بقلم: هاني حبيب
بينما يستمر التصعيد المتواتر بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، تتطلع كافة الأطراف إلى القاهرة ومدى قدرتها على التدخل من أجل منع انزلاق هذا التصعيد إلى حرب شاملة لا يريدها أحد، حسب وسائل إعلام فلسطينية وإسرائيلية، فإن القاهرة توجهت إلى الطرفين بضرورة وقف التصعيد والالتزام بتفاهمات التهدئة التي تم التوصل إليها قبل بضعة أسابيع، خاصة وأن العاصمة المصرية تجري مباحثات بالغة الأهمية مع وفدين يضمان قياديين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
كان هدف هذه المباحثات الوقائية الحيلولة دون تنصل إسرائيلي من الالتزامات التي تم التوافق بشأنها برعاية مصرية، خاصة فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من تفاهمات التهدئة والمتعلقة بالمناطق الصناعية وتمرير الأموال القطرية وميناء غزة وتمويل المشاريع الحيوية والبنى التحتية، خاصة بعد أن تراجع الاحتلال عن أحد تفاهمات المرحلة الأولى من التهدئة عندما قلص من جديد مساحة الصيد في بحر قطاع غزة، الأمر الذي اعتبر نكوصاً وتراجعاً عن تفاهمات المرحلة الأولى من التهدئة ما يشير إلى تملُّصه من التزاماته بهذا الشأن.
على ضوء ذلك، لم يكن هذا التصعيد مفاجئاً، إذ ان التزامات المقاومة نحو مواطني قطاع غزة تجاه تفاهمات التهدئة الرامية إلى تحسين ظروف الحياة الصعبة، دفعتها إلى إرسال رسالة واضحة للاحتلال من خلال العودة إلى أنشطة مسيرات العودة «الخشنة» كرسالة لتذكير الاحتلال بضرورة عدم التنصُّل من التفاهمات الأمر الذي استدعى من الاحتلال، أيضاً، الرد، معتقداً أن وجود القيادات الفلسطينية من حماس والجهاد في القاهرة من شأنه أن يمنع المقاومة من الرد، غير أن المفاجأة التي لم يتوقعها الاحتلال، أن الرد من غزة على صواريخ الاحتلال جاء قوياً وفعالاً، في سياق رسالة مفادها أن القاهرة معنية بالتزام الطرفين نحو تفاهمات التهدئة، ولن تضغط على الجانب الفلسطيني في حال استمر العدوان الإسرائيلي بالتوازي مع التنصُّل من هذه التفاهمات.
وكما أن تفاهمات التهدئة مصلحة فلسطينية في سياق الخروج من الأزمة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، فهي أيضاً، مصلحة إسرائيلية أساسية، ليست مرتبطة بانتخابات أو بأحداث هنا وهناك، بقدر ما يرتبط ذلك بأن بديل التهدئة هو حرب إسرائيلية رابعة على قطاع غزة، نقول رابعة لأن هذه الحروب كان من شأنها جرّ دولة الاحتلال إلى حروب أخرى متوالية متتالية، ليست هناك حرب نهائية يمكن معها القضاء على المقاومة، واسرائيل إذ تدرك ذلك، وإلى أن تصل إلى قناعة راسخة بأنها باتت قادرة على الوصول إلى هدف إنهاء المقاومة، وهذا غير ممكن في سياق ميزان القوى القائم والمنظور، فإن لإسرائيل مصلحة أساسية بالبديل الذي يتخذ من تفاهمات التهدئة عنواناً له.
وبينما يتخذ نتنياهو من مشاوراته مع الكتل الحزبية لتشكيل حكومته الخامسة، مبرراً للتصعيد الإسرائيلي لإرضاء الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفاً في الساحة الإسرائيلية، فإنه بالمقابل يخشى من استمرار هذا التصعيد كونه سيترك آثاراً كبيرة على مهرجان الأغنية الأوروبية «اليوروفيجن» بالتوازي مع احتفالات دولة الاحتلال بما تطلق عليه «عيد الاستقلال» منتصف الشهر الجاري، وهو المهرجان - الحدث الذي انتظرته الدولة العبرية طويلاً لتسويق ذاتها باعتبارها «دولة أوروبية» من حيث القيم الديمقراطية والحضارية، وحيث يعتبر هذا الحدث، مناسبة سياحية مهمة للترويج لزيارة الدولة العبرية التي تحظى بالأمن والأمان، من هنا هناك خشية حقيقية من أن استمرار التصعيد، سيربك هذا المشروع الإسرائيلي الحيوي، مالياً وحضارياً وسياحياً وسياسياً أيضاً، لذلك، هناك شعرة رفيعة تفصل بين التصعيد والتهدئة، هذه الشعرة تتحكّم بها القاهرة من خلال جهودها التي يتوقعها الجميع من أجل عدم الانزلاق والتدحرج نحو حرب واسعة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"