بقلم/ د.مصطفى البرغوثي
يشبه سلوك إسرائيل في إقرارها قانون اللصوصية والنهب الذي أقره الكنيست الإسرائيلي، سلوك المجرم في قصة دوستويفكي الشهيرة "الجريمة والعقاب"، فالمجرم لا ينفك يعود إلى مكان جريمته الأصلية، غير أنه في حالة قانون اللصوصية الأخير، وجرائم الاستيطان الجديدة، فإن المجرم يعود لكي يكرر جريمته دون أن يلاحظ أنه بذلك يعيد كشف جريمته الأولى التي ارتكبها عام 1948 ونجح في خداع العالم بشأنها لسنوات، حين سلب الفلسطينيين أرضهم بعد أن شرد معظمهم، وهدم 400 قرية لهم وعمد إلى تهويد مدنهم كصفد وحيفا وعكا.
لم نشهد منذ عام 1948 وإنشاء "إسرائيل" غطرسة ووقاحة كالتي رأيناها وسمعناها خلال الأسبوع الماضي، من نتنياهو ونفتالي بينت إلى ليبرمان إلى شاكيد، وهم يدعون أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل، وألا مكان لدولة فلسطينية، وأنهم سيضمون معظم أراضي الضفة الغربية.
"قانون اللصوصية الجديد" كما سماه بني بيغن ابن مناحيم بيغن الذي لا يمكن اتهامه بالانحياز للفلسطينيين، لا يستهدف فقط تشريع ضم أراضي الفلسطينيين الخاصة لمصلحة الاستيطان غير الشرعي وغير القانوني حسب القانون الدولي، بل يمتد غرضه إلى أبعد من ذلك، نحو ضم أراضي الضفة الغربية، دون سكانها، ويرمي إلى إلغاء إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفي المحصلة فإنه يكرس "إسرائيل" نهائيا دولة للأبارتهايد والتمييز العنصري تفوق في عنصريتها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
لم تكن إسرائيل لتجرؤ على ارتكاب هذه الجريمة الجديدة، لولا الصمت المتكرر على جرائمها الفادحة، ولولا انشغال العرب بمصائبهم، والفلسطينيين بانقسامهم، والعالم بنفاقه حول حل "الدولتين" دون امتلاك الجرأة على فرض العقوبات على إسرائيل. غير أن السيل وصل الزبى، وآن أوان فرض العقاب على الجريمة... ولم يعد هناك مجال للتقاعس أو التراخي أو التجاهل.
لن ترتدع إسرائيل إلا بفرض العقوبات عليها، وقطع العلاقات معها، ولفظ كل أشكال التطبيع معها، وفي مقدمة ذلك رفض الفكرة الخطيرة القادمة من واشنطن حول عقد اجتماع أمني عربي- إسرائيلي معها، بعد كل الذي فعلته وأقدمت عليه، ولن ترتدع إلا بإحالتها فورا ودون تردد إلى محكمة الجنايات الدولية وقطع كل أشكال التنسيق الأمني معها.
كل دولة أوروبية تتبنى حل الدولتين مطالبة الآن بالاعتراف بدولة فلسطين إن لم تفعل ذلك بعد، وكل دولة تحترم القانون الدولي وتحرص عليه مطالبة بأن تقول لإسرائيل إنها ستفرض العقوبات عليها إن لم ترتدع وتلغ قانون اللصوصية وتوقف نشاطها الاستيطاني.
يعرف العالم أمثلة لما أدى إليه التقاعس عن حماية القانون الدولي من نتائج وخيمة بصعود النازية والفاشية وما جره من كوارث على الإنسانية جمعاء، أما نحن الفلسطينيين الصامدين في أرض وطننا فسنبقى، كما كنا، شوكة في حلوق مضطهدينا، جاثمين على صدورهم، وصابرين في مواجهة غطرستهم، وقابضين على الجمر في الحفاظ على حقوقنا وتاريخنا وهويتنا.
قد يقتلون فكرة الدولة الفلسطينية وما يسمى "بحل الدولتين" لكن ذلك لن ينفي وجودنا ولن ينهك عزيمتنا، وسيجد أعداؤنا أنفسهم عاجزين عن إكراهنا على الرضوخ لنظام العبودية والأبارتهايد.
إن كانوا لا يريدون حل الدولتين فسيجدوا أمامهم حل الدولة الواحدة، وسترتفع يد العقاب ليس فقط على جريمتهم الجديدة، بل على جريمتهم الأولى الأكبر والأفظع، فما من جريمة ستمر دون عقاب.