قائمة الموقع

ضم الأغوار والمستوطنات ينهي أحلام قيام دولة فلسطينية ويهدد مستقبل الأردن

2020-05-31T09:59:00+03:00
9999493811.jpg
بقلم / د. كاظم ناصر
 

القوة كانت وما زالت وستظل تتحكم في العالم؛ الأقوياء يصنعون التاريخ ويفرضون إرادتهم وسياساتهم وثقافاتهم على الآخرين ويحققون ما يريدون، والضعفاء يتقهقرون ويستسلمون ويعيشون على هامش التاريخ، ولهذا فإن العلاقات الدولية تقوم على القوة والمصالح، وليس على التخاذل " وبوس اللحى" والعلاقات الشخصية وتوزيع الهدايا الباهظة الثمن كما فعل ويفعل معظم القادة الذين حكموا ويحكمون ووطننا العربي منذ تمزيقه إلى أقطار، أو دويلات .. يقال .. عنها مستقلة!
ولهذا فإن إسرائيل التي أقيمت بقوة السلاح والمال، تحدت العرب والمسلمين ومعظم دول العالم منذ اليوم الأول لقيامها على وطن سرقته، وعلى حساب شعب ظلمته وشتته، وخالفت القوانين الدولية، وتجاهلت قرارات الأمم المتحدة ورمتها في سلال القمامة، ونجحت في تنفيذ خطط بقائها وتطورها بتآمر وتعاون الحكام العرب معها، وبدعم أصدقائها الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ودول العالم الأخرى التي قبلت أن تكون شاهد " زور" على جرائمها المستمرة واحتلالها للأراضي العربية.
فمنذ عام 1948 استغل قادة الدولة الصهيونية ضعف وانقسامات الفلسطينيين والعرب الآخرين، وأمعنوا في اعتداءاتهم عليهم واحتلالهم لأراضيهم، واستمروا في رفع سقف مطالبهم؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر كان الصهاينة يتباكون ويكذبون على العالم بالقول إنهم يريدون سلاما مع الدول العربية، وبعدما وقعت مصر والأردن اتفاقيات سلام معهم، ظهرت الحقيقة المرة وهي انهم لا يريدون سلاما عادلا يعطي الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم، بل يريدون استسلاما يسمونه سلاما، ويفصلونه وفقا لمصالحهم وخططهم التوسعية!
إسرائيل كسبت الكثير من سلامها الكاذب الذي أنهى حالة الحرب مع مصر والأردن؛ فالإسرائيليون يتنقلون ويسيحون ويتجسسون ويتاجرون بحرية في القاهرة وعمان وغيرها من المدن دون " حسيب أو رقيب"، وأقاموا صناعات مربحة لهم؛ فما الذي جنته مصر والأردن من تلك الاتفاقيات؟ لا شيء! فسيناء ما زالت شبه محتلة لا يحق للجيش المصري التواجد فيها إلا بأعداد قليلة للمحافظة على الأمن، وبمعدات عسكرية .. دفاعية .. محدودة كما ونوعا، وإسرائيل لا تسمح إلا بدخول أعداد قليلة من الأردنيين والمصريين للزيارة بعد حصولهم على تأشيرات دخول" فيز" لا تزيد صلاحيتها عن أيام أو أسابيع قليلة، ولا تسمح للعمال المصريين والاردنيين بالعمل والعيش فيها، بينما استقطبت 300000 ألف عامل من الفلبين، الهند، رومانيا، نيبال، تايلاند، سيريلانكا، غانا، نيجيريا، الصين، ودول الاتحاد السوفيتي السابق للعمل فيها!
ووقع الفلسطينيون اتفاق أوسلو واعترفوا بحق إسرائيل في الوجود، وتنازلوا عن 70% من فلسطين التاريخية مقابل حصولهم على 30% من وطنهم المحتل لإقامة دولتهم المستقلة عليها، واكتشفوا بعد 25 سنة من المباحثات العبثية أنهم وقعوا في فخ صهيوني، وكانت النتيجة سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبناء المزيد من المستوطنات، وتهويد القدس، وضم الجولان!
والآن جاء دور ضم المستوطنات وغور الأردن الذي من المقرر ان يبدأ تنفيذه في مطلع شهر يوليو القادم! فقد أكد بنيامين نتنياهو يوم الإثنين 24/ 5/ 21020 أن أهم خطوات حكومته الجديدة ستكون إحلال السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية واصفا الخطوة بالتاريخية وأضاف" إن الموضوع الأول من حيث أهميته هو إحلال السيادة على أجزاء من الوطن. توجد هنا فرصة تاريخية لم تكن قائمة منذ 1948 وهي إحلال السيادة بشكل متعقل وبخطوات سياسية وسيادية على مناطق في الضفة الغربية، هذه فرصة كبيرة وعلينا ألا نسمح لها بالضياع."
فما الذي فعلته معظم الدول العربية لوقف الضم؟ لا شيء! فالتقارب والتنسيق والتطبيع بينها وبين إسرائيل ما زال مستمرا، ويجري تحت سمع وبصر رئيس وزراء إسرائيلي عنصري متطرف لا يؤمن بحل الدولتين، بل يعمل كل ما بوسعه لمنع ظهور دولة فلسطينية من خلال ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، والصهاينة عموما لا يهتمون بتهديدات وتصريحات القادة العرب، ويعتقدون أنهم سيصمتون عن ضم المستوطنات والأغوار كما صمتوا عندما أهدى دونالد ترامب القدس والجولان لهم، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس.
السلطة الوطنية الفلسطينية هي الجهة الوحيدة التي أوقفت العمل باتفاقياتها مع إسرائيل ومع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعلى الرغم من أن قرارها جاء متأخرا، إلا انه يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، ونأمل أن يقود إلى توحيد الصف الفلسطيني والبدء بانتفاضة شاملة ضد الاحتلال.
أما بالنسبة للأردن فإن الملك عبد الله الثاني رجل مثقف ويدرك جيدا أن هدف إسرائيل من الضم هو التوسع شرقا والتخلص من الوجود الفلسطيني تدريجيا والعمل على إقامة " الوطن البديل "؛ فقد أكد جلالته خلال الأيام الماضية ان ضم إسرائيل للمستوطنات والأغوار سيؤدي الى صدام مع الأردن، وقال في شهر كانون الثاني / مارس 2019 " كلا للتوطين، كلا للوطن البديل، والقدس خط أحمر"، ونحن كفلسطينيين نشكره على موقفه هذا، ونؤكد لجلالته ولإخواننا الأردنيين أننا ضد التوطين، وضد الوطن البديل، ونحرص على استقلال ومستقبل ومصالح إخواننا في الأردن كما نحرص على مستقبلنا ومصالحنا، فقضينا مشتركة، ومصيرنا واحد.
إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، ولن تتراجع عن قرارها بضم المستوطنات والأغوار إلا إذا واجهت معارضة حقيقية وإجراءات فعلية تهدد المكاسب التي جنتها من اتفاقيات السلام وأوسلو؛ ولهذا يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تنفذ قرارها بوقف التنسيق الأمني والتعامل مع سلطات الاحتلال، وأن تدعم المقاومة في الضفة وتخطط لانتفاضة جماهيرية طويلة الأمد، وعلى الأردن أن يتخذ قرارات حاسمة كتعليق العمل باتفاقية وادي عربة، أو على الأقل قطع العلاقات الدبلوماسية، ووقف التبادل التجاري مع الدولة الصهيونية!

اخبار ذات صلة