بقلم: عبد الناصر النجار
هل تذكرون مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" الذي حاول شمعون بيريس الترويج له في نهاية الألفية الثانية، وبشكل خاص بعد توقيع اتفاقية أوسلو .. وكيف تنبأ بأن تحولات جذرية ستشهدها المنطقة وستكون دولة الاحتلال لاعباً رئيسا فيها وحتى بمثابة العقل المدبر والمخطط لها، وأن العرب سيكونون منفذين لسياساتها وتابعين لها، وأن الاقتصاد هو الأساس.
رحل بيريس، والد المشروع النووي الإسرائيلي، ولم يتحقق أي شيء من أفكاره، ولم تتحقق فكرة الشرق الأوسط الجديد، ولم يعد أحد يتذكر بيريس كما لم يعد أحد يتحدث عن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الاقتصادي.
حاولت دولة الاحتلال اختراق الجبهات العربية سراً وعلناً خلال العقود الماضية، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً على مستوى الجماهير العربية والشارع العربي، الذي ظل مؤمناً بأن دولة الاحتلال هي العدو وأن فلسطين لب الصراع العربي الإسرائيلي.
في تلك الأيام لم تكن إيران مصنفة لدى تل أبيب كعدو.. كيف ذلك والأسلحة الإسرائيلية كانت تتدفق إلى الملالي الإيرانيين لإطالة أمد الحرب مع العراق الذي كانت إسرائيل تعتبره عدوها الأول في حينه بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، حتى تفجرت فضيحة "إيران غيت" لتكشف المستور.
بعد الريح العاصفة التي هبت تحت مسمى "الربيع العربي" وتسببت بدمار في أكثر من دولة شقيقة ودمار الدولة الوطنية وليس النظام، أتيح المجال لإيران للتسلل عبر البوابة العراقية باتجاه سورية.
الأموال العربية تدفقت إلى المعارضة السورية التي لم تكن معارضةً ولكن مجموعات متناحرة، كل واحدة منها تدين لمصدر تمويلها، فخلف هذه الأموال معارضة إرهابية كداعش والنصرة وأخرى موالية لإسرائيل باعتقاد أن إسرائيل يمكن أن تتدخل لصالحها، ومعارضة مرتبطة بواشنطن وأخرى موالية لتركيا.. المال العربي في غير موضعه أفسح المجال لإيران للتدخل بعد أن حسمت أوضاعها في العراق مذهبياً ثم جاءت حرب اليمن لتصبح إيران مصدر تهديد للمنطقة.
مخطئ من يعتقد أن مشكلة إيران يمكن حلها عبر البوابة الإسرائيلية، لأن تل أبيب وواشنطن ترفعان الفزاعة الإيرانية لاستكمال حلقات سيطرتهما السياسية والاقتصادية على المنطقة.
دولة الاحتلال لن تقدم هدية مجانية للعرب ولن تحارب نيابة عنهم، هدفها إسقاط نظام الملالي الداعم لحزب الله الذي يمثل خطورة على الحدود الشمالية خاصة بعد حرب العام 2006 ونتائجها السيئة على إسرائيل. ومن المؤكد أن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية ستعود أقوى مما كانت عليه في عهد الشاه البغيض، ولنا عبرة في دور النظام الإيراني في حرب تشرين في العام 1973.
إدارة ترامب بمفاصلها الأساسية من اللوبي الصهيوني بدأت محاولتها تصفية القضية الفلسطينية، وفتح أبواب العرب أمام دولة الاحتلال بذريعة التهديد الإيراني، وكان من نتائج ذلك الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأميركية إليها ثم مخطط تصفية قضية اللاجئين ودعم الاستيطان تحت عنوان "صفقة العصر".
وزير الخارجية الأميركي ونائب الرئيس الأميركي وجاريد كوشنر، الابن المدلل لترامب، كانوا أبطال مسرحية وارسو التي قاطعتها السلطة الفلسطينية.
وعلى الرغم من المقاطعة وضعت واشنطن القضية الفلسطينية على جدول الأعمال في غياب ممثليها الذين من دونهم فإن أي قرار لن يكتب له إلا الفشل.
في وارسو لم ولن نفهم نحن والشعوب العربية الهدايا المجانية العربية لدولة الاحتلال.. فهذا وزير خارجية البحرين خالد بن خليفة يدعي أنه تربى على قاعدة أن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع في المنطقة ولكنه كبر ليكتشف أن إيران هي المشكلة وأن احتلال القدس وتدنيس المسجد الأقصى وقتل الأطفال والنساء ومصادرة الأرض والعدوان لا تعني كثيراً..
ابن خليفة خلال الأشهر الماضية خرج بعدة تصريحات مثيرة للاشمئزاز والقرف من أجل عيون الاحتلال، ولأننا نحاول كظم الغيظ يبدو أن البعض يعتبر ذلك ضعفاً.. لكن السبب الحقيقي هو أننا لا نزال نؤمن بأن أهلنا في البحرين مع قضيتهم الأولى قضية فلسطين والقدس، وعندما تتجرأ إيران الفارسية على البحرين سيكون كل الشعب الفلسطيني جنداً للبحرين.
نتنياهو قبل أن يعود متحدثاً عن الانتصار وكسر تحريم اللقاءات مع المسؤولين العرب، نشر جزءاً من الغسيل الوسخ من خلال تسجيل على جهاز نقال لما دار في إحدى الجلسات المغلقة وحمّله على موقع رئاسة الوزراء ثم حذفه جراء الانتقادات، مدعياً أنه لم يعلم من صور وحمّل التسجيل..
نتنياهو في سبيل مصلحته الانتخابية لا يهمه تلطيخ وجوه المسؤولين العرب أمام شعوبهم، فهذا تصريح من وزير خارجية يلعن أبو البروتوكول الذي أجلسه خطأ بجانب نتنياهو على الرغم من أنه تبرع بإهداء ميكرفونه الخاص ليتمكن نتنياهو من إلقاء كلمته، ما فاجأ نتنياهو نفسه واعتبر ذلك بداية علاقات مع هذا البلد المنكوب.
الحقيقة المؤكدة أنه مهما حاول بعض المسؤولين العرب اللهاث نحو دولة الاحتلال فإنها لن تنظر إليهم أكثر من نظرتها إلى المتعاونين والعملاء الذين تقذف بهم إلى المستنقعات بعد استنفاد مهامهم.
بعد مهزلة وارسو لن تفلح إسرائيل ولا واشنطن ولا العالم كله في فرض حل على الشعب الفلسطيني، ولا انتزاع حق مغتصب، ما دام هناك شعب حي يدافع عن الأقصى، ويقف في مواجهة الاستعمار الجديد للمنطقة العربية.
هناك 15 مليون فلسطيني معهم مليار عربي ومسلم أنقياء في لحظة سيستيقظون من غفلتهم الطارئة وعندها لن ينفع المطبعين المجانيين هرولتهم نحو دولة الاحتلال.. والتاريخ سيذكرهم فقط كملوك الطوائف الذين التجؤوا للعدو لحماية أنفسهم فكانت نهايتهم.. وليس كنهاية كصلاح الدين.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"