بقلم: رامي منصور
كشفت مفاوضات إعادة تشكيل القائمة المشتركة رداءة السياسة الحالية، وبدت كأنها سيرك، يقودها بهلوان يقوم بحركات مخادعة. هذا السيرك كان بلا مشاهدين وبلا جمهور، لكنه سيرك رقص فيه سياسيون ووسائل إعلام (حتى لا نقول صحافة) على إيقاع البهلوان، لكن في لحظة الحقيقة والامتحان، تبيّن أنه أجبن من أن يقدم استعراضه حتى النهاية.
استطاع هذا البهلوان طيلة شهر ونصف الشهر تضليل البعض بفعل تواطؤ سياسيين، الذين تعاملوا معه على أنه شريك شرعي في السابق وفي المستقبل، بدلا من نبذه وتحجيمه. والنتيجة كانت أن هذا البهلوان استطاع ابتزاز من هو قابل للابتزاز، وبعدما صرح في اجتماع مركبات المشتركة في بلدية الناصرة بأنه لن يخضع "لإملاءات رام الله"، حسب تعبيره، خضع وأخضع آخرين.
كان بالإمكان إنهاء ظاهرة هذا البهلوان لو توفرت الإرادة السياسية الصادقة لدى الجبهة، التي يبدو أن أطرافا فيها تحمل أحقادا لا يمكن نزعها تجاه التجمع الوطني الديمقراطي، وتخضع لإملاءات السلطة الفلسطينية، التي تعادي التجمع من يوم تأسيسه لأنه ليس تابعا أو راضخا لها، على الرغم من محاولات قيادات فيه مد الجسور معها.
ومن حظ التجمع أن الحركة الإسلامية بقيادتها الشابة اتخذت موقفا مشرفا، لأسباب موضوعية، وسعت للتحالف مع التجمع أو المشاركة بقائمة حزبية ثلاثية. ولولا ذلك، لكان التجمع ضحية مؤامرة حيكت ضده لضرب تمثيله في المشتركة، وإذلاله في المفاوضات مع الجبهة.
لذا، هذه فرصة جدية أمام التجمع لاستثمار التحالف مع التيار الإسلامي لإعادة ضبط الساحة السياسية عندنا، وإنهاء البهلوانيات واستعادة البعد النضالي المفقود في العمل السياسي الراهن. بإمكان التجمع فتح الأبواب للإسلامية لدى شرائح واسعة هي غير قادرة على الوصول إليها من دون التجمع، والعكس صحيح، بإمكان الإسلامية أن تتيح للتجمع الوصول لشرائح هو غير قادر للوصول إليها. أي يجب أن يستمر هذا التحالف الثنائي إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية لتحالف إستراتيجي، ويستمر في انتخابات رئاسة لجنة المتابعة، التي أضعفت تصرفات رئيسها في الشهر والنصف الأخير هيبتها ومكانتها.
الكتلة المانعة...fake news
طرفان يتحدثان عن إمكانية اعتماد بيني غانتس على كتلة مانعة عربية في حال فاز بالانتخابات؛ بنيامين نتنياهو الذي يدرك أن ذلك لن يحصل، لكنه يستثمره سياسيا لاستنفار اليمين؛ والطرف الثاني هو السلطة الفلسطينية التي تعيش في كوكب آخر، وهدفها الأساسي من دعم غانتس هو إعادة المفاوضات للحياة، وهو مصدر ترزقها وشرعيتها، وليس من أجل تخفيف الحصار عن غزة أو تحرير الأسرى.
أما تجربة الكتلة المانعة في عهد حكومة رابين، فلن تتكرر لأسباب إسرائيلية موضوعية، لأن إسرائيل التسعينيات ليست إسرائيل ما بعد الانتفاضة الثانية، سواء من ناحية التركيبة الديمغرافية التي تنعكس على الخارطة والمواقف السياسية بحيث أصبحت أكثر تطرفا وعدائية للعرب، أو بسبب انعدام أي طرف إسرائيلي حتى "اليساري" الذي يرى بالمواطنين العرب طرفا شرعيا يمكن الاستناد إليه في أي ائتلاف حكومي.
أما الصورة الوردية التي يروج لها عن تلك التجربة في عهد حكومة رابين، فهي غير واقعية، لأن تلك الفترة شهدت "بحبوحة" اقتصادية وسياسية إسرائيلية نسبية في ظل المفاوضات مع الفلسطينيين، وطال العرب "نصيبهم" من تلك البحبوحة أقل بكثير مما يستحقونه. كما أن تمثيل العرب السياسي في الكنيست ليس هدفه الحصول على فتات الحقوق هنا وهناك مقابل تنازلات مبدئية، مثل دعم مجرم حرب مثل رابين، بل بالأساس التعبير عن المواقف السياسية للعرب، وترجمة نضالهم الميداني المفترض إلى إنجازات سياسية أبعد ما تكون عن رفع مخصصات الأطفال، على أهميتها، لأن ذلك ليس عملا سياسيا وطنيا بل مجرد عمل خدماتي منزوع من بعده السياسي، وهو أقرب إلى "ثقافة الواسطة" التي راجت في الستينيات والسبعينيات.
الكتلة المانعة كذبة، ونتنياهو يستثمر هذه الكذبة من أجل ضرب شرعية العرب السياسية واستقطاب أصوات اليمينيين. لكن ذلك لم يمنع سلطة رام الله من الدفع باتجاه تحالف الجبهة مع طيبي، لاعتقادها بأن هذا التحالف يقبل أن يكون داعما لائتلاف محتمل يشكله غانتس.
لكن كما ذكرت، فإن هذه السلطة تعيش في كوكب آخر، ولا يجوز أن تكون أحزابنا السياسية مطية بيدها، بل أن تكون العلاقة قائمة على الندية واحترام استقلالية الأحزاب، رغم أن هذه السلطة شريكة بحصار أهالي غزة وتعزز الانقسام وتنسق أمنيا مع إسرائيل.
عن موقع "عرب 48"
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"