شمس نيوز/ توفيق المصري

تصوير/ حسن الجدي

تمسك ندى أعواد الأيس كريم الخشبية المهملة التي قامت بجمعها، ثم تشرع بإلصاقها إلى جانب بعضها البعض لصناعة لوحة مربعة، وبشغف الانتظار ريثما تجف المادة اللاصقة، تبدأ بنثر الألوان وفق مخطط لرسومات بسيطة وجمالية.

عيدان الأسنان والأذنين، أسياخ الشوي الخشبية، وبرادة الأقلام الخشبية، عصي الأيس كريم، قشور الفستق، وأوراق وجذوع الأشجار، وعجم الزيتون والخوخ والخيش، وأوراق الجرائد والأوراق البالية، والأحجار، بتلك المواد المتوفرة والمتاحة تستعيض الأختان ندى ومها شكشك عن المواد الأساسية لأي فنان في قطاع غزة؛ لتشكيل لوحات ابتكرنها بأقل التكاليف، في ظل ظروف اقتصادية صعبة لتوفير المواد الخام لإنجاز اللوحات التقليدية.

أحرف اللغة لابد لها من أن تجتمع لتشكل جملًا تسرُ قارئيها، وتحتاج لمن يتقنها، وتمامًا هي لوحاتهن التي تشكلت بأناملهن.

فما إن وطأت أقدامنا باب منزلهن، في حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة، حتى تسارعت خطواتنا؛ لجمال صنيعهما، واحتار الزميل حسن من أين يبدأ بالتقاط الصور.

وعلى الجانب الآخر، يلفت الانتباه الشغف الذي يسكن الفنانة ندى (23عامًا) وهي تمارس هوايتها.

تقول ندى وهي ممسكة بريشتها للبدء بتلوين لوحة أعدتها من أعواد الأيس الكريم التي جمعتها في لوحة مربعة، "ظننت أنني بمعدل 83% الذي حصلت عليه بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصى خلال العام 2016، أنه سيسهل فرصة حصولي على وظيفة، وسرعان ما خاب ظني وجلست في البيت".

ندى ومها من بين آلاف الخريجين العاطلين عن العمل في قطاع غزة، إذ أظهر تقرير للقوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أخيرًا، أن عدد العاطلين عن العمل في القطاع حتى نهاية العام الماضي بلغ 206.8 آلاف شخص، فيما بلغت نسبة الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل ما يزيد عن 150 ألف خريج في الضفة والقطاع.

في ظل هذه الواقع السيء، وجدت الفنانة ندى نفسها أمام مفترق طرق، إما أن تثبت نفسها بتميزها عن الطابع المألوف للفنانين في قطاع غزة، أو تنضم إلى قوافل البطالة.

تقول ندى، "بعد تخرجي وجلوسي في المنزل مدة عام، اتجهت للبحث عن أشياء جديدة ومميزة لم يتجه لها أحد من قبل، وجاءت الفكرة بأن أجلب من الطبيعة مواد مستهلكة ومهملة، وأن أعمل على تحويلها لقطع ذو قيمة فنية وجمالية، وبدأت أول عمل بأعواد الأيس كريم، ووجدت نفسي أمام فن آخر عما درسته في الجامعة وبرسومات مميزة وبسيطة".

وحول البدايات تقول ندى، "ذات يوم جاءتني فكرة وكنت أريد تنفيذها، لكني وجدت أنها تحتاج إلى لوحة، وبسبب ظروفي الاقتصادية الصعبة وارتفاع ثمن اللوحات، استبدلتها بمواد وخامات متوفرة ومهملة ومنها ما ثمنها رخيص.. فاتجهت لأعواد الأيس كريم وأسياخ الشوي، ولنكاشات الأذنين والأسنان، ولجذوع الأشجار".

وتوضح ندى أنها منذ دراستها للفنون الجميلة، وهي تجمع كل ما تراه صالح للرسم.

وتتمني ندى أن يكون لها مشروعها الخاص، لتسوق من خلاله أعمالها وحتى يوفر لها الدخل المادي للاستمرار في موهبتها، نظرًا لصعوبة أوضاعها الاقتصادية، كما وتتمنى أن يتم تشكيل هيئة رسمية للفنانين لتعمل على رعايتهم ودعمهم، وأن تنظم لهم المعارض لعرض لوحاتهم وتبرز إمكانياتهم وطاقاتهم.

وتطالب ندى الجهات الحكومية الاهتمام بالخريجين وتقديم الدعم لهم، لدفعهم نحو التميز والابداع أكثر.

على يسار ندى، جلست أختها مها لتشاركها نفس الموهبة والإحساس، لكن الأخيرة اتجهت لدراسة طب الأسنان، التي قد تجد فيها فرصة الوظيفة والعمل أقرب من تخصص أختها ندى، ولتتمكن من توفير أدوات تنمية موهبة طفولتها في الرسم.

ما إن انتهت مها من الرسم على إحدى أوراق الأشجار، حتى علقتها على جدار غرفتها، إلى جانب لوحات أخرى صنعتها من برادة الأقلام الخشبية وباستخدام أوراق الجرائد.

وتعمل مها على مساندة أختها ندى في تلوين لوحاتها، فإحداهن ترسم الخطوط والأخرى تبدأ بالتلوين، هكذا تتبادلان الأدوار.

كما وتعمل مها على تفريغ طاقتها في الرسم، وتخصص جزء من وقتها للرسم وصناعة اللوحات.

"إذا لم نمسك الريشة للرسم والتلوين ونحن جالسين، فنحن نتشارك الإحساس والتفكير في صناعة لوحاتنا، ونعمل على تشجيع بعضنا البعض لتنفيذها سويا".. تقول مها وهي تصنع لوحة من لفافات الأوراق البالية.

وتضيف وهي تنتقل للرسم على أحجار تعتبرها الأقرب إلى قلبها، "تواجهنا العديد من المعيقات أولها مشكلة الكهرباء التي يعاني منها كل القطاع والتي تؤثر على أدائنا، ونعاني من ارتفاع أسعار الأدوات والألوان".

ورغم المعيقات التي تواجهن، إلا أن مها وندى تُعتبرن أول فتيات في غزة يتجهن لصناعة لوحات فنية من "العدم" ومن مواد مهملة.