بقلم: عبد المجيد سويلم
الأصل أن كل نظام سياسي ـ مهما كانت خصوصيته ـ أن يحتوي على أسس للعقد الاجتماعي تمثل في واقع الأمر المصالح الوطنية العليا التي يجسدها ويعبّر عنها هذا النظام.
والأصل أن لا يكون الالتزام التام بهذه الأسس موضع شك او ريبة أو تردد.
والأصل، أيضاً، أن كل الاختلافات لا تأخذ شرعيتها الا لكونها اختلافات محكومة بسقف تلك المصالح، والا لكونها موجودة كاختلافات لتحقيق تلك المصالح.
في هذا الإطار بالذات، ومن هذه الزاوية تحديداً فإن الانتخابات التي جرت في العام 2006 لم تكن محكومة بسقف توافق والتزام وطنيين حول المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وجرى أبغض أنواع التسرع عندما تمت تلك الانتخابات قبل حسم هذه المسألة بالذات.
جرت منذ تلك الانتخابات مياه كثيرة، بدءاً من الانقلاب ووصولاً إلى رفض اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني [موسكو].
فهل سنذهب الى انتخابات جديدة قبل او دون حسم هذه المسألة، وما هي الكيفية التي سنحسم بها هذه المسألة؟
للمساهمة في هذا النقاش الذي يفترض ان يبدأ اولاً وقبل الحديث عن المشاركة او الامتناع، وقبل اي حديث عن القبول بها او رفضها.
وأول خلاصة هنا هي ان النظام السياسي الفلسطيني وجد قبل اتفاقيات اوسلو، وقبل نشوء حركة حماس وغيرها من الوافدين الجدد على النضال الوطني الفلسطيني، وكان المجلس الوطني الفلسطيني نواة هذا النظام وعماده، وتحولت المنظمة بعد قمة الرباط الى ممثل شرعي ووحيد باعتراف الإقليم والعالم. ولهذا فإن انتخابات المجلس التشريعي ليست الا احد فروع هذا النظام، بالرغم من أهميتها الخاصة بما تمثله من اهمية مستمدة من أهمية ساحة الأرض المحتلة.
لكن أهداف وحقوق الشعب الفلسطيني أكبر وأعمق وأوسع من تمثيل الفلسطينيين في الارض المحتلة، والسلطة التي تبنى والتي بنيت وانبثقت عن الانتخابات التشريعية هي سلطة تابعة ونابعة من مكونات النظام السياسي الأكبر، والذي تمثله المنظمة كنابع وتابع لأعلى سلطة تشريعية، وهو المجلس الوطني أثناء انعقاده، والمجلس المركزي بين دورات المجلس الوطني، وأثناء انعقاده، وتنفيذية المنظمة بين دورتين من دورات المجلس المركزي.
اذا لم يتم حسم هذه المسألة، وكتابة وثيقة سياسية تعرض على اقرب دورة للمجلس المركزي، بحيث توقع من كل من يرغب بالمشاركة في هذه الانتخابات، ويلتزم بموجبها بكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بدون قيد او شرط، مع التأكيد على أهمية تفعيل المنظمة واعادة بناء الكثير من الأطر والهياكل الخاصة بها [كمتطلب وطني وليس كشرط للاعتراف بدور ومكانة المنظمة].
قبل حسم هذه المسألة لا مجال ـ كما ارى ـ للحديث الجاد عن الانتخابات.
هناك من يعتقد أن شرط التزام كل الأطراف المشاركة في النظام السياسي بكافة التزامات منظمة التحرير الفلسطينية هو شرط ضروري على نفس درجة الاعتراف بالمنظمة، لأنه لا فائدة ترجى من الاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني الفلسطيني بدون التزاماتها، وبالتالي فإن هناك شرعية منبثقة عنها حيال هذه الالتزامات، من الواجب قبولها مع حق التحفظ عليها في الأطر الرسمية، ومعارضتها بما لا يلحق الضرر لا بشرعية المنظمة ولا بشرعية التزاماتها.
هذا الرأي ربما يحتاج الى آراء قانونية من جهات الاختصاص المخولة بهذا الشأن، لكن هناك رأياً آخر مفاده أنه لا يوجد سبب قانوني لربط شرعية المنظمة بشرعية التزاماتها، وان من حق المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية أن تتعارض مع التزامات المنظمة وليس فقط المعارضة «الداخلية» لها، دون ان يعني ذلك التخلي عن الاعتراف الراسخ بشرعية المنظمة.
وايضاً هنا الأمر يحتاج الى المزيد من الحوار، ويحتاج كما آنفاً الى جهد قانوني مختص.
لكن وفي مطلق الأحوال لا مجال للجدل او المساومة على التمثيل الشرعي والوحيد كشرط اولي وأساسي على المشاركة في الانتخابات التشريعية، ولا مجال لاعتبار المسألة مجرد اعلان في بيان او منشور او حتى وثيقة خاصة بهذا التنظيم او ذاك، وانما الأمر مطلوب بصورة رسمية موقعة وموثقة من قبل الكل الوطني.
وهنا نسجل ان حركة فتح هي التي تتحمل مسؤولية هذا الخطأ المتسرع في عدم حسم هذه المسألة وغيرها في انتخابات عام 2006.
اضافةً إلى ذلك فإن «فتح» تتحمل مسؤولية خطأ آخر، وهو الذي تمثل في عدم حسم مسألة الدائرة الوطنية الواحدة. وحول هذه النقطة الحساسة لا بد من التأكيد على أن مسألة الدائرة الوطنية الواحدة ان كانت تفي بأغراض كثيرة في بلدان كثيرة لأسباب خاصة بها، فإن الدائرة الوطنية الواحدة هي بالنسبة لفلسطين احتياج وضرورة حيوية، وذلك بالنظر الى محاولات تفتيت البنى الوطنية والاجتماعية من قبل إسرائيل وبعض القوى الاجتماعية التي تتربص بوحدة وشرعية المنظمة، إضافة الى القوى السياسية التي تساوقت وما زالت على استعداد للتساوق مع هذه المحاولات، وهي جاهزة اليوم كما كانت جاهزة بالأساس، واغلب الظن انها ستظل جاهزة في المستقبل للعب دور الموازي والبديل، وهي تتحين الفرص للانقضاض على المنظمة. وعلى الوحدة الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع الفلسطيني.
وعليه فإن حشر الانتخابات منذ الآن في دائرة الرفض او القبول او في دائرة السماح والامتناع او المقاطعة والمشاركة او غيرها من مسميات الإعاقة والاعتراض، هو خطأ فادح. قبل كل ذلك لا مجال للذهاب الى الانتخابات قبل الدائرة الوطنية الواحدة، وقبل الإقرار الرسمي الموثق بوحدانية وشرعية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني، في كل مكان، داخل الأرض المحتلة، او خارجها، وهي تمثل كل فلسطيني بغض النظر عن رأيه ومعتقده، وبغض النظر عن انتمائه السياسي او الاجتماعي او الثقافي، وبغض النظر عن مكان وجوده وتواجده.
دون حسم هذه المسألة سنذهب إلى انتخابات تفرق ولا تجمع، وتشتت وتفتت ولا توحّد.
عن صحيفة الأيام
حميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"