بقلم: د.إبراهيم أبراش
بعد عشر سنوات من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة ووصول حوارات المصالحة لطريق مسدود يقفز مباشرة السؤال المركزي : لماذا فشلت كل جهود المصالحة ؟ وهل ستنجح زيارة الرئيس أبو مازن لتركيا في تحريك ملف المصالحة ؟
للإجابة على هذه الأسئلة سنُعيد ما كتبنا عنه سابقًا مرارًا وتكرارًا بأن مصطلح الانقسام ظهر بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وفصل غزة عن الضفة وقيام حكومتين وسلطتين فلسطينيتين متعاديتين، هذا الانقسام محصلة مخطط إسرائيلي إقليمي، وليس فقط نتيجة خلافات فتح وحماس، صحيح أنهما يتحملان مسؤولية كبيرة بحكم موقعهما السلطوي وتمثيلهما لأغلبية الشعب الفلسطيني ولأن إسرائيل وظفت خلافاتهما وصراعهما على السلطة لتنفيذ مخططها وبعض الأطراف الفلسطينية شاركت فيه، ولكن المعادلة أكبر من مجرد خلاف فلسطيني داخلي .
لذا فإن ما يُفشل جهود المصالحة أن الأطراف الفلسطينية في معادلة الانقسام ما زالت تكابر وتتهرب من الاعتراف بالحقيقة وهي أن الانقسام مخطط إسرائيلي وجد فرصته للتنفيذ مع احتدام الخلافات الفلسطينية الداخلية ومع ظهور مشروع الشرق الأوسط الجديد 2004 الذي يُفسح المجال لمشاركة جماعات الإسلام السياسي في السلطة في العالم العربي، وهو مخطط وجد رعاية ودعم من دول عربية ومشاركة أطراف فلسطينية ،بعضها بوعي وإدراك لحقيقة ما يجري وبعضها الآخر عن جهل .
للأسف تعاملت الأطراف الفلسطينية في حوارات المصالحة وكأن الانقسام مشكلة فلسطينية داخلية ، وفي ظني أن أية مصالحة لإعادة توحيد الضفة وغزة في إطار سلطة وحكومة واحدة في ظل الاستمرار بالالتزام باتفاقات أوسلو والتسوية لا يمكنها النجاح بدون موافقة مصرية وإسرائيلية وأمريكية بسبب الاتفاقات الموقعة وما يترتب عليها من التزامات واشتراطات مالية، أو بسبب الجغرافيا .مثلا لا يمكن لأي طرف أن يرعى مصالحة فلسطينية ثم يفرضها على مصر لأن أهم عناصر المصالحة رفع الحصار عن غزة وفتح معبر رفح وهو شأن يخص مصر وجزء من أمنها القومي وخصوصًا في ظل الاوضاع الأمنية التي تعيشها مصر، ولا يمكن فرض مصالحة على إسرائيل إن كانت مخرجات المصالحة توحيد غزة والضفة، لأن اسرائيل تتحكم بالجغرافيا التي تتحكم بالممرات الوحيدة التي تؤمن التواصل الجغرافي بين الضفة وغزة ،ولأن استمرار الانقسام يخدم مصلحة إسرائيل .
وهكذا يتم تناول موضوع المصالحة دون تحديد دقيق لمفهومها والغرض منها، وفي هذا السياق يتم الخلط بين المصالحة كمصطلح جديد ودخيل على الحقل السياسي الفلسطيني ظهر بعد احتدام الخلافات والاقتتال بين فتح وحماس بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو 2007، والوحدة الوطنية وهو المصطلح الذي كان سائدًا قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة من جانب آخر .
المصالحة بالمعنى الأول يُقصد بها إنهاء سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وإعادة الأمور إلى ما قبل ذلك، أي لحكومة وسلطة واحدة في الضفة وغزة وهي بهذا المعنى لا تنفصل عن التسوية السياسية والتزاماتها ما دام هدف المصالحة إعادة توحيد السلطة في إطار الالتزام باتفاقية اوسلو أو ببرنامج منظمة التحرير الملتزمة بالتسوية السياسية، أيضًا لا يمكن أن تنجح هذه المصالحة إن اقتصرت على الحوار بين الفلسطينيين لأنه كما سبق الذكر فالانقسام نتيجة معادلة أكبر من الفلسطينيين .
إن لم تتوفر الشروط الفلسطينية أو الإسرائيلية أو الإقليمية للمصالحة بالمعنى السابق فإن البديل هو المصالحة الوطنية بعيدا عن حسابات تقاسم السلطة ومغانمها ونقصد بذلك الوحدة الوطنية، هذه الأخيرة وإن كانت لا تتجاهل المصالحة بالمفهوم السابق من حيث التوافق على حل المشاكل المترتبة عن الانقسام وخصوصا الحكومة والرواتب والمعابر وحصار غزة، إلا أنها تتعامل مع الموضوع بنظرة أكثر شمولية وتعالج الأسباب الحقيقية للانقسام، الأمر الذي يتطلب العودة لمنظمة التحرير الفلسطينية كعنوان للمشروع الوطني التحرري ومواجهة إسرائيل والتصادم معها بمقاومة شعبية عقلانية ،لتصبح معركة إنهاء الانقسام جزءا من معركة الاستقلال والحرية وبناء الدولة، وهو أمر ممكن في ظل مأزق النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته وبسلطتيه، وفي ظل تحركات أمريكية عربية قد تُطيح بالمشروع الوطني التحرري برمته .
نعتقد أن زيارة الرئيس أبو مازن لتركيا قد تكون محاولة أخيرة لتحريك ملف المصالحة وقطع الطريق على تل أبيب وواشنطن وأطراف عربية تتذرع بأن الانقسام الفلسطيني هو العائق أمام عملية التسوية وانجاز السلام، ونتمنى أن تلتقط حركة حماس الفرصة وتمد يدها للرئيس وخصوصا أن كل خياراتها ومراهناتها ومحاولاتها للتنسيق مع أطراف بديلة عن المنظمة والرئيس أبو مازن وصلت لطرق مسدود .
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة أن يعبر عن رأي "شمس نيوز"