غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

حرب الفيروس ليست وحيدة

ترامب قوات كورونا.JPG

بقلم / جميل مطر 

سواء أكنا كباراً أم صغاراً، نساء أم رجالاً، شباباً أم شيوخاً، فإننا جميعاً نستيقظ صباح كل يوم على أخبار تنقلات وغزوات كتائب الفيروس، وقوائم تنعى لنا أعداد المصابين، وأعداد من سقطوا موتى. لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، تقع حرب قرب بيتي وداخل مدينتي أو على ضواحيها، ولا أحد يقرأ على مسامعي صباح كل يوم أسماء الشهداء. لم أفهم لماذا ومن قرر استثناءهم من مبدأ اعتبارهم شهداء. ألم يسقطوا، حسب معايير العصر وتوصيف الحال، في ساحة الوغى؟ رأيت على الشاشات، وسمعت من شهود عيان عمن سقط في الحرب الراهنة يتلوى من الألم، مخلفاً وراءه عائلة لن تجد سنداً أو رفيقاً بحالها، رأيناه على شاشة التلفاز محمولاً في صندوق قبل أن يُلقى بهما معاً في خندق حفر لأمثاله في مكان بعيد عن جيران وصل إلى قلوبهم حقد أسود. هؤلاء خرجوا إلى الطريق العام، يعلنون نبذهم لجار دمث الخلق، كريم المعشر، يخدم عشيرته وأهل حارته؛ لكنه عندما عاد إليهم جثة هامدة في صندوق، خمنوا أنه لن يخلو والجثة أيضاً من فيروسات لم تمت.

غضبت شعوب من حكوماتها، وغضبت حكومات من شعوبها، والحرب لا تزال ناشبة. غضب الشعوب؛ لأن حكوماتها لم تؤدِ وظائفها المُكلفة بها في أحد أبسط العقود الاجتماعية المعقودة بين كل الشعوب وحكوماتها منذ القدم. لا يهم أن تنكر لها طرف أو آخر، فالعقد قائم بحكم الواقع، طالما وجد شعب وحكومة على أرض واحدة. تفهم الشعوب أن العقد ينص على واجب الاستعداد؛ لمواجهة الأعداء، وصد الغزو ورده على أعقابه بالسرعة الممكنة، وبأقل خسائر بشرية. وتفهم الحكومات أن العقد ينص على أن تشترك الشعوب في تسهيل مهمتها، فلا تشكل بجهلها ولا مبالاتها طابوراً خامساً، يعرقل جهود صد العدوان.

حرب غريبة الأطوار تلك التي تشن علينا، ولم نستعد لها، وكعادة الحروب نتوقع ألا تهدأ وألا تتوقف إلا بعد أن تكون قد ساهمت في صنع طبقة من الشركات وأصحاب المال والعلماء والأطباء والسياسيين والإعلاميين ليتولوا مع غيرهم من ذوي المصلحة، إدارة مجتمعات ما بعد الحرب. نتوقع أيضاً أن تقبل الوضع الجديد الشعوب التي لا شك في أنها سوف تخرج من الحرب النفسية المفروضة عليها منهكة، وقد اختلت ثقتها في مسلمات ومؤسسات عديدة. من موقعي أرى النماذج في إسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وغيرها جاهزة وواضحة.

الحرب الثانية التي وجدت بعض الأشرار في عالم اليوم على استعداد لشنها من دون الأخذ في الاعتبار الأضرار الجسيمة التي سوف تصيب البشرية بأسرها، هي الحرب التي بدأت تنطلق من عواصم غربية ضد آسيا، خاصة الصين.

لم تتوقف جهود إشعال الكره للصين، شعباً وثقافة وسياسة، منذ عهد باراك أوباما، وتحديداً منذ أن دعا تحت تأثير المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى تحويل تركيز الاهتمام الاستراتيجي للولايات المتحدة من أوروبا الحليفة المتقاعسة والشرق الأوسط الإسلامي إلى منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.

شن الفيروس اللعين حربه في وقت كان من الممكن أن يستفيد منه الرئيس ترامب، المستعد بكل طاقته، والمعززة مؤخراً بسقوط مساعي عزله. بدا في الأسابيع الأولى واثقاً من قدرته ونيته على تطويع الفيروس وجحافله؛ لإرادة الزعيم الذي لا يقهره خصم أو عدو. شجعته الأنباء الواردة من الصين عن صعوبات اقتصادية واجتماعية نجمت عن إغلاق مقاطعة بحجم وسمعة ووهان. تكاد تقترب هذه المرحلة من نهايتها بعد أن وصلت العلاقات الأمريكية- الصينية إلى أسوأ مستوياتها، وبالفعل اشتعلت بالاهتمام كافة القضايا المتصلة بالصين. وصدرت فيما يبدو التعليمات إلى مختلف الأجهزة والمؤسسات الأمريكية بالاستعداد لمواجهات متتالية مع الصين على مختلف الصعد، وفي كافة بقاع العالم، والعودة إلى وضع حلفاء أمريكا أمام خيارات محددة في علاقاتهم مع الصين.

أعترف بأن لي مصلحة شخصية فيما قد يبدو تضخيماً للنوع الثالث من الحروب النفسية التي يتعرض لها الفرد في المرحلة الراهنة من تطورنا. أقول إننا نشعر، أتحدث عن جيل كامل ينتمي إلى الفئة من البشر الذين نجحوا في الانتصار على متاعب العصر وأمراضه وعاشوا ليتجاوزوا في العمر ما لم يكن مسموحاً لمن سبقوهم به، نشعر بأننا صرنا فئة بشرية غير مرغوب بوجودها في المرحلة الراهنة من مراحل الحرب ضد الفيروسات الغامضة. قرأناها وسمعناها صريحة ومدوية تصدر من أفواه مسؤولين أمريكيين وأوروبيين. الأفراد فوق السبعين والثمانين في نظر الواقعيين الجدد في الحكومات النيوليبرالية وربما في حكومات تعتنق ما يقترب من أن يكون مزيجاً من رأسمالية واشتراكية وتعاونية واجتماعية وما يحلو لتبرير سلطوية الإدارة والتخطيط، هم، في نظر كل هؤلاء، عبء كبير على الدولة في الظروف العادية، وعبء أثقل في ظروف الحروب، خاصة الحروب من نوعية الحرب الدائرة حالياً مع فيروس لا يراعي رهف كبار السن وحساسياتهم.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".