غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الإعجاب بصفحة المنسق أخطر من التطبيع

thumb.jpg

بقلم / د. وليد القططي

إِذا كان ربُّ البيتِ بالدفّ مولعاً... فشيمةُ أهلِ البيتِ كُلهمِ الرقصُ"، هذا البيت للشاعر العربي سبط ابن التعاويذي من القرن الثاني عشر الميلادي، يُضربُ مثلاً لانعدام القدوة، وعدم جدوى أن نطلب من الآخرين الالتزام بينما صاحب البيت والقضية غير ملتزم، وهذا ينطبق على حالنا مع الفلسطينيين المُعجبين بصفحة المنسق، ومطالبتنا العرب بعدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإذا كان الفلسطينيون بالمنسقِ مُعجبين، فشيمةُ العربِ كلهم التطبيع، ومن هنا تأتي أهمية حملة النشطاء الوطنيين لإلغاء الإعجاب بصفحة المنسق تحت عنوان (يا عندي يا عند المنسق).

حملة ( يا عندي يا عند المنسق) حملة إليكترونية تدعو لإلغاء الإعجاب والمتابعة لصفحة (المنسق) ونصها "أضعك يا صديقي/ صديقتي لتختار، إما إلغاء إعجابك بصفحة المنسق أو أن تُلغي نفسك من قائمة أصدقائي" ، وإلغاء الإعجاب بصفحة المنسق تهدف إلى الحد من انتشارها، وصولاً إلى إغلاقها، باعتبارها شكل من أشكال الاحتلال وأدواته في السيطرة على عقول الفلسطينيين، وإسقاطهم في وحل العمالة، وإضعاف الجبهة الداخلية، وصناعة الطابور الخامس المتعاون مع الاحتلال، وترويج رواية الاحتلال وترسيخها في عقول ونفوس الفلسطينيين. وهي أهم وظائف صفحة منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة والقطاع والدول العربية كافة.

نشر الرواية الإسرائيلية للصراع من أهم وظائف صفحة المنسق التي يُعجب بها ويتابعها مئات آلاف الفلسطينيين والعرب، وأهم عناصرها: أنَّ الفلسطينيين هاجروا من وطنهم بسبب دعوة الملوك والرؤساء العرب لهم للخروج من فلسطين ليتسنى للجيوش العربية القضاء على (إسرائيل)، وأنَّ اليهود لم يحتلوا فلسطين، بل عادوا إلى أرضهم من الشتات، وأنَّ الحركة الصهيونية حركة تحرر وطني أعلنت الاستقلال بعدما خرج المحتل البريطاني منها، وأنَّ احتلال الضفة والقطاع هو استكمال تحرير أرض الآباء والأجداد، وأنَّ (الشعب اليهودي) محب للسلام والأمن والاستقرار ويتمتع بالقيم الإنسانية والحضارية، وأنَّ المقاومة الفلسطينية إرهاب وأعمال تخريب تضر بمصالح السكان المحليين في العيش بهدوء واستقرار وازدهار.

عناصر الرواية الإسرائيلية يتم استدماجها في المنظومة الفكرية لمتابعي صفحة المنسق بطريقة لا شعورية بسبب تكرار تلقيها من روايات أحداث الصراع، إضافة إلى الوسائل الإعلامية الأخرى التي يُساهم بها إعلام التطبيع عبر استضافة إسرائيليين ليقدموا روايات الاحتلال للجمهور العربي، فيتم مع الوقت والتكرار التوّحد بالمعتدي بواسطة تبني روايته، واستدماجها في المنظومة الفكرية للإنسان المقهور، الهارب من عالم القهر، كي يذوب في عالم القوي الغالب والتماهي معه والاعجاب به، والاندماج بمصدر الإحباط والتوّحد به، بدلاً من توجيه غضبه لمصدر الإحباط وهو الاحتلال، يتم توجيه غضبه لمصدر إحباط بديل وهو في حالتنا الفلسطينية المقاومة باعتبارها هي السبب في المعاناة والبؤس وليس الاحتلال، كما تروّج لذلك الرواية الإسرائيلية المتدفقة عبر صفحة المنسق وغيرها من وسائل التواصل مع الفلسطينيين.

تجريم المقاومة الفلسطينية هي النتيجة الطبيعية لهذا الكم الكبير من المُعجبين والمتابعين لصفحة المنسق الإسرائيلي أو ضابط الاحتلال المسئول عن التواصل مع الفلسطينيين، من المؤكد أن الكم الأكبر من المُعجبين والمُتابعين لا يدركون خطورة إعجابهم ومتابعتهم وتواصلهم مع المنسق الاحتلالي، والكثير منهم قد ألغى إعجابه ومتابعته بمجرد بدء الحملة الداعية إلى ذلك، ولكن من المؤكد أيضاً أنَّ عدداً لا بأس به من (المثقفين الجُدد) قد تأثر بصفحة المنسق ورواية الاحتلال عن المقاومة، تحت ضغط الواقع السيء والمأزق الفلسطيني ومعاناة الناس، فتبنى روايته التي تُجرّم المقاومة وتحمّلها مسؤولية معاناة الناس ومأساتهم، وخلط بشكل مقصود بين المقاومة كسلوك بشري واجتهاد إنساني يقبل الصواب والخطأ، ويحتاج للتصحيح والتصويب، وبين المقاومة كنهج ومبدأ، فضرب بذلك شرعية المقاومة متماهياً مع رواية العدو في تجريم المقاومة ونزع شرعيتها وضرب مصداقيتها... وهذا أخطر من التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، فتجريم المقاومة من رب البيت الفلسطيني يفقده مصداقيته في مطالبة أهل البيت العرب وقف التطبيع.

والخُلاصة أن إعجاب الفلسطينيين بصفحة المنسق نتائجها أخطر من تطبيع العرب مع الكيان الصهيوني، ولذا كانت الحملة الرامية لإلغاء الإعجاب والمتابعة لصفحة المنسق حملة وطنية بامتياز، تُساهم في إغلاق باب للإسقاط الأمني، وسد بوابة لكسر الحاجز النفسي بين الفلسطينيين والاحتلال، وقفل منصة لنشر الراوية الإسرائيلية المزوّرة، والأهم من ذلك عدم فتح المجال لتجريم المقاومة والهجوم عليها من الطابور الخامس الرديف للاحتلال.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".