بقلم: فراس أبو هلال
مع ظهور النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات المحلية التركية، ووضوح النتائج باستثناء الخلاف على بلدية إسطنبول الكبرى، يمكن الآن الحديث عن الدلالات العامة للنتائج، دون الخوض بتفاصيل دقيقة نتركها للخبراء بالشأن التركي.
وفي الحديث عن الدلالات العامة، لا بد من التأكيد ابتداء أن أي ظاهرة سياسية معقدة لا يمكن وصفها باختزال يرتكز على تحليل أحادي يبنى على زاوية واحدة للبحث، فالقضايا المركبة تحتاج لتحليل مركب أيضا، لكننا ابتلينا في وقت الاستقطاب الشديد الذي تعيشه المنطقة بالتحليلات التي لا تكتفي بالاختزال، بل تخضع تماما للأيدولوجيا، أو "للحب والكراهية"!
وفي هذا الإطار، انتشى إعلاميو وكتاب و"نشطاء" الثورة المضادة العربية تحديدا من النتائج، واعتبروها هزيمة كبيرة للرئيس التركي أردوغان، دون النظر في الانتصارات التي حققها، فيما انبرى مؤيدو العدالة والتنمية العرب لإثبات انتصاره الكبير دون النظر إلى خسارة حزبه في مدن كبرى.. قاتل الله الأيدولوجيا التي تعمي صاحبها!
وبعيدا عن "صراع الديوك" في الفضاء الإعلامي والإلكتروني العربي، يمكن الحديث عن خسارات وانتصارات في جوانب متعددة:
•ربح الشعب التركي بالمضي قدما في مسار الديمقراطية الناجزة. صوت الأتراك ومضوا في حياتهم وأعمالهم بسلام، واختاروا حكامهم المحليين دون خوف من تزوير أو إرهاب، عاقبوا الحزب الحاكم في بعض المدن، وقرروا منح الفرصة للمعارضة في هذه المدن وهم مطمئنون أنهم سيمنحون حقهم بمعاقبة من يريدون بعد أربع سنوات في صناديق الاقتراع لا عبر دبابات الانقلاب والعسكر.
•ربح الحزب الحاكم بإجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة وبمشاركة شعبية واسعة، وأثبت للعالم أنه مؤمن بحق الناس في الاختيار، وحين حصل اختلاف على نتيجة مدينة إسطنبول قرر اللجوء للاعتراض القانوني لا "البلطجة"، وأعلن مسبقا أنه سيقبل بقرار لجنة الانتخابات العليا.
•خسر الحزب الحاكم خسارة موجعة في مدن كبرى أهمها أنقرة وأزمير "التي يخسر فيها عادة"، ومن المحتمل أن يخسر في إسطنبول أيضا بكل ما تعنيه هذه المدينة من رمزية للحزب والرئيس ولكل الأحزاب التركية، وهي خسارة ستلقي بظلالها على سياسات الحزب في المرحلة القادمة، التي أكد أردوغان أنها ستنصب على دراسة أسباب الخسارة في بعض المدن.
•بالمقابل، انتصر العدالة والتنمية في عدد كبير من البلديات الفرعية لمدينتي إسطنبول وأنقرة بنسب أعلى بكثر من أحزاب المعارضة. فقد حصل تحالف العدالة والتنمية على 25 بلدية في إسطنبول مقابل 14 بلدية للمعارضة، وفي أنقرة حصل على رئاسة 19 بلدية مقابل 6 بلديات للمعارضة.
•خسر حزب الشعوب الكردي في بعض مناطقه التقليدية شرقي البلاد، فيما كسب الحاكم بتحقيقه نتائج طيبة في هذه المناطق، وهذه النتيجة بالتالي هي انتصار "للدولة القومية" التي استطاعت تحقيق تقدم في مجال "دولة المواطنة" التي يصوت فيها الناس بناء على برامج انتخابية لا على أسس هوياتية فرعية.
هذا عن الأتراك، أما عن العرب، فإن الخسارة الكبيرة هي للجميع، حيث بقيت الشعوب العربية في موقف المتفرج، بين من يشجع "فريق" العدالة والتنمية وبين من يشجع "فريق" المعارضة، بين أولئك الذين ينظرون للنموذج التركي حلما ديمقراطيا يمكن تحقيقه في بلادهم، وأولئك الذين يرون في هذا النموذج خطرا على أنظمتهم الشمولية الريعية.
كان يوم الأحد الماضي يمثل "تكثيفا" كبيرا لمعنى الخسارة والربح بين الأتراك والعرب، وتلخيصا للفرق بين الديمقراطية والحكم الشمولي، فبينما مرت القمة العربية في تونس دون متابعة تذكر من غالبية العرب الذين لم يكترثوا لمتابعة منظومة سياسية لم يختاروها ولم ينتخبوها وبالتالي لا تمثلهم حقا، كان نفس هؤلاء العرب منشغلين تماما بمتابعة الانتخابات المحلية التركية، سواء كانت المتابعة أملا بنموذج ديمقراطي مثيل أو خوفا من انتقال عدوى الديمقراطية للشعوب العربية التي تستحق حكما يمثلهم تماما مثل الأتراك وغيرهم من شعوب العالم!
عن موقع عربي 21
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"