غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر واشنطن واستراتيجية تعطيل «استراتيجيات» الآخرين

بقلم:عريب الرنتاوي

ما إن وضعت الحرب على «داعش» أوزارها في سورية، حتى خرجت الولايات المتحدة بمشروع تأسيس قوة «حرس حدود» من ثلاثين ألف مقاتل، أغلبهم (وزعامتهم) من أكراد البلاد، الأمر الذي أثار حفيظة أنقرة، ودفعها لشن حملة «غصن الزيتون» في عفرين، والتهديد بالوصول إلى منبج وحتى خط الحدود السورية مع العراق.

المشروع الذي أرادت به واشنطن إحكام سيطرتها على أكثر من ربع سورية، توطئة لتعبيد طريق روسيا في سورية بالعراقيل و«الأفخاخ»، ارتد على الولايات المتحدة واستراتيجيتها الجديدة في سورية التي لم يكن قد مضى سوى بضعة أيام على الكشف عنها على لسان الوزير ريكس تيلرسون.. واشنطن باتت اليوم في وضع أسوأ مما كانت عليه، فالفصل الجديد في حروب سورية وحروب الآخرين عليها، يندلع هذه المرة، بين أهم وأقوى حليفين لها في الشمال والشمال الشرقي السوري.. الأكراد، الابن المدلل والحليف الموثوق يستنجدون بدمشق لإنقاذهم من «براثن التركي».. وتركيا، عضو الأطلسي، المستمسك بعضويته، رغم كل الخلافات، اقتربت أكثر فأكثر من معسكر خصوم واشنطن وأعدائها، من موسكو وحتى طهران.

لكن واشنطن لم تسلم بعد بهيمنة الكرملين على سورية، هي تعرف أن «القيصر» نجح في بناء منازل كثيرة له هناك، لكنها لن تجعل طريقه إلى «عرش سورية» مفروشة بالنوايا الحسنة والتسهيلات المجانية.. وكذا الأمر بالنسبة لبقية الأطراف المنخرطة في هذا الصراع من الخندق الآخر: إيران في دائرة الاستهداف، وهي من ضمن دولتين «مارقتين» ذكرتهما الاستراتيجية الأميركية الجديدة بوصفهما تهديداً جدياً للولايات المتحدة وأمنها واستقرارها، إلى جانب كوريا الشمالية.. و«حزب الله»، يخضع لأوسع وأشمل عملية «تجفيف موارد» منذ اندلاع الأزمة السورية، والأمر هنا لا يقتصر على الإجراءات المالية والمصرفية، ولا على تواتر قوائم المشمولين من الحزب، أفراداً ومؤسسات بقوائم الإرهاب، بل ويشتمل كذلك على دعم استمرار إسرائيل في توجيه ضربات عسكرية للحزب في سورية، بحجة منعه من الحصول على سلاح «كاسر للتوازن».

تدرك واشنطن، أن لدى موسكو وطهران القدرة على «الصمود» في مواجهة إجراءاتها وحملاتها، لسنوات عديدة قادمة، وأن ثمار استراتيجيتها الجديدة، لن تنضج قبل عدة سنوات، هذا إن نضجت أصلاً، كما تدرك أن «حزب الله»، ومنذ استهداف المارينز في لبنان عام 1983، وهو مدرج على قوائم الإرهاب، وأن الحزب «تكيف» مع عمليات الحصار وتجفيف الموارد التي تشنها عليه بلا هوادة، كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وأنه من غير المستبعد أن تحقق الإجراءات الأخيرة، نتائج جدية يذكر.

في ضوء هذا الإدراك، بدا أن واشنطن قررت السير في طريق متعددة المسارات، لمنع موسكو من تحقيق «نصر مبين» في سورية، إن لم يكن لتحقيق الأهداف الخمسة للاستراتيجية الجديدة فبعضها على الأقل، وأهم هذه الأهداف كما بات معروفاً: منع سورية من أن تصبح «مجالاً حيوياً» لإيران وطرد «حزب الله» منها وإنجاز تسوية سياسية لا مكان فيها للأسد في مستقبل سورية، فضلاً عن مكافأة الأكراد بوصفهم حليفاً موثوقاً و«ورقة» يمكن توظيفها على نحو مزدوج لتهديد إيران وابتزاز تركيا، من دون إغفال الهدف الخاص بمنع «داعش» من العودة وإعادة بناء عناصر قوته واقتداره.

المسار الأول، سياسي، ويتعلق بتهميش مسار أستانا وتهشيم مؤتمر سوتشي، إن بعدم المشاركة فيه، أو المشاركة على مستوى خفيض وبصفة مراقب، أو من خلال منع أصدقاء واشنطن وحلفائها من سوريين وعرب من الانخراط في هذا المسار، والتركيز دوماً على مسار جنيف، وحده دون سواه.. هنا ليس من الصدفة أن يقفز «مؤتمر فيينا» الأخير برعاية دي مستورا من خارج الأجندة، وقبل أيام قلائل فقط، من مؤتمر سوتشي.. هنا، وفي هذا السياق فقط، يمكن فهم «الورقة غير الرسمية» التي تقدمت بها الدول الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، السعودية والأردن) للحل في سورية، وتسريبها المتعمد للصحافة ووسائل الإعلام، وفيها بنود كفيلة بإثارة حنق موسكو وقلق دمشق وتحسب طهران.

المسار الثاني، عسكري بامتياز، وهنا يمكن الوقوف أمام جملة من المعطيات، أولها التقارير الموثوقة التي تتحدث عن قيام واشنطن بتدريب مئات العناصر المسلحة في قواعدها السورية، بحجة ملء فراغ «داعش»، لكن بهدف قتال النظام و«القوات الرديفة» له.. وقبلها الكشف عن قوة «حرس الحدود» التي بات خروجها إلى دائرة الضوء أمراً مشكوكاً فيه، بعد «غصن الزيتون».. على أن أهم التطورات على هذا المسار، وآخرها، إنما يتمثل في الحملة الكثيفة ضد «الكيماوي السوري»، وخروج عدد وافر من كبار المسؤولين الأميركيين والغربيين، دفعة واحدة، ومن دون سابق إنذار، بالتهديد والوعيد، بعد نشر معلومات عن ثلاث ضربات كيماوية في الغوطة الشرقية، نفتها موسكو واستهجنتها دمشق وحذرت طهران من مخاطرها.. ثمة ما يشي بأن الولايات المتحدة، التي تعاني «شحاً» في أوراقها وخياراتها السورية، قررت الدخول مباشرة، وللمرة الثانية، في القتال ضد الجيش السوري، الأولى في قاعدة الشعيرات العام الفائت، والثانية لا أحد يعرف أين أو متى، لكن يبدو أنها مسألة وقت ليس إلا.

لدى واشنطن مواقف وسياسات في سورية، ولكن ليس لديها استراتيجية وخطة تنفيذية، رغم كل الضجيج الذي صاحب كشف تيلرسون عن خطة استراتيجية جديدة، بل وليس لديها أدوات تعتمد عليها.. المهم من وجهة نظر واشنطن عدم تمكين بوتين وخامنئي والأسد، من تحقيق نصر مريح في سورية، وتفويت الفرصة عليهم، لفرض تصورهم الخاص للحل النهائي للأزمة، حتى وإن اقتضى ذلك، إطالة أمد الحرب، وتعطيل مسار التسوية، وإبقاء الجرح السوري مفتوحاً لاستنزاف هذه الأطراف وتهشيم صورة «النصر» وتهميشها.

الأيام والأشهر القليلة القادمة، تبدو محمّلة بنذر التصعيد، وربما على شتى جبهات الحرب وخطوط تماسها المتعددة بتعدد أطرافها واصطراع أهدافهم وأجنداتهم، بما في ذلك جبهة الجنوب السوري، التي وإن بدت الأكثر استقراراً من بين جميع خفض التصعيد، إلا أن التقارير تتحدث عن رياح تسخين تهب على هذه المنطقة، وقد تقلب استقرارها وهدوءها رأساً على عقب.

الأيام

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".