غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

على هامش الثورة الإيرانية: قليل من التجربة الصينية

عبير بشير

بقلم: عبير بشير

لم تعثر الثورة الإيرانية بعد على رجل من قماشة دينغ هسياو بينغ، الذي دفع الثورة الصينية إلى التقاعد تحت عباءة الدولة، وأنقذ الصين من مستقبل قاتم فيما لو استمر ماو يحكمها من قبره.

ولم تكن استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مفاجأة، فالوزير محاصر في الداخل، ومحبط من الخارج. وتكشف الاستقالة ما يدور في داخل إيران العميقة، من صراع بين إيران الثورة وإيران الدولة، والصراع مع -صانع الملوك- قاسم سليماني والذي يشكل تقاطع العسكريتاريا مع الراديكاليين الذين يعملون للتحضير لمعركة خلافة المرشد.

وشكلت زيارة بشار الأسد إلى طهران، القشة التي قصمت ظهر البعير، فجاءت استقالة ظريف – ظاهرياً -لأنه لم يبلغ بأمر الزيارة، الذي أجرى فيها الأسد محادثات مع المرشد علي خامنئي بحضور قاسم سليماني.

ولطالما تذمر ظريف من الضغوط الداخلية عليه، وفي إشارة الى المفاوضات المرتبطة بالاتفاق النووي، قال "كان قلقنا من الخناجر التي تطعننا في الظهر، أكبر من قلقنا من المفاوضات. لم يتمكن الطرف الآخر من إرهاقي خلال المفاوضات، لكن الضغوط الداخلية أنهكتني خلال المحادثات وبعدها". وتابع: علينا أن نُبعد سياستنا الخارجية عن ملف صراع الأحزاب والفصائل. السم القاتل بالنسبة الى السياسة الخارجية هو أن تصبح قضية صراع أحزاب.

وفي تصريحات غير مسبوقة، حذر عضو مجلس الشورى الإيراني رحيمي آبادي من مصير الاتحاد السوفياتي، وقال إنه عندما سقط الاتحاد السوفياتي كان يملك 13 ألف صاروخ نووي ونفوذا في 20 دولة في العالم ومحطة فضائية لكنه تفكك في شوارع موسكو، منبهاً النظام الى ضرورة خفض إنفاقه الداخلي والخارجي وإلا سيتلقى الهزيمة داخل أسوار طهران.

فطهران التي تقع على مسافة مرمى حجر من موسكو، لم يلتفت أصحاب القرار فيها إلى ضرورة إعادة قراءة التجربة السوفياتية بكليتها، مع العلم أن المرشد من المدافعين عن البعد الجيو استراتيجي للثورة الإيرانية المحكوم بعلاقة ثابتة بالجار الروسي بمعزل عن هويته العقائدية أو السياسية.

ولا يجادل أحد في حق إيران في العيش في ظل أي نظام يختاره شعبها. والمشكلة الفعلية ليست مع خيارات إيران داخل خريطتها، المشكلة مع خيارات طهران خارج خريطتها. مع العلم أننا في كل الأحوال، محكومون بالعيش معا في هذا الفخ التاريخي والجغرافي والمعروف باسم الشرق الأوسط.

في حين يصر القادة الإيرانيون في الذكرى الأربعين للثورة، على أن الثورة انطلقت في الأساس لحماية إيران. حتى الرئيس الإيراني حسن روحاني، يدافع عن هذا المنطق، وقد شمر عن ساعديه في لقاء جماهيري، وبدأ يعد سلسلة الحروب التي هزمت فيها إيران في القرن التاسع عشر أمام بريطانيا وروسيا، موضحا بأن إيران اليوم، هي مجرد منطقة باقية، من إمبراطورية كانت عظيمة يوما ما، وامتدت من الهند إلى ساحل البحر المتوسط. وادعى روحاني أنه لولا الثورة الإسلامية، لكانت إيران بأكملها اختفت، وأشار إلى قبول الشاه باستقلال البحرين. فيما تساءل مستشار المرشد: هل إيران بالصورة التي تشبه القطة التي تظهر بها على الخرائط الجغرافية؟ أم أن الإمبراطورية الإيرانية تمتد من الهند إلى ساحل البحر المتوسط، ومن آسيا الوسطى إلى القوقاز؟. وفي قصيدة نظمها أحد الشعراء الذين يحظون بدعم خامنئي، قال "لبنان والعراق واليمن وسورية أصبحوا جميعاً ملكاً لنا... ولؤلؤة من النجف ليست أقل قيمة من كهرمان اليمن".

وفي بيان بمناسبة مرور أربعين عاما على الثورة، وجه المرشد علي خامنئي رسالته إلى الشباب، ويبدو من مضمون الرسالة التي حملها البيان للشباب أن قلقا وخوفا يستحوذان عليه، إذ توحي كلمات بيانه بأنها وصية يدعوهم فيها إلى الحفاظ على الثورة الإسلامية وشعاراتها وقيمها ونظامها.

مع هذا لم يتمكن المرشد من إخفاء حقائق مهمة، عندما أشار إلى عدم نجاح النظام في تحقيق العدالة الاجتماعية، وقال "ينبغي أن لا يُفهم من عدم رضاي عن فاعلية العدالة في البلاد، عدم حصول شيء من أجل تكريس العدالة.
كما أدان خامنئي نفسه في البيان عندما أشار إلى أن المشكلات الكبرى التي تعاني منها إيران كانت بسبب إهمال خطّ الثورة وشعاراتها في فترات مختلفة خلال الأربعين عاما، إذ قال "واعلموا أنه لولا الغفلة عن السياق الثوري في فترات من تاريخ الأربعين عاما، لكانت مكتسبات الثورة أكثر من هذا بكثير، ولما كان كثير من المشكلات موجودة اليوم".

ومن ضمن ما وصى به خامنئي الشباب في بيانه، الاقتصاد، وهو الميدان الذي لم يقدم فيه نظام ولاية الفقيه نموذجا يُحتذى، بل كان متروكاً لتجارب المسؤولين وخياراتهم الشعبوية بعيدا عن التخطيط. مع هذا لا يزال خامنئي يوصي الشباب باقتصاد المقاومة، الذي لم يورثْ إيران وشعبها إلا الفقر والأزمات الاجتماعية والسياسية المتتالية رغم أنها بلد غني بالثروات والكفاءات والطاقات.

وفي هذه الأجواء، ربما يكون التعريج على التجربة الصينية ووصية شياو بينج دينغ إلى الأمة الصينية مفيداً.
فبعد ثلاث سنوات من أحداث ميدان تيان آن مين الشهيرة عام 1989، والتي اعتصم فيها الطلاب مطالبين بالديمقراطية، ثم تدخل الجيش الصيني لفضها بالقوة، ركب دينغ القطار، مطلع العام 1992، وهو في الثامنة والثمانين من عمره، ومضى يزور أرياف الصين ومدنها ويلقي خطابات اعتبرت فيما بعد "وصية دينغ إلى الأمة"، مؤكداً بذلك استمرار مشروع الصين النهضوي، القائم على ما يسميه الصينيون "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية".

وفي "وصيته"، قال دينغ: "علينا توجيه انتباهنا إلى تربية الناس، وانتقاء العناصر الطيبة وتقليدها المناصب القيادية، وخصوصاً العناصر التي تتحلى بالكفاءة والنضج السياسي. على هؤلاء أن يكونوا ثواراً وشباناً ومدربين تدريباً جيداً، وذوي كفاءة مهنية".

غير دينغ أو كما يطلق عليه مهندس الإصلاح الصيني، الخطة الاقتصادية للصين بشكل كامل، وتبنى سياسة خارجية مفادها الانفتاح على العالم، ومن ثمار أفكاره الانفتاحية التوقيع على معاهدة السلام والصداقة مع اليابان عام 1978. وفي 1979، وخلال زيارة إلى الولايات المتحدة، تمكن دينغ هسياو بينغ من إعادة العلاقات مع واشنطن وانتزاع اعترافها رسميا ببلاده. وحقق حلما طالما انتظره مواطنوه وهو التفاوض الناجح مع البريطانيين لإعادة هونغ كونغ للحضن الصيني عام 1997.

جاهر دينغ بخلافه مع العديد من شعارات الثورة الثقافية الصينية، ولم يكبح جرأته المعهودة فأعلن خلافه مع مقولة "من الأفضل أن نبقى فقراء في ظل الاشتراكية على أن نغتني في ظل الرأسمالية" وأكد أن "الفقر ليس اشتراكية." كان دينغ يعلم أن فتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها سيؤدي إلى تسرب "الذباب"، فاكتفى بفتح أبواب الصين الاقتصادية ببطء وخطوات محسوبة، وأبقى على أبواب السياسة موصدة.

وبعد مناقشته للأوضاع داخل الصين وخارجها طرح فكرته للإصلاح، والقائمة على أنه إذا رغبت الصين في الخروج من حالة التدهور هذه فعليها أن تستند إلى الواقع، وتسمح بتطبيق نظام اقتصاد السوق، وأنه بدون اقتصاد قائم على الرأسمالية لن تزدهر الصين.

هذا لا يعني أنه قرر التخلي عن الاشتراكية، لكنه قرر أن يتبنى اشتراكية تلائم واقع خصوصية الصين، لا اشتراكية ذات قوالب تاريخية جامدة. وكانت هذه النقطة السبب الرئيسي وراء نجاح التجربة الصينية مقارنة بنظيرتها التي اتبعها الرئيس السوفيتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف، والتي أدت في النهاية إلى سقوط الاتحاد السوفيتي.

فقد تميزت تجربة دينج بالمزاوجة بين اقتصاد السوق والاقتصاد الاشتراكي، وهو ما أطلق عليه -اقتصاد السوق الاشتراكي- أو -الاشتراكية ذات الخصائص الصينية-.
وفي هذا الصدد كانت له مقوله شهيرة: ليس المهم ان كان لون القطة أبيض أم أسود، ما دامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة". ومن ثم ليس المهم الاشتراكية أو الرأسمالية، لكن المهم أن يحدث النمو، وأن تحصل الصين على التكنولوجيا المتقدمة ورؤوس الأموال التي تحتاجها من أجل نهضتها.

عن صحيفة الأيام 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".