بقلم / حسين حجازي
قريباً يبدو أنه بات متوقعاً أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو لتحقيق وإحلال السلام أو الإطار العام لما يسميه الصفقة التاريخية أو الكبرى، كما وعد في حملته الانتخابية. ولعله يريد إنجازها اليوم قبل الغد لأسباب غير خافية، كإنجازه الأول الذي يعزز من صورته الداخلية والعالمية، كما بدأ فعلياً توسيع المشاركة الفعلية لقواته البرية في سورية والعراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية او ما يسمى داعش في الوقت نفسه. باعتبار الشرق الأوسط هو الأولوية، مغيراً بذلك مقاربة سلفه باراك أوباما التي كانت تقوم على نظرية القيادة من الصفوف الخلفية.
سنرى اذن عما قريب قوام هذه الصفقة التي يعرضها الرجل لتجاوز ما تردد او فشل فيه أسلافه السابقون، وحقيقة الانعدام، انعدام الخور الذي سيقدم عليه ترامب الجريء والجسور، وذلك في تحدي العقدة الإسرائيلية. وفيما اذا كان الرجل سوف يحافظ على أمانته وتمسكه بقناعته ومعتقده، بشأن نجاح هذه الصفقة التي لا يمكنها أن تكون جيدة لطرف وغير جيدة للطرف الثاني، كما قال هو نفسه، أي انها لا يمكن ان تعقد او تتم بين رابح وخاسر وإنما بين رابحين معا.
لكن في غضون ذلك فان هذا يعد خبراً سيئاً ومقلقاً بل ومزعجاً لبنيامين نتنياهو وجماعته، الذين بدؤوا علنا التحضير لخلافته باعتبار ان أيامه أصبحت معدودة، وقد اختفت من التداول الكلامي والتصريحات الكلمات السابقة عن عهد ترامب، الذي بشر اليمين بالخلاص من سيرورة الدولة الفلسطينية. وهيا اذن لضم «معاليه ادوميم» والاستيطان منفلت العقال، وكل ذلك بفضل دونالد ترامب وهي الأقوال التي لم تعد تسمع.
وبدلا من ذلك فإن الامتحان العسير هو الذي يبكر في القدوم، او كما يقال في أمثالنا العامية، فإن الموت أي العقاب هو ما يباغت تارك الصلاة، وقد بنوا كل خططهم على تحاشي هذا التحرك من اجل وضع حد لهذا الاحتلال او الوضع المؤقت ولكن الدائم، اليوم ومنذ اكثر من عشرين عاماً. الأمر الذي استفز أخيرا حفيظة يوسي بيلين، وهو رجل سلام لدعوة السلطة الفلسطينية أن تحل نفسها لتقلب هذا الوضع وتحويله الى مشكلة وعبء لهذا اليمين الذي لا يرعوي، أي بقلب الطاولة عليه او سحب السجادة من تحت اقدامه.
لكن مهلا قال امين عام الجامعة العربية احمد أبو الغيط في الاجتماع المهم الذي عقده وزراء الخارجية العرب، :هذه هي الثوابت العربية على قاعدة الثوابت الفلسطينية، ودعونا نعطي ترامب الفرصة ونتريث قليلا.
يحتل او يشغل مفهوم الصبر في الثقافة الشعبية والدينية عند العرب وفي الشرق عموما أهمية مركزية، حيث يقال إن النصر صبر ساعة، وان الأعمال العظيمة أو الكبرى لا تتم إلا عبر صبر عظيم، وان معادلة العلاقة بين الزمن والسياسة هي المسألة الرئيسية في كل ما يتعلق بتأمين النجاح أو الفوز في إدارة الصراعات أو تحاشي الفشل. واليوم علينا أن ندرك بان هذه المعادلة في الظرف الدولي المعطى، لا تعمل لمصلحة الاحتلال او المشروع اليميني الإسرائيلي الفاشل، والذي يقابل بصدود دولية وإقليمية على حد سواء.
ومن غير المعتاد في الواقع وهذه الملاحظة يجب أخذها بالحسبان، ان يغيب الرئيس الفلسطيني عن حضور اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية العرب تعقد في الجامعة العربية، لكن الواقع ان وزير الخارجية الفلسطيني هو من صاغ القرارات التي تخص القضية الفلسطينية، والتي اجمع عليها وزراء الخارجية العرب، والتي ستقر في القمة العربية أواخر الشهر في الأردن. وثمة اعتقاد بأن الدرس فهم من لدن حتى إدارة ترامب، اذا كان المفهوم المؤطر لهذه الصفقة هي أن أقصر الطرق هي الخط المستقيم، وليس الالتفاف أو المتعرج بين «أ» و «ب». وهو ما قصده ترامب حين قال «وإن كنت اعتقد بان الحل الأول أي حل الدولتين هو الأسهل».
لسنا نحن اذن في مأزق الزمن حتى وان بدا الاستيطان كسيفٍ ضاغط علينا ونحتمل ما لا يحتمل من أذى الاحتلال اليومي، ولكن هذا المأزق مأزق السباق مع الزمن والعجلة وانعدام القدرة على الصبر، هو مأزق لبنيامين نتنياهو وما يمثله هو وجماعته، وكانت اقوال ومواقف وزير الخارجية البريطاني قبل أيام أمام نتنياهو وفي رام الله، هي الإشارة الدالة، فالحل هو دولتان، وليس هذا الحل صعباً او غير ممكن كما يروج البعض يقول الوزير البريطاني. أما الاستيطان كله فهو غير شرعي وهو في الحين نفسه عقبة أمام تحقيق السلام او الصفقة وذكرها بهذا الوصف، وهذا وزير خارجية بريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي، التي تغرد مع دونالد ترامب. وليس موقف النواة الرباعية الصلبة للاتحاد الأوروبي الذي تمثله فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، التي أعطت الإشارات بأنها سوف تقول كلمتها الحاسمة بالفعل لما بعد المؤتمر الدولي للسلام، الذي عقد في باريس عند منتصف هذا العام أي بعد الانتخابات الفرنسية.
ومن سوء طالع اليمين الأيديولوجي الإسرائيلي ان هذه الانتخابات لا تحدث حملاتها على وقع الموقف من التطرف الإسلامي، وانما على وقع فضائح الفساد لليمين تماما على نفس الإيقاع الذي تحضر اليه الانتخابات الحزبية الداخلية في إسرائيل نفسها استعدادا للانتخابات العامة لخلافة نتنياهو نفسه. ولوحظ هنا ان موشي يعالون الذي قرر الدخول في حلبة هذه الانتخابات انتقاما من نتنياهو الذي غدر به وأقصاه عن وزارة الحرب، وضع محاربة الفساد باعتباره الشعار الأول لحزبه الجديد الذي ينوي إقامته. وعلى وقع التحقيقات في فساد رئيس الوزراء الإسرائيلي وفساد ممثلي اليمين الفرنسي والأوروبي، انما تجري هذه الانتخابات فيما بدأ الممثل الملهم لهذا اليمين أي دونالد ترامب منذ خطابه الرئاسي فعلا الذي ألقاه أمام الكونغرس، بتعديل الصورة اليمينية الفاقعة. واذا كان يسرب معلومات عن قرب بلورة صفقة السلام في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية، فان الرسالة واضحة ان اليمين السياسي ليس سوى عنوان وطريق الى الفشل في العالم وإسرائيل.
لم تعد الأرض والمسرح الدولي بما يتسع المسرح الدولي القديم مجالاً رحباً أمام إسرائيل المعزولة والمنبوذة. الى أقصى الشرق يا بنيامين نتنياهو الى سنغافورة وأستراليا، ولكنه الموقف هو نفسه الموقف الواحد. والى موسكو لمغازلة روسيا وبوتين، ولكنه الموقف الواحد. أما أوروبا فما عادت محط رحال زمرة حاكمة غير مرحب بها، أما وزير جيشه افيغدور ليبرمان فانه من تحت باطنه كما يقال يلائم تغريداته السياسية المعتدلة، مميزاً خطابه عنه والجوقة المتطرفة في إسرائيل، التي تغرد خارج السرب الدولي محاولاً ان يبني لنفسه فرصة التأهل ليكون المرشح الأكثر حظا في وراثة الرجل.
يهرب الى الأطراف ويطرح قضية إيران على حدود الجولان في موسكو، لمغازلة العرب السنة في مواجهة الإرهاب الشيعي، على أمل خلط الأوراق بينما الزيارة أو التحرك الذي قام به وزير الخارجية البريطاني، هو الحركة في الصميم في مركز الهدف. فهل كانت هذه الحركة البريطانية في هذا التوقيت تحمل رسالة تحذير او تنقل رسالة من مركز التهديف الى مركز القرار في واشنطن؟.
في هذا الوقت يبدد الرئيس الأميركي بنفسه أية شكوك، وجرياً على أسلوب شخصيته ظهر بنفسه وقام يوم امس بالاتصال هاتفياً بالرئيس أبو مازن، وأعلنت إدارته إرسال مبعوثه إلى عملية السلام الأسبوع القادم. هل بدأ تحرك ترامب اذن حتى ابكر مما توقعنا؟ وسنعرف فحوى ما تم الحديث عنه لاحقاً. لكن الرجل بدأ فعلياً التحرك تجاه العنوان، والعنوان هو الطرف الفلسطيني.