غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر واشنطن ترامب...والسلام المستحيل!

بقلم: د.عبد الحميد المجالي

لدي شك عميق في أن إدارة ترامب ستمضي الى آخر الشوط في محاولتها الجديدة لتحقيق السلام الفلسطيني الاسرائيلي. فقد سبقها في واشنطن من تخلى عن محاولاته وفر هاربًا من جحيم نزاع تختلط فيه البدايات والنهايات والتاريخ والأسطورة، وتتعدد فيه الحواجز الطاردة لمن يريد ويرغب في اجتيازها جادًا مخلصًا، اوممارسًا لترف سياسي على سطح الأزمة التي استوطنت المنطقة منذ مئة عام أو أكثر.

ويرافق هذا الشك العميق، قناعة أكيدة أن ترامب وإدارته يفكران في سلام آخر غير ذلك السلام الذي نعتقد أنه مقبل علينا ....سلام يبتعد كثيرًا عن المقبول والمعقول، ويقترب من الأسطورة التوراتية التي تحكم الموقف الإسرائيلي وعاشت في مساراته، ولاتزال تحدد خطوات إسرائيل نحو المستقبل .

وبين الشك والقناعة، لدينا نحن العرب رومانسية دائمة الحضور وزائفة، تنبت آمالًا وأحلامًا تحرك مشاعرنا في كل مرة، وتحاول إقناعنا بأن السلام قادم لامحالة ما دامت واشنطن قد تحركت ومدت يدها لتلامس النزاع، فهي القادرة والفاعلة والضاغطة ولا غيرها يمكن أن يكون كذلك!

ومع حركة الإدارة الأمريكية الجديدة يتجدد السؤال الذي ظل قائمًا منذ احتكرت واشنطن دون غيرها التعاطي مع هذا النزاع. وهو: هل مع كل هذا الصخب العالي والدخان الكثيف في الشرق الاوسط، سنكون أمام تغيير ولو طفيف لحق بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ولم نتنبه له بالمتابعة والتحليل في الوقت الملائم وبالسرعة الواجبة؟

وإذا أردنا أو حاولنا أن نجيب على هذا التساؤل، فقد يكون مناسبًا أن نتفق أولًا على ما يلي :

إن السياسة الخارجية لأي قوة عظمى تستند إلى عنصرين رئيسين:

الأول: عنصر الاستمرار المستمد من الاستراتيجية العليا لهذه القوة الدولية، ومن طبيعة علاقاتها على هذا الأساس مع أطراف متعددة .

والثاني: عنصر طارئ يرجع إلى ظروف مؤقتة، أو يعود إلى أسباب متنوعة بينها اختلاف الشخصيات والإدارات وتباين أمزجتها.

وقبل أن تنغمس إدارة ترامب في مستنقع النزاع، فإنه لابد من القول إن الدور الأمريكي مثير للشك على أقل تقدير، وليس داعيًا إلى الطمأنينة. وحتى الآن، فإن هذا الدور لديه قناعة بأن الضغط على الطرف العربي أولوية ممكنة أما الضغط على إسرائيل فهو غير مستحق وأكثر من ذلك غير ممكن. ولذا لم نلحظ تغييرًا إيجابيًا على ثابت دائم في الموقف الأمريكي، وهو الوقوف إلى جانب إسرائيل في السراء والضراء، مخطئة أو مصيبة.

 والحق أقول إنه رغم ضغوط تفاعلات النزاع على العصب الفلسطيني والعربي، فإن هذا الوقت وهذه الظروف ليست هي المناسبة والملائمة للتفاوض مع إسرائيل حول صراع محوري ووجودي يتعلق بشعب وبأرض، وبحاضر ومستقبل طال انتظاره، وتم دفع ثمن غالٍ ومتعدد الوجوه بشريًا وماديًا ونفسيًا من أجل الحصول على ما يجب الحصول عليه.

ومثل هذه الدعوة ليست انفعالية مزاج أو حالة تعصب تخلقت خارج النص. بل إن قراءة الظروف والأحوال الثابتة والمستجدة على الداخل العربي والفلسطيني والمنطقة بأسرها، علامة ظاهرة غير مستترة، لمن يدقق ويتابع، وسيجد بعد ذلك بأن الأوراق الفلسطينية والعربية التي كانت على طاولة التفاوض قلت أو كثرت قد احترقت في معظمها وتحولت إلى رماد. والتفاوض في الأساس، هو أوراق قوة لا عواطف تنساب إلى القلوب والعقول من جوانب النزاع، لتتحول إلى تفاعلات إيجابية على طاولة التفاوض.

وبالمقابل فإن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل، تملك كافة الأوراق بلا اشتباك مع أحد، او شكوك حول إمساكها باللحظة التاريخية التي تمر بها أحوال العرب والمنطقة، وإذا أضيف إلى ذلك الأمر الواقع على الأرض، وإيمان الطرف الأمريكي " الوسيط " بجزء أو كل من الأسطورة التوراتية، فأي نتائج يمكن أن نتوقع من هذا التفاوض غير المتكافئ ؟!

وإذا خرجنا إلى ظروف المنطقة والنزاع وعلاقتها بهذا التفاوض وتفاعلاته، فإننا لابد أن نشير إلى ما يضاعف من الإحباط . ومما يجب أن نلحظ ونشاهد:

أولًا: ليس هناك من حافز أمريكي وحتى إسرائيلي على حركة نشطة وفاعلة من أجل نزاع فلسطيني إسرائيلي بارد يعلوه ثلج سيبيري، ولا تعبر عنه في هذه المرحلة، سوى بضع كلمات تتطاير بين المهتمين به، وتتحدث عن مثاليات ومبادئ حول الحقوق والقانون الدولي وغيرها من العناوين التي تعفنت في عمق النزاع منذ عقود. فالحوافز التي تدعو إلى الحركة والنشاط والاهتمام هي الأفعال والمخاوف والتوترات، التي تجبر المهتمين بالنزاع على اللهاث وراءها لإطفاء حرائقها قبل أن تمتد وتتسع.

ثانيًا: إن عين واشنطن في هذه الظروف تتركز على الإرهاب وسبل القضاء عليه، وهو على رأس قائمة اولويات إدارة ترامب، وليس هناك ما ينازع هذه القضية في أولويتها وأهميتها.

ثالثًا: وعين واشنطن أيضًا ومعها اسرائيل، على ما بعد داعش، وخصوصًا على إيران وحزب الله، حيث التحدي الذي يهدد كما تقول واشنطن وإسرائيل إمنهما وامن المنطقة، وتلك قضية تضغط على السلوك السياسي والأمني لكليهما.

رابعًا: وعين واشنطن ومعها إسرائيل خصوصًا، ترتيب الأوضاع في سوريا وضمان مستقبل آمن لكليهما في هذا الترتيب، الذي ستكون روسيا حاضرة فاعلة ونشطة في تطوراته ومستجداته.

خامسا وأخيرًا، تفكر واشنطن ومعها اسرائيل في كيفية تحقيق اختراق علني للمحرمات في النزاع العربي الاسرائيلي، وذلك بإقامة علاقات عربية شاملة مع اسرائيل، دون ان تدفع تل ابيب مقابل ذلك أكثر من ثمن ضئيل يتناسب ويلائم أوراق القوة لديها، وحالة الضعف لدى العرب.

وكل هذه القضايا ترسم ظلالًا تحجب الرؤية عن تفاصيل النزاع والاهتمام به، وتتزاحم على قمة اولويات واشنطن وتل أبيب .

وبعد هذا وغيره، عن اي سلام أوحل نتحدث بل نأمل ونتفاءل. فالمعروض أمريكيًا أن لم يكن المفروض، سيكون حلًا امريكيًا، وهو في الحقيقة حل إسرائيلي!


جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".