غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر في يوم المرأة.. كيف صنعن النساء الوطن بشكلٍ مختلف؟

شمس نيوز/ صابرين عزيز

بالعامية الفلسطينية نحكي "مرة بمية راجل" ليس إهانة لحضرة الرجل، بل افتخارًا بالأمثال الفلسطينية التي قدمت نفسها على الساحة العالمية بكل ثقة، في محاربة لجيش الاحتلال الإسرائيلي "الجيش الذي لا يقهر" كما يدّعون، وارتباط اسمها بالمقاومة وأشكالها كافة.

حظيت الساحة الفلسطينية بهزّ عرش العالم من أجل لحظة عودة للوطن المحتل والنظر إليه حتى لو احتاج الأمر اختطاف طائرة وحملها على الكتف، لتكون مقولة نابليون بونابرت "المرأة التي تهزّ السرير بيمينها تهزّ العالم بيسارها" لا شيء أمام الحنين من أجل البيت والبلدة.

"فلسطين حرّة عربية"

فماذا تتوقع من إنسانةٍ هجّرت من وطنها وأرضها لتعيش في المنفى؟! هناك خياران: إمّا أن تجلس وتندب حظها، أو تخرج عن طوعها، ربما الثاني ما وُصفت به (ليلى خالد) المهجّرة من حيفا، والمشهورة بـ "الرحلة 840"، حيث تعلّق على إخبارها عن خطف الطائرة "تخيلت نفسي أحمل الطائرة على كتفي والعالم يركض خلفي، فضحكت عندما أخبرني عن المهمة الدكتور وديع حداد".

في التاسع والعشرين من أغسطس لعام ألف وتسعمائة وتسع وستون، اختارت الجبهة الشعبية ليلى والمناضل سالم العيساوي لتنفيذ عملية خطف ركاب من رحلة مقلعة إلى أرض تل الربيع المحتلة من لوس أنجلوس، بعد تدريبات شديدة من العيش في شقةٍ دون ماء لمدّة يومين حتى التعلم على السلاح.

صعدت ليلى والعيساوي في درجة رجال الأعمال على الطائرة ليكونا قريبين من قمرة القيادة، وبعد ثلاثين دقيقة من الطيران اقتحما القمرة مستغلين فتح إحدى المضيفات لبابها، وأشهرا أسلحتهما في وجه طاقم القيادة، طالبيْن منهم تنفيذ الأوامر.

استلمت ليلى سماعة ربان الطائرة وخاطبت برج المراقبة قائلة: "هنا رحلة الجبهة الشعبية.. فلسطين حرّة عربيّة"، وأمرت القائد بالتوجه إلى فلسطين، في حين كان العيساوي يسهر على تأمين القمرة بحكم مهارته القتالية وقوته البدنية، وحاول ربان الطائرة المناورة بالتوجه إلى قاعدة عسكرية أميركية في ليبيا، لكن ليلى انتبهت لذلك بفضل التكوين الذي خضعت له في مجال الطيران، فهددت القائد الذي لم يجد بدًا من التوجه إلى فلسطين.

مع دنوّ الطائرة من مطار تل أبيب، انتبه الطيار إلى العدد الكبير من الدبابات والجنود في انتظار نزول الطائرة على أرضية المطار، فأمرته ليلى بالتوجه إلى حيفا والتحليق فوقها على علوّ منخفض، ليتسنى لها وللعيساوي (وكلاهما من حيفا) رؤية أرضهما التي هُجّرا منها عنوة، تقول ليلى في حوارات صحافية "طبيت على راس الكابتن لأرى حيفا أنا وسليم، كنّا ننظر لحيفا من شباك القيادة على رقبة الكابتن، وهو يصرخ ويقول "رقبتي"، لكننا لم نسمعه".

انتهت الرحلة بقيادة ليلى وسليم مع 116 راكب في دمشق، ليشهد العالم حدثًا ضخمًا يجبرهم التعرف على فلسطين، ما كان من ورائه إلّا تحرير المعتقلات من سجون الاحتلال والضغط عليه لتبادل أسرى، لكنّ الحدث لم ينتهِ عند هذا الحدّ، فعادت ليلى بعد إجراء عملية جراحية في وجهها برفقة يساري من نيكاراغوا يدعى "باتريك أروغويلو" لاختطاف طائرة لشركة "العال الإسرائيلية" في أيلول 1970.

انتهت العملية الثانية بقتل باتريك، واعتقال ليلى في لندن، لكن شابًا فلسطينيًا في دبي سمع بالخبر، فاقتطع تذكرة على متن طائرة بريطانية، ولبس "مايوه" سباحة منتفخًا، موهمًا طاقم الطائرة بأنه حزام ناسف، وبذلك تمكن من خطف الطائرة نحو بيروت، ثم إلى الأردن؛ وهو ما منح زملاء ليلى خالد في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ورقة ضغط ثمينة مكنتهم من مفاوضة البريطانيين، وإخراجها من سجنها في لندن بعد 28 يومًا فقط .

دفنت بجانب "فلسطين"

في زمن الاستعمار البريطاني، ولدت الدكتورة صبا عبد الحميد الفاهوم من مدينة الناصرة عام 1923، وتلمذت على يدي شقيقها دياب الفاهوم، السجين الأمني الذي ذاق مرارة الانتداب البريطاني، ومع سقوط الناصرة في 16 تموز، عملت كمتطوعة في الإسعافات الأولية لجرحى جيش الإنقاذ والفرق التي دافعت عن المدينة قبيل سقوطها وخروجهم إلى بيروت.

أتمت صبا تعليمها الأكاديمي العالي ونالت الماجستير في اللغات والدكتوراه من الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم سافرت للعراق وعملت محاضرة في جامعة المستنصرية في بغداد وبقيت تعمل بها حتى عام 1993، كما نجحت بتثبيت عضوية فلسطين في المنظمة النسائية الدولية للعدل والسلام والحرية عام 1989، ثم شاركت وحضرت العديد من المؤتمرات الدولية مزودة بسلاح المعرفة والتوثيق.

كتبت مئات المقالات والانتقادات والمداخلات في الكثير من المناسبات والأحداث، حول المستعمر والقضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية وعلى رأسها صورة المرأة وتمثيلها في السياسة السياسية والاجتماعية، وكانت على رأس المؤتمر الأول للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي عقد بالقدس عام 1965 .

أستاذة جامعية متمرسة، كانت صبا، وكاتبة وباحثة سياسية شديدة الحماس لخدمة شعبها وقضيتها، حلمت بالعودة إلى وطنها ومدينتها الناصرة، الحلم الذي لم يفارقها حتى آخر لحظة من حياتها، حيث توفيت ودفنت في عمان بقرب ضريح طفلة اسمها "فلسطين" في 2004-5-12 .

أقسمت ألّا تعود لفلسطين

وبين انغماس المنفى والوطن، تطلّ الكاتبة والطبيبة غادة كرمي، حيث ولدت عام 1939 في مدينة القدس من عائلة مسلمة، وهجرت منها عام النكبة، تكتب عن القضايا الفلسطينية في الصحف والمجلات الأمريكية والبريطانية، وزارت بيتها لأول مرة منذ هجرتها عام 1998  .

قالت غادة "إسرائيل، منذ بدايتها عام 1948، مُنحت فرصة أكثر من رائعة لتأديب نفسها، و هي بوضوح لم تفعل ذلك، لقد استهانت بكل قانون، لقد تصرفت بشكل شنيع، لقد صنعت صورة زائفة للقانون الدولي والإنساني، على أي أساس يجب أن تظل هذه الدولة عضوًا في منظمة الأمم المتحدة؟".

كتبت الكرمي سيرة "البحث عن فاطمة" عام 2002، التي ضمنتها ذكريات خزنتها في طفولتها قبل أن تجبر عائلتها الرحيل عن فلسطين، ومثل بقية المهاجرين إلى الدول القريبة؛ حطت الرحال بالعائلة أولًا في دمشق حيث لها جذور بسبب نشاط عميد العائلة الشيخ سعيد الكرمي ومن ثم إلى لندن حيث عمل والدها حسن الكرمي المثقف الموسوعي وصاحب أشهر برنامج في محطة "بي بي سي" "قول على قول".

ثم جاءت سيرتها الجديدة في "عودة: مذكرات فلسطينية" عام 2015، تبدأ بوالدها في عمان وهو على سرير المرض بعد أن عاش قرنًا من الزمان لكن "العودة" لغادة الكرمي إلى فلسطين هي عودة لاستكمال ما لم تقله وتكتشفه في السيرة الأولى، وهي ليس بالضرورة بحث عن فاطمة الباشا، الخادمة التي تنحدر من قرية المالحة وعملت في بيت العائلة بالقطمون، وظلت حاضرة في ذاكرة الكاتبة للعلاقة التي تطورت بين البنت الصغيرة والخادمة.

بل جاءت السيرة الجديدة رغبةً في نفس الكاتبة المنفية طيلة السنين، لاستكشاف جديد في خريطة فلسطين واستعادة لتاريخ المكان عن قرب والذي يبدو محاصرًا ومحاطًا بالمستوطنات والخوف ونقاط التفتيش، رغم أن الزمان هو زمان السلطة الوطنية الفلسطينية.

وتكشف الرحلة المثيرة والمكثفة والمليئة بالخوف والرعب أحيانًا والحنين واللقاءات الجميلة عن ضياع الحلم الفلسطيني، وكأن ما كانت تردده والدة غادة في المنفى "ضاعت فلسطين" صار حقيقة؛ كل هذا رغم استعداد الوالدة التي رحلت للعودة، ورفضت طوال خمسين عامًا قضتها في لندن تغيير شكل البيت لأن الحنين ظل لقطمون رغم احتلاله وسرقة محتوياته ونقل كتبها للمكتبة الصهيونية في الجامعة العبرية.

تقول غادة إنها أقسمت أن لا تذهب للوطن المحتل ولكنها حنثت بقسمها وسافرت مع ابنتها الوحيدة بداية التسعينيات من القرن الماضي، وزارتا القدس واقتربتا من بيت العائلة القديم الذي تعرفت عليه ويسكنه لاجئون من دول أخرى لا ارتباط لهم بالمكان وحجره وتاريخه.

لم يصدّق الاحتلال موتها

وفي يوم المرأة لن أستطيع المرور هكذا دون الحديث عن الفدائية الفلسطينية دلال المغربي، حيث كانت المقاومة الفلسطينية عام 1978 تمثل فشلًا في معظم عملياتها العسكرية وبتعرض مخيماتها في لبنان لمذابحٍ وحشية، ولهذا السبب قام أبو جهاد بالتخطيط لعمليةٍ انتحاريةٍ في تل أبيب.

كان يلزم تنفيذ هذه العملية تطوع إحدى عشر شخصًا، وبذلك تكون دلال المغربي أول هؤلاء المتطوعين، حيث تم اختيارها كرئيسة لعملية "كمال عدوان" –عرفت باسم القائد الفلسطيني الذي قُتِل من قبل الإسرائيليين وهو في بيته ببيروت-.

سيطرت دلال وفرقتها "دير ياسين" المكونة من 10 أشخاص، على حافلة لجنود الاحتلال وأخذتهم كرهينة، كما أصابت مئات الجنود الإسرائيليين في طريق عودتها من العملية، وعند وصول الحافلة على مشارف مدينة تل أبيب كانت فرقة خاصة صهيونية بقيادة باراك بانتظار دلال وفرقتها.

 لاحقت الفرقة الإسرائيلية الباص وعطلته في مستعمرة هرتسليا، فاندلعت حرب حقيقية بين فرقة دير ياسين والفرقة الإسرائيلية، ففجرت دلال الحافلة التي كانت تقل 30 صهيونيًّا، ومقتلهم جميعًا، واستمرت في مجابهة الفرقة الخاصة الصهيونية إلى أن نفذت ذخيرتها، ليقوم باراك عندها بقتلها وتفريغ جميع رصاصات سلاحه في جسدها، ثم قام بشد شعرها والتنكيل بجسدها.

في عام 2008 كان جثمان دلال على قائمة الجثامين التي وضعها حزب الله في إطار صفقة تبادل الأسرى، إلّا أنه وبعد إجراء فحوصات الحمض النووي على الجثث الأربعة التي تسلّمها حزب الله من العدو تبيّن أن جثة دلال لم تكن ضمن الجثث، ليبقى بذلك المكان الذي يرقد فيه جثمان دلال مجهولاً إلى هذه اللحظة.

كتبت دلال وصيّة واضحة وصريحة لرفاقها الثوّار والفدائيين "وصيتي لكم أيها الأخوة حملة البنادق تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني، وتوجيه البنادق، كل البنادق، نحو العدو الصهيوني، استقرار القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة، لكل الفصائل أقولها، لإخواني جميعًا أينما يتواجدوا، استمرّوا في نفس الطريق الذي سلكناه".

قالت للرهائن آنذاك: "نحن لا نريد قتلكم، نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر، نحن شعب يطالب بحقه بوطنه الذي سرقتموه ما الذي جاء بكم إلى أرضنا؟ هل تفهمون لغتي أم أنكم غرباء عن اللغة والوطن !! لتعلموا جميعًا أن أرض فلسطين عربية وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وبنيانكم على أرضها"، ثم أخرجت دلال من حقيبتها علم فلسطين وقبلته بكل خشوع وعلقته داخل الباص وهي تردد:

"بلادي... بلادي... بلادي ** لك حبي وفؤادي

فلسطين يا أرض الجدود ** إليك لا بد أن نعود

*كان من بين الرهائن يهودية من اليمن ترجمت لهم ما قالته

استشهدت دلال المغربي ومعها أحد عشر من الفدائيين بعد أن كبدت جيش الاحتلال حوالي (30 قتيلا وأكثر من 80 جريحا) كرقم أعلنته قوات الاحتلال، أما الاثنين الآخرين فتقول الروايات انه نجح أحدهما في الفرار والآخر وقع أسيرا متأثرا بجراحه فأقبلت قوات الاحتلال بشراسة وعنجهية على الأسير الجريح تسأله عن قائد المجموعة فأشار بيده إلى دلال وقد تخضبت بثوب عرسها الفلسطيني،

 لم يصدق إيهود براك استشهاد دلال، فأعاد سؤالٍ لأحد الأسرى الجرحى مهددًا ومتوعدًا ليجيب الأسير مرّة أخرى" إنها دلال المغربي"؛ فأقبل عليها إيهود باراك يشدها من شعرها ويركلها بقدمه بصلف ظالم لا يقر بحرمة الأموات.

كتب الشاعر والأديب العربي نزار قباني مقالًا بعد العملية قال فيه: إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة، على طريق طوله (95)كم في الخط الرئيسي في فلسطين.

أعلم أني لم أوفِ حق هذه النساء في الحديث عنهن، وأني تركت الكثير منهن ليس رغبةً مني، بل لأن حياة الواحدة منهن تحتاج بحثًا كاملًا لها، لا سطور تأكل سيرتهن باختطاف، فمثل شادية أبو غزالة، وزكية شموط، مي زيادة، سميرة عزّام، وفاطمة النجار وغيرهن من سطرن المرأة الفلسطينية بهذا الفخر، حياة واحدة لا تكفيهن للحديث عنهنّ.

 

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".