تحتضن الطفلة فرح بين أصابعها الملفوفة بالشاش الأبيض، لعبتها الجميلة -عبارة عن عروسة- وتحاول بصعوبة إخراج أناملها من بين خيوط الشاش؛ لتصفيف شعر لعبتها، وترتيب ملابسها، وتزينها كما تحب أن تراها؛ لترتسم في النهاية ابتسامة على وجنتيها رغم الآلام والمعاناة التي تواجه فرح منذ أن تعرضت لاستهداف إسرائيلي أدى إلى تدمير مستقبلها.
لحظات قليلة على استكمال تفاصيل الصورة النهائية للعروس المزينة باللون الزهري، حتى امتلأت عيني فرح بالدموع وبدت تنظر يُمنة ويُسرة تبحث عن شقيقتها التوأم "مرح"؛ لتطلعها على جمال عروستها وزينتها، إذ اعتادت الطفلتان الجميلتان على رؤية أعمال بعضهن البعض علاوة على ممارسة الألعاب المتنوعة منها "نط الحبل والاستغماية".
أعادت الطفلة فرح حمودة (14 عامًا) نظراتها لمراسل "شمس نيوز"؛ لتروي بلمعان عينيها الدامعتين، وآلام جسدها الهزيل الذي نهشته قوات الاحتلال بصواريخها القاتلة، تفاصيل القصة المؤلمة، وعدم تمكن شقيقتها التوأم منذ اللحظة من مبادلتها الابتسامة بشكل نهائي، إذ ارتقت مرح شهيدة بعد قصف إسرائيلي استهدف عائلتها في منطقة المغراقة جنوب وادي غزة.
يحاول التوأم "فرح ومرح" ممارسة الألعاب برفقة أشقائهم وأقاربهم في منزلهم بمنطقة المغراقة؛ ليبتعدوا عن متابعة تفاصيل حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" ضد المدنيين من أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة منذ (السابع من أكتوبر 2023).
يقفز التوأم فرحًا بلعبة "نط الحبل" إذ عمَّ في البيت الفرح والسرور رغم قسوة الحرب وجبروتها؛ وفجأة دون سابق إنذار وقعت الكارثة، صوت صاروخ يقترب رويدًا رويدًا إلى منزل "فرح ومرح"؛ وإذ بانفجار يصيب المنزل المجاور، وألسنة النيران تلتهم كل من يقف في طريقها، أما أعمدة الدخان فقد كانت دليلًا لسيارات الإسعاف؛ لتصل للمكان بأسرع وقت ممكن.
الدماء تتناثر في المكان، والأشلاء تطايرت مع شدة الانفجار لأمتار عدة، والمكان بات مغبرًا لا يمكن لأحد أن يرى أحبائه، تقول فرح: "كنت أشعر بالخوف والرعب وأبكي بشدة اخفت كثيرًا على أمي وأبي وشقيقتي مرح وشقيق؛ ناديت عليهم جميعًا لم يُجيبني أحد!".
من بعيد وصل صوت سيارات الإسعاف إلى مسامع فرح التي تشعر بالخوف على عائلتها، وعدم القدرة على الوقوف على قدميها، تُشير إلى أن همها الوحيد كانت عائلتها، عندما وصل ضابط الإسعاف نطقت الطفلة فرح "كيف عائلتي؟".
رد عليها ضابط الإسعاف بسرعة ليهدأ من روعها: "كلهم بخير الحمد لله وانت ستكونِ بألف خير شدي حالك سنذهب الآن إلى المستشفى"، كان الغبار قد علق في صدر ضابط الإسعاف الذي بدأ يكح نتيجة استنشاقه رائحة البارود القاتل، فيما ترك يداه تتسلل أسفل جسد الطفلة مرح.
شعر ضابط الإسعاف بحرارة عالية جدًا تخترق كفيه، فيما تناثرت الدماء على ملابسه نتيجة إصابة الطفلة فرح ببتر في قدميها تقول الطفلة: "عندما وصلني ضابط الإسعاف لم أشعر بنفسي إلا داخل غرفة العمليات في المستشفى".
قليلٌ هو الوقت الذي مضى على غيبوبة فرح وانتهاء مفعول "إبرة البنج" لتوضح بأنها لم تكن تشعر بقدميها ولا بجسدها، حاولت الطفلة أن تمرر أناملها على قدميها لكنها لم تتمكن بسبب الحروق التي أصابت كفيها الأيمن والأيسر.
كررت فرح المحاولة مرة أخرى للاطمئنان على أعضاء جسدها حتى عرفت بأنها أصيبت ببتر في قدميها، هنا كان الحدث جلل ومفزع تقول: "لم أتوقع في يوم من الأيام أن أفقد أقدامي؛ لا استطيع العيش أو ممارسة احتياجاتي الخاصة بدون أقدام".
تستعد الطفلة شريط ذكريتها إلى الوراء لتُعدد المصابين من أهلها، حيث قالت: "أصيب أبي وأمي وأخي وشقيقتي أما توأمي مرح في ارتقت شهيدةً نتيجة القصف المفزع"، وهنا عبرت الطفلة فرح عن حزنها الشديد.
أزاحت الطفلة الدموع التي انهمرت على وجنتيها لتقول لمراسلنا: "كنت أذهب إلى المدرسة بأقدامي كنت ألعب مع أشقائي وأقضي حاجتي لوحدي، أما اليوم فأنا بحاجة ماسة إلى تركيب أطراف صناعية أو الاعتماد على مساعدة الآخرين".
وناشدت الطفلة فرح العالم أجمع لينظر بعين الرحمة إلى أطفال قطاع غزة، تقول "أحتاج لأسافر إلى الخارج لتركيب طرف صناعي بشكل عاجل لاستعادة حياتي ومستقبلي، أما إذا استمر الوضع بهذا الشكل بالتأكيد سأفقد حياتي وأفقد مستقبلي".