غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر إسرائيل الرديفة

بقلم: د.عبد الستار قاسم

احترام حقوق الشعوب في تقرير المصير مبدأ كوني وإنساني وأخلاقي، وهو غير خاضع للمساومات أو الانتهاكات أو الاستهتار والتلاعب. الشعوب العربية تتمنى الخلاص من الاستعمار وهيمنة الآخرين واستبداد الحكام والتمتع بحق تقرير المصير.

والمثال الصارخ أمامنا يتعلق بالشعب الفلسطيني الذي ما زالت قوى الاستعمار تحرمه من حقه في تقرير المصير. وشعب فلسطين يكافح منذ بدأ الغزو الصهيوني لفلسطين من أجل انتزاع حقوقه وعلى رأسها حق تقرير المصير، وهناك شعوب عربية مغلوبة على أمرها تساعده على انتزاع حقوقه ونيل استقلاله، حتى لو كان مزيفا.

وإذا كنا نحن العرب نؤمن بمبدأ احترام حقوق الشعوب، فإننا بالتأكيد نناصر حق الأكراد في تقرير مصيرهم، وما ينطبق على الشعوب ينطبق على الأكراد. لا حق لنا نحن العرب ولا حق للإيرانيين والأتراك أن يحرموا الأكراد من حق كوني تتمتع به أغلب شعوب الأرض.

المبدأ لا تلغيه المصلحة، وبناء الصدقية يتطلب دائما التمسك بالمبدأ وتطبيقه على الجميع دون تمييز أو تحيز أو محاباة. وقد عبر عن هذا الموقف العديد من المثقفين والمفكرين والكتاب العرب، وحثوا البلدان العربية وغير العربية على الاعتراف بحقوق الأكراد. لكن يبدو أن الكرد لا يبحثون عن استقلال بقدر ما يبحثون عن تهديد أمن واستقرار المنطقة، بخاصة الدول التي يوجدون فيها.

من الوارد وفق التصرفات الكردية أن هناك من يدفع الكرد نحو معاداة شعوب المنطقة من عرب وإيرانيين وأتراك لأغراض لا تتعلق بالمصالح الكردية، وإنما بمصالح قوى خارجية تستخدم الكرد أدوات لها.

المشكلة الكردية لم يصنعها العرب أو الإيرانيون أو الأتراك، وإنما صنعها الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الأولى، وقرروا ترتيب المنطقة بالطريقة التي تتناسب مع مصالحهم بعيدة المدى. الاستعمار الغربي هو الذي قسم المنطقة العربية بخاصة بلاد الشام وبلاد الرافدين، وهو الذي جزأ كردستان ووزعها على عدة دول. لم يعترف الحلفاء بحق تقرير المصير للكرد، وتساوقت معهم الحركة الصهيونية التي كانت معنية بكسب ود الحلفاء من أجل الاستمرار في مشروع إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.

 أي إن الجريمة منذ البدء كانت بتخطيط استعماري عمل على صناعة مشكلة قائمة وكبيرة، يمكن أن تستنزف طاقات العرب والإيرانيين والأتراك والكرد. لقد خطط الاستعمار لتوتير الأوضاع على اعتبار أن الكرد سيسعون نحو الاستقلال، وسيثورون على أوضاعهم والدول التي يوجدون فيها، ويستمر الصراع الداخلي على حساب الشعوب المتورطة في الاقتتال.

ثار الكرد عبر تاريخهم مرات عديدة منها ضد الحكم العثماني، وأخريات ضد حكومات العراق وتركيا وإيران. وفي كل مرة كانوا يواجهون قوات عسكرية ضخمة تنال منهم ومن بيوتهم وممتلكاتهم. لم يتمكن الكرد من تحقيق إنجاز يوصلهم إلى الاستقلال، وكان الحكم الذاتي بخاصة في العراق أقصى ما حققوه.

والمشكلة الأساسية تمثلت عبر الزمن في أن الكرد لم يتعاطوا بمرونة مع الحكومات التي ثاروا ضدها، ولا الحكومات كان لديها الاستعداد لمنح الاستقلال. ووصل الحد إلى قصف بعض التجمعات السكانية الكردية بالأسلحة الكيماوية من قبل الحكومة العراقية بخاصة في حلبجة. وعانى الكرد كثيرًا من هجمات الجيشين الإيراني والكردي، وكانت ثورتهم ضد إيران عام 1979 في قمة الغياب العقلاني. كانت إيران في وضع صعب بسبب انتصار الثورة الإيرانية ضد الشاه، وكانت بحاجة إلى تركيز الجهود على إعادة بناء الدولة. فكانت ثورتهم وكأنها مدفوعة من قوى خارجية بهدف إفساد ما تم إنجازه من قبل الشعب الإيراني. ولا يختلف الأمر بالنسبة لكرد تركيا الذين ما زالوا يقعون تحت وطأة الجيش التركي.

الكرد لا يعملون بالحديث الشريف الذي يقول: "رحم الله امرأ ذب المغيبة عن نفسه". منذ البداية أقامت عائلة البرزاني علاقات مع الصهاينة في فلسطين وخارج فلسطين وكأنهم يبحثون عن استفزاز للعرب وليس للتصالح معهم. وحمل مصطفى البرزاني الراية الإسرائيلية، وعمل جادًا على التحالف مع الصهاينة على حساب الفلسطينيين والعرب أجمعين. وقد قام البرزاني بزيارة الكيان الصهيوني عدة مرات وأوفد العديد من الكرد إلى الكيان؛ لتلقي التدريبات العسكرية واكتساب بعض الخبرات المدنية. ورحب بالصهاينة على أرض كردستان العراق وتلقى منهم المساعدات العسكرية والمالية لكي يستمروا في إشغال الجيش العراقي، وأصبح لدى الصهاينة قواعد أمنية يتمكنون من خلالها التجسس على الأمن العراقي والقوات العسكرية. لقد تعاون البرزاني بلا حدود مع الصهاينة ضد جمهورية العراق.

وقد عمل البرزاني على تبني العلاقات الطيبة مع الصهاينة في البرامج الثقافية والتربوية والإعلامية الحزبية منها وغير الحزبية. لقد بث في نفوس وعقول الكرد روح الصداقة مع الصهاينة حتى توطدت العلاقات على المستوى الشعبي، وأصبح الكيان الصهيوني دولة صديقة يعتمد عليها في السراء والضراء.

 طبعا هذا العمل ليس أكثر خطورة على القضية الفلسطينية من خطورة الأنظمة العربية التي تقيم علاقات مع الصهاينة، لكنه يبقى ضمن دائرة العداء للأمة العربية والاستفزاز. إنما نجحت حكومة كردستان العراق حيث فشلت الأنظمة العربية. فشلت الأنظمة العربية في استدخال التطبيع في نفوس الشعوب العربية، لكن حكومة كردستان نجحت إلى درجة أن العديد من المتظاهرين الكرد يرفعون العلم الصهيوني في أثناء المظاهرة دون أن يتصدى لهم أحد.

نشط كرد العراق بسرعة في أعقاب إنجازات الجيش العراقي ضد داعش. لم ترتح أمريكا والكيان الصهيوني لهذه الإنجازات اعتقادا منهم أن الجيش العراقي ومعه الحشد الشعبي سيتحولان إلى محور المقاومة، ومن الضروري استمرار حالة عدم الاستقرار في العراق. لن تتوقف محاولات الصهاينة والأمريكيين عن إشغال العراق، والمفروض ألا يطوع الكرد أنفسهم لأعداء العراق.

والحالة كذلك، نحسب أن تتحول كردستان العراق إلى إسرائيل الرديفة، فتهدد أمن العراق وإيران وربما تركيا. ولهذا لا يبحث الكرد عن أصدقاء في المنطقة، إنما هم يصنعون الأعداء.

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".