين في غزة وعدم تغيرهم في إسرائيل؟ السبب في ذلك يعود إلى حقيقة أن وجود مراسل ثابت لوقت طويل نسبياً في مكان واحد يمكنه من تطوير علاقات أفضل مع محيطه وبالتالي من القدرة على نقل الصورة كما هي حقيقة على الأرض، أو في حالة انحياز المراسل للجهة التي يقوم بتغطيتها، إلى العمل كبوق دعائي لتلك الجهة.

في غزة قامت "CNN" بتغيير مراسلها حتى لا يتمكن من تطوير علاقة مع محيطه.

مراسل المحطة الأول كان بن ويدمان، الصور والمشاهد التي نقلها من غزة في بداية الحرب واللغة التي كان يستخدمها في تقاريره كانت تعكس وإلى حد بعيد حقيقة غزة خلال الحرب.

مشاهد الدمار والضحايا، حقيقة استهداف المدنيين وعدم وجود مكان آمن لهم في غزة، لكن يبدو أن طريقة ويدمان في نقل الصورة لم تعجب إدارة المحطة لذلك قاموا باستبداله وإرسال كارل بنهول مكانه.

بنهول كان أكثر حرصاً على نقل الصورة والتشكيك فيها في الوقت نفسه.

ولحرمانه من فرصه تطوير علاقة مع مكان عمله، جرى لاحقاً تغييره حرصا على التشكيك في الرواية الفلسطينية للأحداث.

مثلاً، عندما تم قصف مدارس الوكالة لم يقم مراسلو المحطة الثاني والثالث بإجراء مقابلات مع مسؤولي الوكالة لبيان حقيقة أن إسرائيل هي من قامت بعملية القصف، وتم الاكتفاء بذكر وجود ادعاءات من الوكالة بأن إسرائيل هي من قامت بعملية القصف، والتذكير، وذلك من باب التشكيك، بأن مدارس الوكالة كان قد جرى تخزين أسلحة للمقاومة فيها.

أضف إلى ذلك، أن التقارير بخصوص هذه المدارس كانت دائماً تؤكد وجود احتمالية، وهي الرواية الإسرائيلية، بأن هذه المدارس ربما تكون قد قصفت بصواريخ المقاومة (نظراً لبدائيتها).

حتى عندما تم قصف محطة الكهرباء في غزة، تم التعامل معها بالطريقة نفسها (ربما قصفت بالخطأ بصواريخ المقاومة).

الأهم من ذلك كله أن المشهد الإنساني قد غيب تماماً عن الحرب. التقارير خالية من مشاهد معاناة الناس بسبب عدم وجود الكهرباء والملاجئ وفقر المستشفيات، ولا تقارير عن العائلات التي قتلتها إسرائيل بأكملها.

في المقابل لم يتم استبدال بلتزر في تغطيته للجانب الإسرائيلي لأن علاقاته "المتقدمة" مع المحطة وروايته للأحداث تتماهى مع إسرائيل. بلتزر مثلاً هو أول من طرح موضوع نزع سلاح فصائل المقاومة كأحد النتائج التي تريدها إسرائيل من هذه الحرب وهو موضوع لم تطرحه إسرائيل نفسها في بداية الحرب.

في مقابلاته مع المسؤولين الإسرائيليين لم يتحدى ولف رواياتهم في أية مقابلة بعكس ما كان يفعله مع المسؤولين الفلسطينيين.

رواية أن الإسمنت الذي كان يسمح بدخوله لغزة بين الفينة والأخرى كان يستخدم لبناء الأنفاق ركز عليه بلتزر منذ بدأت الحرب البرية لكنه لم يذكر السبب في أي تقرير له لماذا بنيت الأنفاق أصلاً.

في مقابلته مع أسامة حمدان، تعمد بث مقطع صوتي يقول فيه حمدان إن اليهود قتلوا المسيحيين تاريخيا واستخدموا دمهم في صناعة خبزهم المقدس.

وهي جملة ما كان يجب على مسؤول سياسي فلسطيني أن يرددها، لكن المسألة هنا، هي أن بلتزر لم يذكر أيضاً ما قاله البروفيسور موردخاي كيدار من جامعة بار إيلان عن ضرورة التلويح باغتصاب أمهات واخوات من ينفذون عمليات انتحارية، أو ما قالته إيليت شاكيد، النائبة في الكنيست الإسرائيلي عن ضرورة قتل الأمهات الفلسطينيات.

ألـ CNN لم تقم بتغيير مراسلها في إسرائيل لأن علاقاته الحميمة مع المسؤولين الإسرائيليين تخدم أجندتها التي تريد تصوير الحرب على أنها حرب على "حركة إرهابية" وهي "حماس" وليست حرباً على الشعب الفلسطيني في غزة.

يظهر ذلك جلياً في عدم قيام المحطة ومراسلها بطرح الأسئلة الجوهرية على ضيوفهم.

الأسئلة المتعلقة بأسباب الحرب الأخيرة مثلاً لم تطرح في أي سياق. لم يجر الحديث عن نفي "حماس" لعلاقتها بمقتل المستوطنين الثلاثة، ولا عن الحملة الإسرائيلية في الضفة التي قتلت فيها إسرائيل أكثر من ثمانية فلسطينيين واعتقلت المئات قبل أن تنتقل لاستهداف المقاتلين في غزة.

كل ذلك اختفى من سياق الحرب وظهر منه فقط أن إسرائيل تحارب حركة إرهابية مصنفة هكذا لدى الإدارة الأميركية.

في هذا السياق أيضاً، غيبت المحطة أي حديث عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة أو أي حديث عن الحصار الإسرائيلي لغزة، وتم تغييب الحديث عن المستوطنات وفشل مفاوضات لها ربع قرن بسبب رفض إسرائيل الاعتراف بحقوق شعب لا يزال يقتل بسبب تمسكه بها.

كلمات مثل الاحتلال، الحصار، والاستيطان بدت وكأنها تابوهات لا تقترب منها المحطة.

في مقابلاتهم مع المسؤوليين الإسرائيليين كان يتم إعطاؤهم الوقت الكافي لشرح روايتهم الهشة بأنهم غادروا غزة منذ العام 2005 وتركوا خلفهم مزارع كانت تدر ملايين الدولارات لأهل غزة، لكن "حماس" قامت بتخريبها وفضلت ممارسة الإرهاب على "السلام" مع إسرائيل.

هذه الرواية مثلاً والتي رددت طيلة فترة الحرب، لم يجر تحديها من قبل المحطة.

لم يسأل أحد ضيوف المحطة من الإسرائيليين بأن سيطرتهم على المعابر والبحر والجو تعني استمرار احتلالهم لقطاع غزة من خارجها.

لم يقل لهم أحد إن منعهم لتصدير منتجات هذه المزارع ومنعهم لدخول الأسمدة هو ما أدى لتدمير هذه المزارع.

ولم يذكرهم أحد بأن "حماس" لم تمارس عملا مسلحا خارج الأراضي الفلسطينية وأنها بخلاف "القاعدة وداعش والنصرة" هي جزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني بدليل وجودها في حكومة توافق فلسطيني.

حتى موقف الإدارة الأميركية الداعم لإسرائيل، وفي الوقت نفسه الداعي لوقف الحرب، جرى تغليب الموقف الإسرائيلي عليه.

ظهر ذلك واضحاً في تغييب الإهانات التي وجهها الساسة الإسرائيليون لوزير الخارجية الأميركية من خلال إجراء مقابلات مع مسؤولين أكدوا عمق العلاقة مع الولايات المتحدة، بينما الرفض الإسرائيلي للمبادرات الأميركية تم تجاهله تماماً من قبل المحطة. الأسوأ من ذلك، أن المحطة ركزت على أكذوبة أن مواقف إدارة أوباما الخارجية أضعفت من دور الولايات المتحدة في العالم وهو موقف إسرائيلي في حقيقة الأمر وجوهره أن الولايات المتحدة عليها أن تكون أكثر صرامة بما في ذلك خوض حرب عسكرية على إيران، تأييد إسرائيل بشكل أعمى في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بما فيه رفض حكومة توافق فلسطيني.

المضحك حقيقة في موضوع تغطية المحطة للحرب على غزة، أن صواريخ المقاومة صورت على أنها كارثة وجودية لإسرائيل (علماً أنها لم تقتل أكثر من ثلاثة مدنيين)، بينما تم تصوير، الصواريخ نفسها، على أنها بلا فائدة وبلا تهديد حقيقي عندما قررت الولايات المتحدة ومعها عدة دول غربية وقف رحلات طيرانها المدني لإسرائيل خوفاً من هذه الصواريخ.

بشكل مختصر، لم تكن محطة CNN محايدة في هذه الحرب وقد يكون مناسباً في هذا المقال تذكير المسؤولين الفلسطينيين الذين يظهرون عليها بأن عليهم دائماً التذكير بجوهر الصراع مع إسرائيل: الاحتلال، الاستيطان، والحصار لأن هذا بالضبط ما تحاول أن تخفيه هذه المحطة لخداع الجمهور الأميركي.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".