المقال يعبر عن رآي كاتبه
بقلم/عبد الناصر النجار
شهدت الأيام الماضية حراكاً أميركياً في محاولة لقذف حصى صغيرة في بركة راكدة ومتعفنة سياسياً.
بوادر الحراك تمثلت في الاتصال الهاتفي بين ترامب والرئيس محمود عباس، والذي تبدّت أهميته بالنسبة للسلطة الفلسطينية في أنه كسر جليد القطيعة مع الإدارة الأميركية الجديدة مع أنه لم يقدم جديداً.
كثير من المحللين بالغوا في نتائج الاتصال إلى الحد الذي حاول فيه بعضهم أن يقول إن هناك تغيّراً واضحاً في موقف الإدارة الأميركية من القضية الفلسطينية، مع أن ما هو على أرض الواقع يشي بعكس ذلك. فحتى الإشارات الأميركية فيما يخص الاستيطان لم تبتعد أكثر من التمني على القيادة الإسرائيلية ألا تفلت عقال الاستيطان بشكل كبير... في الوقت نفسه لم تعترض على البناء الاستيطاني داخل حدود المستوطنات أو ما يسمونه الاحتياجات الإنسانية، أي الزيادة في أعداد المستوطنين وحاجتهم للتوسع.
ربما بالغ الفلسطينيون كثيراً أو ربما نتائج الاتصالات مع الادارة الاميركية، ووجد فيها البعض لوحا خشبيا في بحر سياسي هائج طوقاً للنجاة، ولكن المحصلة الحقيقية حتى الآن لا تتجاوز الصفر، لأن إسرائيل هي المستفيد الأول من التطورات الجارية على الساحة الأميركية والإقليمية، وهي التي تفرض الوقائع على الأرض.
في الجانب الفلسطيني،وفي ظل تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية لم نشاهد أكثر من بيانات الاستنكار والتحذير ومناشدة المجتمع الدولي التدخل، إلا أن جميع المحاولات الفلسطينية تبدو كمن ينادي على من لا يسمع، أو كما يقول بيت الشعر "لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي".
ممثل ترامب الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات - وللعلم هو أحد خريجي المعاهد الدينية اليهودية الاسرائيلية - أجرى محادثات هدفها استطلاع وجهات النظر، بمعنى أن الإدارة الأميركية الجديدة تعيدنا لنقطة البداية، أي إلى مرحلة الاستطلاع، مع أن من المفترض أن الإدارة الأميركية عندها بنك معلومات متكامل عن الوضع في المنطقة، وسير المحادثات خلال الخمسين وليس العشرين سنة الماضية، إلا إذا كان المطلوب رحلة تفاوض جديدة لا نهاية لها.
المبعوث الأميركي- وفي سابقة خطيرة - عقد لقاء رسمياً مع ممثلي المستوطنات، في تأكيد على اعتراف أميركي غير مباشر بشرعية هذه المستوطنات بدلاً من اعتبارها خرقاً للقانون الدولي وغير شرعية، وفق ما يؤكد المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن.
نحن نتساءل، كيف تقبل الإدارة الأميركية الجلوس رسمياً مع أطر يعتبرها القانون الدولي ومجلس الأمن غير شرعية ومعتدية أيضاً، هل تتعمّد إدارة ترامب عدم الاعتراف بالقانون الدولي في الحالة الإسرائيلية.
إدارة ترامب تحاول إيجاد خطة أو مسار بديل لما هو قائم أو لما حاولت الإدارة الأميركية السابقة تحقيقه، وبذلك هي تبحث مع الإسرائيليين أولاً عن البديل لحل الدولتين أو الدولة الواحدة أو ما هو الخيار المقبول للإسرائيليين.
ربما الفكرة الأساسية المشتركة بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي هي الاتفاق على الحل الاقتصادي، وهذه الأفكار تعود بالأساس إلى نتنياهو، الذي كان دائم الحديث عن الحل الاقتصادي، على اعتبار أن تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين تحت الاحتلال هو الذي سيغير المسار وينهي المطالبة بالدولة.
إدارة ترامب تبث هذه الفكرة من خلال الإفراج عن المساعدات المالية التي جمدتها سابقاً، وزيادة هذه المساعدات، ولكن ليس للسلطة الفلسطينية وإنما للمنظمات غير الحكومية.
الجديد في التحركات السياسية هو الطرح الذي قدمه عمانوئيل شاحف، وهو ضابط سابق في جهاز "الموساد"، وأحد نشطاء حزب العمل، حيث قدم خطة للإدارة الأميركية والتقى أعضاء في الكونغرس الأميركي، تدعو الخطة بالأساس إلى تغيير نظام الحكم في إسرائيل وتحويله إلى نظام فيدرالي مثل الولايات المتحدة وكندا، ثم تقسيم فلسطين التاريخية أو ما يسميها "أرض إسرائيل" إلى مجموعة كانتونات ليتم بعد ذلك تفكيك السلطة الفلسطينية بالاتفاق، وسريان القانون الإسرائيلي على جميع هذه الكانتونات، أي السيطرة الإسرائيلية الكاملة، مع إعطاء هامش كبير لكل كانتون لإدارة قضاياه ومشاكله الداخلية بنفسه، ويصبح الفلسطينيون في الضفة مثل الفلسطينيين في مناطق 48 مقيمين في دولة اسرائيل، مع بقاء المستوطنين في كانتوناتهم في الضفة الغربية، ويستبعد هذا الحل بالمطلق قطاع غزة.
في إطار الخطة سيكون هناك 30 كانتوناً، وسيبقى الجيش الإسرائيلي والكنيست والعلم الإسرائيلي والنشيد الإسرائيلي والهجرة المفتوحة لليهود والذين يجب أن يمثلوا ثلثي السكان، وستكون العبرية والعربية لغتين رسميتين.
إذن هي خطة بديلة قدمت للإدارة الأميركية، قد تبدو مثيرة للسخرية، لكن الواقع الهزلي الذي نعيشه، وأحلام اليقظة بقدرة ترامب على تغيير المعادلة، تتيح لمثل هذه الأفكار أن تظهر.
أحلام اليقظة لا تتحقق، وعلى الفلسطينيين التعايش مع الواقع بكل مرارة وعدم الانسياق وراء خريجي المعاهد الدينية والمستوطنات الإسرائيلية.