بقلم / حمدي فراج
تحذيرات عديدة طالعتنا مؤخرا على لسان مسؤولين رسميين في السلطة الفلسطينية من مغبة الشائعات والاخبار "الزائفة المفبركة" عبر وسائل التواصل الاجتماعي "صفحات مشبوهة ، اسماء وهمية " من شأنها تشكيل حالة من "البلبلة" داخل المجتمع الفلسطيني . وبغض النظر عن مدى صحة هذه التحذيرات ودقتها ، فإن الامر يستحق الوقوف عنده خاصة ونحن نعيش عصر انفتاح اعلامي وصل بأن يكون لكل مواطن صفحته الخاصة التي تتسع لمجلدات ، هي بمثابة جريدته واذاعته وتلفزيونه يكتب ويذيع ويبث بثا مباشرا بالمجان على مدار اليوم بطوله ليلا ونهارا في كل المجالات بما في ذلك طبخة المقلوبة بالزهر و الملوخية المقلّاة بالثومة .
لا يتأثر المجتمع المحصن بمثل هذه الترهات ، وتتأتى حصانته عبر هوامش حريته ووعيه إزاء هذه الحرية التي يجب ان تشمل جميع فئاته وطبقاته وطوائفه و معتقداته ، و لا معنى لهذه الحرية والديمقراطية التي تضطلع بها الدولة ، والعنف ضد المرأة على سبيل المثال يضرب أطنابه في جميع جنبات المجتمع مدينة وقرية ومخيم . فتقتل هذه المرأة بدعوى شرف العائلة مثلا ، وينال القاتل حكما مخففا ، او تغتصب فيكون الحل تزويجها من مغتصبها . حصانة المجتمع تتأتى عبر عدم التمييز بين فاسد كبير وفاسد صغير ، فاسد له ظهر يحميه فتجد مفاصل الدولة تهب لحمايته او تبرير جريمته او تهريبه الى خارج البلد ، وفاسد آخر تجد كل اجهزة الدولة تطارده وتركض خلفه وتطول احيانا اباه او اخاه كوسيلة ضغط عليه . هل ينفع مثلا سحب ذلك على المجتمع الاسرائيلي الذي رصد نتنياهو وزوجته وابنه و جلبهم للتحقيق ثم ساقهم الى المحاكمة ، هل ينفع رميه بالتمييز بين كبير و صغير حتى لو أطلقت إزاءه مئات الشائعات ؟
الشائعات في الاصل أكاذيب ، لا يقتصر مطلقها على هذا او ذاك ، كل واحد ، او جهة او حركة او حزب او حكومة ، قادر على اطلاق الاكاذيب ، فمثلا حين يتغنى شخص بوطنيته عليه ان يثبت ذلك ، وكذلك حزب بجماهيريته وحكومة بديمقراطيتها ، في حالنا الفلسطينية ، هل يصعب على الناس اكتشاف مدى شائعتنا عن مدى اهتمامنا بوحدتنا الوطنية المضروبة والمفقودة منذ أمد بعيد ، وهل يمكن الاطمئنان لمناهضة صفقة القرن - والآن الضم - دون تقديم التضحيات على مذبح انهاء الانقسام ، وما الذي يستقيم مع كل ادعاءات حرية الرأي والتعبير وانت ترى اغلاق مواقع اعلامية بالعشرات ، ومعتقلي رأي داخلين خارجين اقبية التحقيق في كل من غزة واريحا .
يخلو الميدان لأم حميدان ، وهي لا تخبرنا الا عن ابنها حميدان ، وحتى حين تخبرنا عنه فهي لا تخبرنا الا عن شكلياته ، في حين تحجب عنا اشياءه الجوهرية ؛ تقابل حميدان ساعات ، مرة في الجريدة ومرة في الاذاعة ومرات في التلفزيون ، يدش كلاما عاما لا تفهم منه شيئا وبين فراغاته المتعددة تتسرب الشائعات . لكن ام حميدان لم تدرك بعد ان الميدان لم يعد مقتصرا عليها وعلى حميدان وخراريفهما .