شمس نيوز/علي الهندي
دقائق معدودة لتسجيل فيديو مسرّب لإحدى أبرز عمليات المقاومة الفلسطينية في المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة، كانت كفيلة في نشر حالة من الصدمة والانهيار في الأوساط الأمنية في إسرائيل، هذا الفيديو الذي طالما حرصت قيادة الجيش الإسرائيلي على إخفائه خوفا من تبعاته المزلزلة.
عملية الإنزال البحري التي نفذتها قوات "كوماندوز" تابعة لكتائب القسام في قاعدة "زيكيم" العسكرية المحصنة على شواطئ عسقلان المحتلة بدأت تتكشف تفاصيلها المثيرة مع هذا الفيديو المسرب والذي أثار سخط الأوساط الرسمية الإسرائيلية التي زعمت انه يشكل خطرا على أمن إسرائيل ويفضح أحد أهم أسرارها العسكرية ليصبح التشكيك قائما في القدرات الأمنية للجيش الذي طالما ادعى أنه "لا يقهر".
هذا المقطع المسرب كشف بالدليل القاطع كذب الرواية الإسرائيلية المعلنة في حينه، وأثبت أن رواية المقاومة هي الصادقة، حيث نزل المقاومون للشاطئ واجتازوه ووصلوا القاعدة العسكرية وتمكنوا من اقتحامها واشتبكوا مع إحدى الدبابات من مسافة الصفر.
رواية كاذبة!
في هذا السياق، قال الخبير الأمني والعسكري د.محمود العجرمي، إن جميع المراقبين كانوا يقدرون أن الجيش الإسرائيلي لم يفرج عن المعلومات الحقيقية في حينها، وهي التي بدأت تتكشف الآن، لتتسبب بإحراج كبير للحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون.
وأكد العجرمي لـ"شمس نيوز" أن تسريب العملية جاء ليفضح جانبا رمزيا هاما مما سبق نشره من قبل الجيش الإسرائيلي وإعلامه المراقب، حينما أعلنوا نجاحهم في قتل "كوماندوز" القسام فور وصولهم للشاطئ، لكن الفيديو المسرب دحض هذه الرواية وأظهر مدى شراسة المعركة التي دارت على شواطئ عسقلان وأنهم تمكنوا من دخول المعسكر الإسرائيلي والاشتباك المباشر "وهناك معلومات تفيد بأن بعضهم تمكن من العودة إلى قواعده سالما".
وكان الجيش الإسرائيلي نشر في حينه مقطعا قصيرا يظهر استهداف مجموعة من مقاتلي القسام فور خروجهم من مياه البحر، لكن الشريط المسرب يظهر معركة شرسة نفذها المقاومون قبيل استشهادهم، وتفجيرهم عبوة ناسفة تحت دبابة إسرائيلية.
انتصارات غير مسبوقة
كما بيّن الخبير العجرمي أن الاحتلال سعى من وراء إخفاء هذه المشاهد للحفاظ على الروح المعنوية لمقاتلي جيشه ومستوطنيه، خاصة أن النتائج الميدانية لتلك المعارك المجيدة للمقاومة والتي سجلت فيها انتصارات غير مسبوقة دفعت لهروب أكثر من نصف مليون إسرائيلي من منطقة غلاف غزة هربا إلى عمق فلسطين المحتلة وربع مليون آخرين من الذين هاجروا الكيان دون عودة.
وأردف بالقول: هذا كله يشكل شرخ حقيقي في وجود هذه الدولة المزعومة التي أصبح جيشها غير قادر على الدفاع عن نفسه، وبالتالي المشروع السياسي والدور الوظيفي لهذه الدولة بدأ بالتآكل تحت فشل الجيش العسكري".
وأكد الخبير في الشئون الإستراتيجية أن عمليات المقاومة ضربت صورة الجيش الذي لا يقهر وكشفت زيف روايته، كما فاجأته بمقاوم من طراز جديد من جهة إتقانه لاستخدام السلاح وجاهزيته القتالية، ومن جهة أخرى روحه المعنوية العالية حينما يواجه الدبابة بجسده وهو يعلم جيدا أنه قد يستشهد، لكنه يتمكن من تفجيرها بصورة مباشرة ويواصل تنفيذ عمليته.
وأضاف العجرمي: هناك خوف كبير ورعب من مقاتلي المقاومة انعكس على معنويات الجيش الإسرائيلي من خلال ما شاهدناه من الانتحار والهروب من المواقع بالعشرات، وأصبحت ظاهرة داخل الجيش، بالإضافة للمئات الذين يعالجون في المصحات النفسية بعد الحرب على غزة.
ومنذ أن تسرب الفيديو الذي يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، وحالة البلبلة تسود جيش الاحتلال. فقد أصدر قائد هيئة الأركان الإسرائيلية "بيني غانتس" تعليماته بتشكيل لجنة تحقيق خاصة للوقوف على ملابسات وظروف تسريب الفيديو، و تشمل ممثلين عن الشاباك والجيش، بالإضافة للمدعي العسكري الأول "داني عوفري".
وذكرت القناة العبرية الثانية أن إحدى الاحتمالات تقضي بإمكانية تسريب الفيديو عبر أحد الجنود بعد تصويره عبر جهازه الشخصي ونشره على مجموعات الواتس أب، أو قيام هاكرز باختراق حواسيب الجيش واستخراج الفيديو السري.
حرب نفسية!
من جانبه، بيّن المحلل السياسي فايز أبو شمالة، أن جيش الاحتلال يفرض رقابة عسكرية حازمة على كل ما يتم عرضه خلال الحروب، كون نشر الحقائق كاملة كما هي كان سيربك الفكرة التي اقتنع بها الجندي الاسرائيلي بانه لا يقهر ، فعندما يجد نفسه في ساحة المعركة مهزوما ومقهورا أمام رجال المقاومة كان ذلك سيؤثر بشكل كبير على روحه المعنوية، كما سيترك أثره على المجتمع الإسرائيلي برمته الذي كان يظن وحتى الحرب الأخيرة مع غزة أن لديه جيشا قويا لا يقهر، فاكتشف ان هنالك مقاومة فلسطينية لا تقهر" بحسب قوله.
ولفت أبو شمالة في حديثه مع "شمس نيوز" إلى تخوف القيادة الإسرائيلية من انعكاس هذا الفيديو أثناء الحرب في رفع معنويات الشعب الفلسطيني ورجال مقاومته، ليتعمد نشر مقاطع منتقاة من هذه العملية لتزوير حقيقة ما جرى وإيهام شعبه أن محاولات المقاومة لاختراق الحدود قد فشلت أمام قدراته.
واقع جديد!
وأكد المحلل السياسي الفلسطيني أن الجميع تفاجأ أمام هذا الشريط الذي عكس الصورة الكاملة وقدم شكلا جديدا من المواجهة ينتصر فيها المقاوم وينهزم فيها الجندي الإسرائيلي، حيث أظهر قدرات نوعية للمقاتل الفلسطيني من تجهيز وإعداد متقدم وإمكانية للضرب بقوة واختراق المواقع العسكرية.
ونوه أبو شمالة إلى أن العدو الإسرائلي قد غرس في الذهن العربي بشكل عام "أننا لا نصلح للقتال ولا نقوى على مواجهة هذا العدو، فإذا بالمقاومة الفلسطينية ومن خلال عدة عمليات نوعية تتمكن من إنجاز المعجزات وتحقق الانتصارات التي فاجأت العدو وأربكت حساباته.
أما سياسيا، فأوضح الكاتب والمحلل الفلسطيني أن هذا الفيديو سيترك أثره على المجتمع الإسرائيلي برمته، الذي يقدر مقاتلي جيشه، واعتاد على مشاهد الانتصارات، كما له انعكاساته على التركيبة الحزبية داخل "إسرائيل" التي كانت قد رضيت عن نتنياهو إلى حد ما عند وقف إطلاق النار في الحرب الأخيرة.
وأضاف أبو شمالة: الآن وعندما يكتشف الإسرائيليون أنهم أضعف من مواجهة الفلسطينيين سيبدءون بالتفتيش عن حلول ووسائل أخرى للخلاص من هذا الموقف الذي تورط فيه جيشهم".
وكانت كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، قالت إنها نجحت في 9 يوليو/تموز الماضي من تنفيذ عملية ضد قاعدة "زكيم" العسكرية جنوبي عسقلان (شمال قطاع غزة)، من خلال عملية نوعية بالتسلل عبر البحر.
عملية أبو مطيبق
وليس بعيدا عن الشريط السابق، فقد أظهر شريط فيديو آخر حصلت عليه كتائب القسام انسحاب مقاتليها بكل أريحية وطمأنينة من فوق الأرض بعد تنفيذهم عملية "خلف خطوط العدو" شرق مخيم المغازي وسط قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وعُرفت بعملية أبو مطيبق.
وبيّن شريط الفيديو الذي نشرته فضائية الأقصى مساء السبت انسحاب عناصر القسام من فوق الأرض بعد تنفيذهم العملية في الموقع العسكري بتاريخ 19 يوليو الماضي، والتي وصلوا لها عبر الأنفاق الأرضية.
ورصدت كاميرا جيش الاحتلال التي صورّت عملية الاقتحام أحد مقاتلي القسام وهو يحمل بندقية من نوع "إم 16" غنمها من أرض المعركة ويعود بها مع زملائه عبر الجدار الفاصل.
وقال بيان لكتائب القسام، حينها، "إنه وفي ضربةٍ جديدةٍ صادمةٍ ومذهلةٍ لجيش الاحتلال الهزيل، فقد تمكنت إحدى وحداتنا القسامية المختارة وعديدها 12 مجاهداً من التسلل إلى موقع "أبو مطيبق" العسكري، من خلال عملية إنزال خلف خطوط العدو، وتوزعوا إلى 4 كمائن، حيث مكث مجاهدونا 6 ساعات بانتظار قوات العدو".
وأضاف "وكان باستطاعة المجاهدين خلال هذه الفترة اقتحام أيٍّ من المغتصبات المحيطة بالمنطقة، ولكننا في كتائب القسام آثرنا الاصطدام مع قوات جيش العدو، وتلقينه درساً عملياً من خلال المواجهة المباشرة، للانتقام من جنوده والدوس على رؤوسهم، ثأراً لدماء شهدائنا الأبرار الذين سفك المحتل دماءهم خلال عدوانه على القطاع وخاصة دماء الأطفال الأبرياء".
وفي تفاصيل العملية، أوضح البيان أنه "فور وصول إحدى دوريات الاحتلال المكونة من أربعة جيباتٍ عسكريةٍ، قامت كمائن مجاهدينا الأربع التي كانت منتشرة خلف خطوط العدو بمهاجمتها، وتمكن مجاهدونا بفضل الله تعالى من إبادة ثلاثة جيباتٍ، وأجهزوا على كل من كان بداخلها من مسافة صفر، فيما فر الجيب الرابع من المنطقة مذعوراً بعد الاشتباك معه".
وأكمل: وقد قتل مجاهدونا في الاشتباك 6 من جنود الدورية وأصابوا عدداً آخر بجراح، وغنموا اثنتين من بنادق الجنود من طراز M16 ، وتحمل البندقية الأولى الرقم (9411130) فيما تحمل البندقية الثانية الرقم (9410759)، وقد عاد أحد عشر من مجاهدينا إلى قواعدهم بسلام تحفهم رعاية الرحمن، فيما ارتقى أحد مقاتلينا شهيداً خلال الاشتباكات.
واعترف جيش الاحتلال، وقتها، بمقتل ضابط وجندي بالإضافة لإصابة 4 جنود آخرين في عملية التسلل.