غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر "اليونيسكو" وعقيدة كعب هايلي

بقلم: مهند عبد الحميد

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية انسحاب أميركا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) بسبب انحيازها ضد إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة ألغت في العام 2011 مساهمتها المالية الكبيرة التي كانت تخصصها لليونسكو احتجاجًا على قرارها بمنح فلسطين عضوية كاملة. وقد حذت إسرائيل حذو حليفتها الأميركية وشرعت في التحضير للانسحاب من "اليونيسكو"، واعتبر مكتب نتنياهو أن القرار الأميركي شجاع وأخلاقي لأن "اليونيسكو" أصبحت "مسرح عبث" وبدلًا من الحفاظ على التاريخ فإنها تقوم "بتشويهه.

قرار "اليونيسكو" في تموز الماضي، بإعلان البلدة القديمة في الخليل تتمتع بقيمة عالمية استثنائية وتدرج على لائحة المواقع التراثية العالمية المهددة، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حينذاك اعتبرت واشنطن القرار "إهانة للتاريخ".

منظمة "اليونيسكو" اتهمت من قبل مسؤولين أميركيين وإسرائيليين "بتشويه التاريخ"، و"بمسرح عبث" "وبإهانة التاريخ"، "وباتخاذ مواقف تعد وصمة عار"، "ومواقف معادية للسامية"، و"بنشر الأكاذيب المعادية لليهود"، وكانت "نيكي هايلي" المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة دشنت التحول في الموقف الأميركي بالقول: إن "زمن التقريع بإسرائيل ولى، وأنا أرتدي حذاء ذا كعب عال ليس من باب الموضة، بل لأضرب به مجدداً في كل مرة يحدث فيها شيء خاطئ ضد إسرائيل".

"اليونيسكو" كانت ضحية أولى لكعب هايلي العالي الذي يصلح رمزًا للترامبية، ذلك أن المؤسسات الأخرى لم تعد بمنأى عن ذلك الكعب، إذا ما قبلت فلسطين عضوًا فيها، وإذا ما اتخذت قرارات ضد الانتهاكات والغطرسة الإسرائيلية. صحيح أن الانسحاب الأميركي من "اليونيسكو"، ينسجم مع السياسة الترامبية "أميركا أولًا"، ومع انسحاباتها المتتالية من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعت عليها 187 دولة، والانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي، ومع تجميد العمل الأميركي بالاتفاق النووي الإيراني 5+1، ومع التراجع عن اتفاق التقارب الأميركي الكوبي، والقائمة تطول لتنال من الحلفاء قبل المناهضين للسياسة الأميركية.

إلا أن انحياز إدارة ترامب للسياسة الكولونيالية الإسرائيلية بلغ ذُرى لم يسبق لرئيس أميركي أن وصل إليها. ومع أن ترامب يعد العدة "لصفقة القرن" الحل الموعود الذي تشير جميع مقدماته إلى تجاهل الدولة الفلسطينية، والذي يجعل الموافقة الفلسطينية عليه متعذرة، وفي هذه الحالة فإن الوعد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والتهديد بمسلسل عقوبات على الطريقة الترامبية، سيأتي على الرمق الأخير للعملية السياسية التي تحتكرها الإدارات الأميركية منذ عقود ثلاثة ونيِّف.

التبرير الأميركي للقرارات التعسفية لا يصلح لاستخدام العقل البشري، إذا ما اعتمد منظومة قوانين ومعايير تلك المنظمات، فقط يصلح لمقياس كعب هايلي الطويل! فالولايات المتحدة ضد انضمام فلسطين للمؤسسات الدولية، وضد إدانة الانتهاكات الإسرائيلية الفادحة والفظة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، لازمتان ثابتتان في سياسة الإدارات الأميركية. والسبب الذي درج المسؤولون على النطق به هو إحالة كل القضايا الخلافية إلى طاولة المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية كي يصار إلى حلها، لأن طرحها من طرف واحد خارج العملية السياسية والمرجعيات الحصرية، سيغضب إسرائيل "صاحبة الولاية على المصير الفلسطيني"! من وجهة نظر الحليفين الشريكين، وسيفشل التوصل إلى حل، وسيبعثر الجهود الأميركية المنشغلة في أربعة أركان الأرض – حربًا أو نهبًا أو جمعًا للغلاّت.

يتجاهل المسؤولون الأميركيون حقيقة، أن مفاوضات ربع قرن، لم تؤد إلى شيء بل استخدمت للتغطية على تعميق الاحتلال والنهب والتهويد والتطهير العرقي، ويتجاهل أن إسرائيل لا تعترف بانطباق القانون الدولي على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا تعترف بقرارات الشرعية الدولية كمرجعية للمفاوضات، فقط تعترف بالتوراة و"الوعد الإلهي" كحق تاريخي أبدي غير قابل للتأويل. وفقًا لذلك من المنطقي أن تكون نتيجة التفاوض صفرًا مكعبًا، لأنه يستحيل التوفيق بين فلسطين الملتزمة بالشرعية الدولية والتي لا تملك القوة المادية، وإسرائيل الملتزمة بشرعية الحق المقدس الهابط من السماء وبغطرسة القوة. التزامان على طرفي نقيض متوازيان ولا يلتقيان طال الزمن أم قصر. لذا فإن استنجاد فلسطين بالأمم المتحدة وبهيئاتها هو البديل الاضطراري. لكن أميركا وإسرائيل لا تريدان ذلك، وتقلبان الطاولة على فلسطين والمؤسسات التي تقبل أو تستجيب لنداءاتها، إنهما يمنعان الحل ويدمران مقوماته على الأرض ويريدان من فلسطين أن تحيا على الخراب، وأن تتحول بلغة علم النفس إلى سادو- مازوشي بالجمع بين استمتاع الإسرائيليين بعذابهم للآخر الفلسطيني، واستمتاع الفلسطينيين بعذاب الآخر الإسرائيلي لهم، وبلغة السياسة يريدون الفلسطيني عبدًا ومريضًا عاجزًا في آن.

"اليونيسكو" معادية للسامية، تشوه وتهين التاريخ، وتنشر الأكاذيب المعادية لليهود، ومواقفها وصمة عار ووو... إلخ الاتهامات، لماذا؟ دعونا ندقق في لوائح الاتهام في مجموعة مواقفها. أول قرار أصدرته "اليونيسكو" عام 1956 ويدعو إلى اتخاذ جميع التدابير من أجل حماية الممتلكات الثقافية في القدس الغربية المحتلة عام 1948". القرار 2 _ قرار العام 68، دعا الدولة المحتلة للقدس الشرقية الامتناع عن إجراء أي حفريات في المدينة أو نقل للممتلكات الثقافية أو تغيير معالم المدينة أو ميزاتها الثقافية. 3- قرار العام 74 دعا إلى الامتناع عن تقديم أي عون ثقافي وعلمي لإسرائيل بسبب انتهاكاتها الثقافية والعلمية في مدينة القدس. 4- قرار العام 78 وتضمن بندين، الأول مطالبة الدولة المحتلة بالامتناع عن كافة الإجراءات التي تحول دون تمتع السكان بحقوقهم في التعليم والحياة الثقافية والوطنية.

 والبند الثاني: إدانة إسرائيل لتغييرها معالم القدس التاريخية والثقافية وتهويدها. 5- قرار 2003 يكلف بعثة فنية للقدس لتقييم وضع البلدة القديمة على خلفية الإجراءات والحفريات الإسرائيلية. 6- قرارات 2005 و2006 وضعت القدس وأسوارها كقيمة استثنائية على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر وأشارت إلى العقبات التي تضعها الدولة المحتلة التي حالت دون صون التراث الثقافي. 7- قرار صدر العام 2007 طالب إسرائيل بتقديم تقرير مفصل حول الحفريات التي تجريها في منحدر باب المغاربة المتاخم للمسجد الأقصى. 8- قرارات العام 2016 القرار الأول أدرجت "اليونيسكو" 55 موقعاً عالمياً تراثياً على قائمة المواقع المهددة بالخطر ومنها البلدة القديمة في القدس.

والقرار الثاني نفى وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق – المبكى واعتبرها تراثًا إسلاميًا خالصًا،- طبعاً بالاستناد إلى مكتشفات علم الآثار والأركيولوجيا والهستروغرافيات- 9- قرار يؤكد قرارات المنظمة السابقة واعتبار إسرائيل دولة محتلة للقدس ويرفض سيادتها عليها. 10- قرار آخر يضم مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي إلى قوائم المناطق المهددة. كما يلاحظ، "اليونيسكو" تحترم منظومة قوانينها، ولا ينقصها غير إيجاد آلية لتنفيذها ومعاقبة الدولة المنتهكة لها وهي إسرائيل. ويأتي الانسحاب الأميركي من "اليونيسكو" ليقدم أقوى دولة في العالم بأسخف وأدنى المواقف التي لا يضاهيها في السخف إلا عقيدة كعب هايلي الطويل.

 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن "رأي شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".