بقلم: أنطوان شلحت
لوحظ أنه لدى عرض رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بنيامين نتنياهو، المهمات الملحة الماثلة أمامها، في أول اجتماع لها يوم 17 أيار/ مايو الجاري، ذكر مهمة رابعة، من حيث تدريجها، محاربة محاولات التحقيق في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي وصفها بأنها بمنزلة تهديد استراتيجي لدولة الاحتلال وقيادتها وجيشها، منبّهًا إلى أنه نادرًا ما يستعمل صفة استراتيجي لوصف أي تهديد، ويكاد لا يستعملها بتاتًا، غير أن هذا التهديد "خطر جدًا علينا"، على حدّ قوله.
ويمكن التقدير بأن التهديد الذي يقصده نتنياهو يتمثل بتحويل إسرائيل إلى دولة بغيضة ومعزولة في العالم، بما قد يؤدي إلى نزع الشرعية عن سياستها إزاء الفلسطينيين والأراضي المحتلة منذ 1967، التي تتمظهر آخر تجلياتها في إجراءات الضم، وهي لا تنفكّ تؤطره بأنه نزع الشرعية عن حقّ مُعتّق في وجود "الدولة اليهودية" على أرض فلسطين.
وقد لا يغيّر من هذا التقدير حقيقة أنه في الماضي كانت قدرة الأسرة الدولية، بما في ذلك الدول الأكثر صداقةً وولاء لإسرائيل، في التأثير في أدائها السياسي والعسكري والاقتصادي، أكبر بكثير مما هي عليه الآن، وربما كانت أكثر إصغاءً لردّات فعل حادّة تصدر أحيانًا عن دولٍ مثل فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا وغيرها من الدول التي تقيم مع إسرائيل علاقات صداقة مستمرّة، ولا تتردّد في الوقوف إلى جانبها في أوقات الأزمات.
ولكن في الأعوام الأخيرة، ومنذ صعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، باتت إسرائيل محصّنة نسبيًا أمام أي ضغط سياسي أو اقتصادي. ويقف ترامب كسور منيع في الدفاع عن سياستها، كما انعكس هذا في خطة صفقة القرن، وقبيل إعلانها في إبدائه التفهم لإعلان نتنياهو نيّته ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، وكذلك في اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترافه بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، وفي إعلان وزير خارجيته، مايك بومبيو، أن المستوطنات في الأراضي المحتلة لا تشكل خرقًا للقانون الدولي، وذلك بخلاف الموقف الذي عبّر عنه كل رؤساء الولايات المتحدة منذ 1967.
وتدلّ وقائع كثيرة على أن عبارة "خطر نزع شرعية الدولة اليهودية" أضحت التعبير الإسرائيلي المتداول أخيرا على نحو واسع، من أجل توصيف حملة النقد الدولية إزاء سياسة هذه الدولة والممارسات الصهيونية عمومًا. ولا بُدّ من الإشارة، في هذا الشأن، مثلًا، إلى أن الهجوم الإسرائيلي المنفلت العقال على تقرير لجنة غولدستون الأممية تقنّع، أكثر من أي شيء آخر، بذريعةٍ مؤدّاها أن استنتاجاته المتعلقة بفظائع الحرب الإسرائيلية على غزة في 2008- 2009 تؤجّج الحملة الفلسطينية والعربية والدولية التي تهدف إلى سحب البساط من تحت "شرعية إسرائيل".
وبالتالي، فإن تبنّي الرواية الإسرائيلية على علاتها بشأن تلك الحرب ووقائعها، من جهة، والتصدّي لهذه الاستنتاجات، من جهةٍ أخرى، يصبّان في صالح الدفاع عن هذه "الشرعية". كما أنه تحت هذا القناع نفسه تتفاقم في داخل إسرائيل، في موازاة المطالبة بتحديث النظرية الأمنية، وتغيير بنية العمل الدبلوماسي ومكانة السياسة الخارجية في جدول أعمال الحكومة والكنيست، حملة مكارثية شرسة على جمعياتٍ محليةٍ تُعنى بحقوق الإنسان وبالحقوق الديمقراطية عامة.
وقبل صدور تقرير لجنة غولدستون، لمحت شخصيات صهيونية إلى وجود "مسؤولية إسرائيلية" عن اتهام الجيش بارتكاب جرائم حرب في أثناء تلك الحرب على غزة، وهي واقعة أساسًا على عاتق منظمات حقوق الإنسان، وبعض المعلقين الصحافيين الإسرائيليين الذين يوصفون بأنهم أصحاب نزعة يسارية.
تتواتر مثل هذه الحملات الإسرائيلية، سواء تجاه الداخل أو الخارج في حالات معينة، أبرزها: أولًا، اهتزاز صورة إسرائيل في العالم، وخصوصًا في العالم الغربي الذي تتباهى بالانتماء إليه. ثانيًا، لدى ظهور محاولات إعادة الاعتبار، بشكل ما، إلى مكانة الأسرة الدولية، وإلى تأثيرها على بؤر توتر في العالم. وربما يكمن في هذا واحد من اتجاهات النشاط الضرورية في العمل السياسي الفلسطيني والعربي.
عن موقع "عرب 48"
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"