قلم / أكرم عطا الله
كيف وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل ومن الذي أخذ بأيدينا وأقدامنا إلى رصيف الذل هذا؟ وأي وطن يبحث فيه المواطن ذليلا عن كسرة خبز؟ وأية حياة تلك تتجسد ألما على شكل رجال ونساء وأطفال يجوبون الشوارع والأسواق بعد أن فقدوا إنسانيتهم وكرامتهم في هذا الجزء الصغير من الوطن الذي يتقاتلون عليه؟.
هذه غزة التي كانت يوما مخزنا للإرادة الوطنية وتجسدت فيها ثورة بحجم الكون، هي غزة التي تحطمت مرارا ولكنها لم تنهزم كما قال آرنست همنغواي انهزمت على أيدي أبناءها التي اشتعلت لديهم غريزة السلطة حد إعدام البشر بهذا الشكل من الموت البطيء بعد ان علقوا مشانق الفقر والجوع في الشوارع والساحات العامة وفي الأسواق وأمام المخابز والمحلات وعلى جانبي الطرق وفي كل الزوايا.
غزة التي تتضور بؤسا وألما كرامة بعد أن أصبحت تطفح بالإهانة في كل البيوت التي فاضت عتباتها بالدموع ، يا الله .....كيف حدث هذا وكيف أطيح بنا ؟ كيف استدرجونا وهم يبررون لنا الجريمة على وسائل الإعلام باعتبارنا قطيع من البشر قاموا بتأجير عقولهم لمن انتخبهم ليمارسوا هذا القدر من التنكيل وارتكاب جريمة الاذلال والإفقار تحت وهج السلطة هي جريمة لا يمكن وصفها بأقل من ذلك وتستدعي المحاكمة.
كل الذين فشلوا في اقتسام كعكة السلطة العفنة يستحقون محاكمة الشعب .... كل الذين باعوا شعارات العزة والكرامة وجعلوه يسبح على بطنه ذلا يستحقون المحاكمة ...كل الذين باعوه شرفا وانتزعوا شرفه يستحقون المحاكمة.... كل الذين وعدوه بسنغافورة ونقلوا إليه الصومال يستحقون المحاكمة ... وإن شعبا لا يتعلم من تجربته ولا يهزه كل ما حدث له لا يستحق أكثر من هؤلاء.
لقد خلدت الدول والشعوب أسماءها في سجلات البطولة والشرف في معارك الشرف والتحرير أضافت في دفاتر المجد شهداءها ليصبح جزء من اسمها فالاتحاد السوفييتي الذي خاض الحرب العالمية الثانية لينتصر بثمن هائل أصبح بلد العشرين مليون شهيد والجزائر الأبية أصبحت بلد المليون شهيد ومن يرى غزة في هذه الأيام ويرى عدد المتسولين والذين يضافون يوميا إلى القائمة والذين يصطفون طوابيرا للحصول على حلية صغيرة من شوربة العدس كما الصومال لا يمكن إلا أن يقول بلد المليون متسول وربما أكثر بعد هذا الخراب الذي حل بنا.
تؤلمك التفاصيل لعائلات تتوسد الهزيمة في داخلها أن تسمع بموطن باع دراجة ابنه ذو العشر سنوات ولم يتوقف الطفل عن البكاء لينهار الأب بالبكاء وجعا وهو يحاول إقناع طفله بانه باعها ليطعمهم لأن لا شيء لديهم يفطرون به هذا الطفل لا يفهم في العالم سوى دراجته ولا يفهم أن هناك صراعا مريرا على السلطة قد تم قبل أن يولد بين الاخوة الألداء فتنافس كل منهم على ذبحه، قد يؤلمك أن تسمع بأن عائلات بأكملها وجبتها الرمضانية علبة فول باردة لانهم لا يملكون ثمن أنبوبة غاز لتسخينه ، وعائلات أخرى تفطر على الشاي والخبز فأي وطن هذا حتى إن تحرر سيدوسوننا كما يفعلون بنا.
كيف ننجو من هذا الجحيم بعد أن تقطعت بنا السبل وتقطع القلب حزنا على شعب ملأ الدنيا كبرياء يوما وتحول إلى جماعات من المتسولين أصبحت الدول تتبارى الصدقة التي تقدمها له ولا يملك سوى أن يفعل كما يفعل المتسول في السوق شاكرا بملء الانكسار.
رمضان حزين ....هكذا يمكن أن يتبادل الناس كلمات المواساة لا التهاني لأن رمضان يقطر دمعا لكثرة ما أصابه من الألم فالناس تتسحر على الشاي وتفطر على الفول البارد فيما يفطر أصحاب الكروش وتوقى العروش الوهمية على ما انزل الله لهم من سلطان وسلطات وإمكانيات أصبحت أكبر من الأوطان حين تضخمت لديهم أوهام الحكم تحت الاحتلال والا لما خاضوا معارك اللاشرف الوطني من أجلها.
رمضان حزين لأن لأن الاطفال الذين ينتظرون طقوسه بالفوانيس أعلنوا صيامهم عن الفرح وعن الحياة وكبروا قبل أوانهم لأنهم تحولوا الى متسولين يجوبون الشوارع علهم يعودون بوجبة لأسرتهم أرأيتم بؤسا أكثر من هذا ؟ولا زال هناك من يتحدث عن النصر وتمكين حكومات منزوعة السيادة والرواتب وكل هذا الذي تحول الى نقمة منذ أن دخل الفلسطيني مغامرة حكم نفسه بكل هذه الفهلوة والإستهبال.
رمضان حزين لأنه كشف هم الناس جميعا وكشف تسولنا وكيف يصطف شعبنا الذي كان أبيا يوما ما طوابيرا على أبواب الصدقات والمساعدات ،من المسؤول عن هذا ؟ جميعنا يعرف...إن ما حدث ويحدث لغزة على أيدي ابنائها وأبناء جلدتها يستدعي محاكمة حقا ...إن ما يتجسد هنا من جريمة مكتملة الأركان يكفي لبنود لائحة اتهام لكل من أوصلها الى هذا الحد من الكارثة ... بلا بطولة.
المقال يعبر عن رأي كاتبه