بقلم: هاني حبيب
مع اقتراب طرح الإدارة الأميركية لخطة ترامب، بعد تشكيل حكومة نتنياهو الخامسة وانقضاء شهر رمضان، حسب المصادر الرسمية الأميركية، مع احتمال تأجيل هذا الطرح من جديد، بالتوازي مع ذلك، صدرت خلال الأيام القليلة الماضية عدة دعوات من قبل معظم الفصائل الفلسطينية لوضع خطة وطنية شاملة لمواجهة هذه الخطة ـ الصفقة، وأبدعت هذه الفصائل في تشريح الوضع القائم ومآلات هذه الخطة وضرورة التصدي لتداعياتها الخطيرة نظراً لأن هذه الخطة تستهدف تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، واتفقت هذه الدعوات على أن أولى مهام العمل الوطني الفلسطيني يجب أن يتجه نحو إنهاء حالة الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، والذي من شأنه التوصل إلى استراتيجية وطنية تستند إلى حالة وطنية فلسطينية موحدة ومتماسكة بسياسات واضحة وآليات فعالة لمواجهة هذه الصفقة ـ الخطة.
اعتدنا منذ زمن، خاصة إثر الانقسام الذي تحول من الناحية الواقعية إلى ما هو أقرب إلى الانفصال الميداني، على العديد من مثل هذه الدعوات المتكررة والتي تشرح بالتفصيل الممل طبيعة ومآلات ومخاطر هذا الانقسام ـ الانفصال، واستمرت هذه الفصائل، في كل حدث سياسي، تردد هذه الدعوات التي باتت بلا جدوى منها من دون أن تدعو هذه الفصائل نفسها، قبل أن تدعو الآخرين والتوجه إليهم من أجل انعطافة تصحيحية من دون أن تقوم هذه الفصائل بالخطوة الأولى بهذا الاتجاه، وذلك من خلال، أن يتحمل كل فصيل مسؤولية البدء بنفسه، وهذا يتطلب عدم دعوة الآخرين قبل أن يدعو نفسه للعودة عن مواقفه المحددة والثابتة وغير القابلة للمراجعة، وبحيث أن كل فصيل يعتبر أن الأمر المتعلق بالدعوة، هو للفصائل الأخرى، وللقيادة الفلسطينية، سلطة ومنظمة، ومع أن كافة هذه الفصائل والقوى اجتمعت على أن الانقسام واستمراره ما هو إلاّ إنجاز إسرائيلي بامتياز، وخطر يتهدد الكل الفلسطيني.
من خلال هذه الدعوات، ذات الصياغات الإبداعية في الأدب السياسي، لم نلحظ أن فصيلاً منها حاول أن يراجع سياساته والتنازل والتراجع عن بعض مواقفه لصالح التوصل إلى موقف وطني فلسطيني موحد، كل فصيل يطالب الآخرين، باعتبار أن هذا الفصيل أو ذاك يحتكر الحقيقة كما يحتكر الموقف الوطني الصحيح، وأن الفصائل والقوى والقيادات الأخرى هي التي تتحمل مسؤولية الأزمة المستفحلة والمتواصلة على الصعيد الوطني الفلسطيني، وأن على الآخرين مراجعة مواقفهم لتقترب من مواقف هذا الفصيل أو ذاك، وإذا كان كل فصيل، أو قيادة، تعتبر أنها وحدها تمتلك الرؤية الصائبة، في التشخيص والحل، فمن الذي يتحمل مسؤولية هذا المنزلق الذي لا تبدو هناك أية آمال بالخروج منه، في الزمن المنظور على الأقل!
الاتحاد الأوروبي، بدوله الـ 28، تداعى لتوحيد موقفه إزاء "صفقة القرن"، من خلال التمسك بـ"حل الدولتين"، رغم اعترافه بأن هذا الحل تم تقطيعه "إرباً إرباً" على حد قول وزيرة خارجية الاتحاد فديريكا موغيريني، كشكل من أشكال تحدي إدارة ترامب وخططها الرامية إلى الالتفاف على القوانين والقرارات الدولية، وإذا كان الأمر كذلك، قوى أخرى تتوحد لمواجهة هذه الخطة ووضع المواقف موضع التنفيذ، فالأحرى بنا كفلسطينيين أولاً، وعرب ثانياً، التوحد في هذه المواجهة، وهو ما نفتقر إليه حتى الآن، والأمر لا يتوقف عند إصدار دعوات ومواقف، بل بوضع آليات فعالة للمواجهة، وهذا يقتضي قبل أي شيء آخر، التوقف عن التشخيص والتحذير من المخاطر، بل الانطلاق إلى تحمّل المسؤولية وامتلاك إرادة حقيقية للمراجعة والتقييم والتقويم، والبدء بأنفسنا، كل فصيل، وكل قيادة، إذا ما أخلصنا فعلاً في تحمّل مسؤولية هذه المواجهة، من دون ذلك، سنظل ندعو الآخرين وعدم الاعتراف بالمسؤولية الذاتية، وستطرح "صفقة القرن" وخطة ترامب من دون أن تكون هناك أية قوة قادرة على وقفها. المطلوب امتلاك إرادة التقييم والتراجع الفئوي لصالح القضية الوطنية، ولا يكفي تسجيل المواقف وكفى الله المؤمنين القتال!
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"