غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر أزمة الانقسام في طور جديد

بقلم: حسين حجازي

أعادتنا الأحداث الداخلية الأخيرة كما بات واضحًا الى زمن اعتقدنا أننا تجاوزناه على الأقل من الناحية النفسية أو السيكولوجية، أي إلى الأوقات المشحونة في صيف العام 2007 غداة أحداث الانقسام الدراماتيكية والساخنة في غزة، والتي تميزت بالعنف المسلح والاحتراب الداخلي. ويوم ذاك طرحت السلطة شرطًا وحيدًا للحوار مع «حماس» وهو إزالة آثار ومفاعيل ما أسمته وعاد الرئيس أبو مازن تسميته في خطابه الناري والغاضب قبل أيام بالانقلاب. وهكذا بدا كما لو أننا نعود من جديد بعد أحد عشر عامًا على هذا الانقسام الى حيث النقطة التي بدأنا منها، وقال الرئيس مخاطبًا «حماس»: إما أن تسلموا السلطة كاملة وإما ان تتحملوا العواقب.

ولقد مر وقت طويل وليس بالقصير كدنا نسلم فيه سياسيًا ونفسيًا بالواقع المرير والصلب، أي بحقيقة أن الانقسام والعوامل النابذة أو الطاردة هي أقوى من المحاولات المتكررة للعوامل الجاذبة، أو ما يسمى طوال الوقت بالدعوة إلى المصالحة والوحدة. وحاولنا فهم ذلك أحيانًا من خلال القوانين الطبيعية او الفيزيائية. فما بعد الوحدة إعادة التفكك وما بعد التفكك إعادة التركيب على قاعدة جديدة قوامها التكامل أو التقاسم الوظيفي وتبادل الأدوار أو ما نسميه بالشراكة.

وحاولنا أن نعي مأزق او أزمة أو الأصح إشكالية ومعضلة ما اعتبرناه تنافسَ أو صراع القاطرتين التاريخيتين، أي القوتين الكبريين اللتين تتصدران المشهد الفلسطيني «فتح» و«حماس» القوة الريادية القديمة أي الأم بالنسبة للحركة الوطنية الفلسطينية التي تمثلها «فتح» وقوة «حماس» الفتية الصاعدة المنافسة لها.

من الانفجار أو الصدمة إلى تبريد الأزمة أو الاحتقان الذي يتخلله بعض الانفجارات المؤقتة أو المكتومة، ثم التسخين أو الانفجار البركاني من جديد. وهكذا يمكن ان نعيد تركيب السياق التاريخي لما يبدو عليه في مثل هذه الأزمات الدوران في الحلقة المفرغة، في الاستدارة أو الانتكاسة بالعودة إلى النقطة أو الدائرة الأولى.

ولكن ما هي العوامل او الباعث والدافع الأخير الذي سبب الأزمة الجديدة؟ وأجاب الرئيس نفسه في تلميح غامض في سياق خطابه الغاضب، عندما قال في إشارة بدت تختزل كل دوافع وأسباب غضبه شخصيًا ومخاوفه المكبوتة والأزمة نفسها، أكثر مما يصرح أو التخلص من الماء الذي لا يزال في الفم عندما قال فجأة «ونحن نعرف من اخترع هذه المصالحة»، وهنا الوردة في الواقع فلنرقص هنا.

وهل تذكرون قبل ستة شهور في شهر تشرين الأول عندما جرى التحرك فجأة لإحياء المصالحة الذي بدا وكأن السلطة والرئيس فوجئ به ودفع اليه دفعًا. ونحن المراقبين والمحللين هنا لاحظنا صمت الإدارة الأميركية بل واسرائيل، فيما بدا وكأنه يعكس ضمنيًا موافقتهما على هذه المحاولة، في مفارقة طرحت في حينه تساؤلات حول اسباب ودوافع الطرفين لتغيير موقفهما.

وكان واضحًا أن التحرك الجديد لحل الأزمة الداخلية الفلسطينية إنما كانت هي الممر الإجباري أو خيار الضرورة من أجل التمهيد لطرح ما يسمى بصفقة القرن، وأن احتواء القضية الفلسطينية أو إزاحتها من الطريق هو الشرط الذي لا بد منه من أجل تركيب التحالف الإقليمي العربي الإسرائيلي ضد إيران، وهذه هي القصة.

والمفارقة اليوم أنه حتى في ظل احتدام الأزمة من جديد والسجال الإعلامي الصعب الذي يدور بين الطرفين، فإن نقطة الالتقاء أو التوافق الوحيد بين الطرفين الضدين أي «فتح» و«حماس» هو موقفهما الموحد من مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسماة صفقة القرن. فهل كان هذا سوء فهم أو خطأ أو فشلًا لا يُغتفر وقع فيه الفلسطينيون ككل حينما لم ينجحوا في تفكيك غموض هذا الالتباس؟ ولم يستطع كل طرف أن يطمئن الآخر حول مخاوفه او وساوسه؟ الأمر الذي يتحول الى نوع من السريالية في الخطاب الإعلامي الى الحد الممل في اتهام كل طرف للآخر أنه يعمل بالتواطؤ تمهيداً لتمرير صفقة القرن الأميركية على حساب وضد المشروع الوطني.

إن مخاوفه واضحة وهي شديدة الغور في نفسه وعميقة ولا يبرح خصومه من تغذيتها من حين لآخر، وهذه تتلخص بالخوف من أن اختطاف غزة ليس على يد «حماس» التي تسيطر عليها منذ أحد عشر عامًا، ولكن ممن يريدون فصلها عن المشروع أو الحل النهائي للقضية الفلسطينية بتحويلها لأن تكون هي الدولة، وبالتالي حسم الصراع على الهدف الرئيسي لحرب حزيران 1967، أي السيطرة على الضفة واحتلالها إلى الأبد من قبل إسرائيل.

وأرى هنا أن على «حماس» أن تظهر قدرًا من الذكاء والفطنة السياسية بالعمل على طمأنة مخاوف الرجل على غزة، والطمأنة هنا لا يجب أن تقتصر على البيان او التصريح السياسي ولكن في الإجراءات السياسية والعملية التي تقود الى تحقيق هذا الاطمئنان.

وبالمقابل فانه لا يمكن إزاء هذا العمر الطويل من الأزمة وإزاء المعطيات الواقعية إخراج حركة حماس هكذا من اللعبة عبر هذا الخيار، إما المسؤولية الكاملة عن غزة أو تسليمها كاملة. وأرى هنا أنه يجب طمأنة الحركة بأنها شريك في اللعبة، لأن هذه الشراكة السياسية هي قاعدة التوازن الجديد الذي يقوم عليه التكامل أو تبادل الأدوار، وانه بدون ذلك سوف تكون هناك خشية حقيقية ان يؤدي هذا التفجير الذي استهدف موكب رئيس الحكومة إلى إيقاع أو اصطياد الطرفين معا «فتح» و«حماس» في الحفرة الغزية.

والخبر الجيد في وسط هذه العتمة أو كآبة الروح هو ما تسرب من معلومات عن اتخاذ ادارة ترامب القرار بتأجيل طرح مبادرته التي تسمى صفقة القرن، لإجراء التعديلات أو التحسينات المطلوبة حتى يوافق عليها الفلسطينيون، واذا صحت هذه المعلومات فان هذا يعد نجاحًا للرئيس أبو مازن الذي انتهج موقفًا صلبًا وعنيدًا بل وحتى قتاليًا في مواجهة ادارة ترامب، وقال «لا» كبيرة ضد صفقة القرن. وهو تحول ربما يؤدي الى تبريد احتقان هذه الأزمة، اذا كانت المسألة الحقيقية أو أُس الأزمة هو الصراع على الدور الغزي الذي يتجاوز في الواقع الانقسام بين «فتح» و»حماس» ويتخطى ذلك بمواجهة كانت لا تزال بين المشروع الوطني الفلسطيني وإدارة ترامب مباشرة.

ويقال، أو هذه هي القاعدة في الدراما المأساوية، أن إطلاق النار يحدث في الفصل الثالث، والحمد لله أن الله سلم رئيس الحكومة من أي أذى في الانفجار الذي يشبه إطلاق النار في الدراما الغزية، او صراع الأدوار والانقسام عليها. فهل يكون هذا هو الفصل الثالث أو الطور الأخير من هذه الأزمة؟ وإلى أن تتكشف الحقيقة كاملة حول ما جرى فلعلها تكون بمثابة الطلقة الأخيرة حقًا، ولكن ليس رصاصة الرحمة على المصالحة.

 

صحيفة الأيام

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

 

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".