قائمة الموقع

منظمة التحرير الفلسطينية إطار جبهوي تمثيلي غير قابل للإختطاف

2020-06-10T09:49:00+03:00
جاموس.jpg

بقلم / د. عبد الرحيم جاموس
منذ أنشئت م.ت.ف في 28/04/1964م بعد عقد مجلسها الوطني الأول في مدينة القدس وإقرار ميثاقها ومؤسساتها وهيآتها القيادية، مثلت إطارا جبهويا تمثيليا عريضا يتسع إلى مشاركة كافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني من أحزاب وفصائل وطنية على اختلافها، ويتسع لتمثيل كافة الهيآت الإجتماعية من تنظيمات نقابية وشعبية ومؤسسات مدنية، اضافة إلى تمثيل كافة المناطق التي يتواجد ويتوزع عليها الشعب الفلسطيني في فلسطين والدول العربية وغيرها، وضمت في هيآتها نخبة من الكفاءات الفلسطينية المتعددة، ولم تقتصر على لون سياسي واحد أو فئة أو طبقة اجتماعية معينة أو منطقة فلسطينية دون غيرها، حيث كانت هذه السمة الواضحة والغالبة لهذا التشكيل المتنوع والمتعدد لتمثل الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني المعبر عن هويته الوطنية والقومية وتطلعاته في الوحدة والعودة والتحرير ونيل الإستقلال وبناء دولته الوطنية الديمقراطية المستقلة.
لقد جهد المرحوم أحمد الشقيري ورفاقه الأوائل في شرح الهدف والغاية من تأسيس م.ت.ف وتواصلوا مع كافة القوى السياسية الفلسطينية في كافة أماكن التواجد الفلسطيني وتواصلوا مع الشخصيات المستقلة الفاعلة ومع النخب المختلفة الأكاديمية والإقتصادية في توضيح الغاية والهدف من إنشائها ودعوتهم لها للمشاركة في تأسيس م.ت.ف، وجرى كل ذلك بالتنسيق مع كافة الدول العربية وجامعة الدول العربية تنفيذا لقرار القمة العربية الأولى في يناير 1964م بتكليف المرحوم أحمد الشقيري الذي كان يشغل مهمة مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية، العمل على تنفيذ قرار القمة العربية بتأسيس الكيان السياسي الخاص بالشعب الفلسطيني ليأخذ دوره من خلاله في معركة تحرير فلسطين.
وقد لبت الدعوة للمشاركة في عقد المجلس الوطني الأول كافة الأطياف من خلال شخصيات تمثلها بصفتها الشخصية بما في ذلك أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة وأعضاء من الضفة الغربية من رؤساء البلديات وممثلي الضفة الغربية في البرلمان الأردني آنذاك، وممثلين عن مناطق التواجد الفلسطيني المختلفة، ولم يتخلف عن ذلك سوى نشطاء جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، بل اتخذوا مواقف معارضة ومعادية لـ م.ت.ف وأهدافها وغاياتها، مقدمين رؤاهم السياسية القائمة على (إقامة الدولة الإسلامية الواحدة واعادة الخلافة الإسلامية العثمانية التي أطاح بها كمال اتاتورك في اسطنبول سنة 1924م على تحرير فلسطين ومواجهة الصهيونية ومشروعها الإستيطاني العنصري فلسطين)، معتبرة قضية فلسطين قضية مركزية للعالم الإسلامي وقضية إسلامية وليست وطنية أو قومية، ولكنها مركزية مؤجلة إلى حين قيام دولة الوحدة الإسلامية والخلافة التي ستأخذ على عاتقها تحرير فلسطين هكذا كانوا يفكرون.
لقد انطلقت م.ت.ف ولم تنتظر من تخلف عن ركبها ومع إنطلاقة حركة فتح ومن بعدها بقية فصائل العمل الفدائي والوطني ودخولها وانتسابها إلى م.ت.ف أصبحت م.ت.ف ممثلا حقيقيا للشعب الفلسطيني ومعبرا عن تطلعاتها وغاياته وتم الإعتراف بها عربيا واسلاميا ودوليا ممثلا شرعيا وحيد للشعب الفلسطيني وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة منذ تشرين أول 1974م، فتكرس كيان م.ت.ف إطارا جبهويا تمثيليا شاملا للشعب الفلسطيني رغم معارضة ومقاومة الكيان الصهيوني الذي يبني استراتيجيته على شطب وتصفية القضية الفلسطينية وهدم أي شكل من أشكال الكيانية والهوية الوطنية الفلسطينية التي تمثل نقيضه المباشر، وجهد العدو في صنع أجسام سياسية بديلة لـ م.ت.ف، وباءت جميعها بالفشل.
لقد واجهت م.ت.ف تحديات داخلية وخارجية كثيرة وعديده في مسيرتها التي تجاوزت 56 عاما، ولكنها بفضل وحدتها وتنوع قواها وسياساتها الواقعية الموضوعية مثلت لها قارب النجاة وواصلت مسيرتها الكفاحية والنضالية مراكمة الإنجاز تلو الإنجاز على طريق تحقيق أهدافها ومشروعها الوطني.
ومن جملة التحديات الداخلية التي كثير من الحركات والقوى السياسية قد تصاب بها مرض العظمة، كما تصاب به بعض الدول الصغيرة والمجهرية التي تحاول أن تلعب دوراً أكبر من حجمها في السياسة الدولية.
لقد عانت العديد من القوى السياسية والفصائل الفلسطينية من مرض العظمة وإختصاصها وتفردها بالصوابية، مسقطة ذلك عن غيرها من القوى والفصائل دون أن ينضج لديها معنى الوحدة الوطنية ومفهوم المصلحة الوطنية أو مفهوم المصلحة العامة، فتعلو لديها مصلحة الذات والأنا الحزبية والفصائلية، حين تعتقد أن مصلحة الحزب أو الفصيل هي المصلحة الوطنية والمصلحة العامة، وبالتالي لا يمكن لديها تحقيق الثانية إلا بتحقيق الأولى، وهنا يقع هذا الحزب أو الفصيل أو الجماعة في وهم يصعب علاجه حيث لا يرى في نفسه إلا الصوابية والتنزيه عن الأخطاء ولا يرى في الآخر إلا الضبابية والإعوجاج والأخطاء بل تصل إلى درجة تخوينه وتكفيره، ويسوق مثل هؤلاء التبريرات الإيديولوجية والدينية للتغطية على هذه الحالة المرضية التي يعاني منها هذا التنظيم أو ذاك.
لقد عانت الحركة الوطنية الفلسطينية و م.ت.ف كثيراً من هذه التنظيمات على مدى نصف قرن مضى، بداية من قوى اليسار في بدايات إنطلاق الثورة الفلسطينية وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جبهوي جامع لقوى الشعب الفلسطيني على إختلاف أماكن تواجده، وما أن أدركت القوى القومية واليسارية والوطنية مفهوم التعدد والتنوع والتكامل للشعب الفلسطيني وبالتالي لحركته الوطنية ووحدتها المؤطرة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية حتى ظهرت متأخرا في أواخر عقد الثمانينات الفصائل التي تأخذ من الدين الإسلامي شعارات ثورية لها، عبر عملية أدلجة قسرية للدين ومفاهيمه وبالتالي إستخدامه كوسيلة ترويجية لذاتها من جهة وإضفاء طهرية وصوابية على ذاتها وافرادها وتوجهاتها وأفعالها، رغم أن الواقع والمسار الذي آلت إليه هذه الحركات كشف عن مدى التناقض بين واقعها وأفعالها وسلوك أفرادها وزيف شعاراتها، إلا أنها لا زالت تصر على تميزها عن الآخرين في ساحة العمل الوطني وإمتلاكها للصوابية والحقيقة وإفتقاد الآخرين لمثل هذه الصوابية والنقاء، وتتمترس خلف هذه الأوهام محدثة أسوء إنشقاق وإنقسام قد قاد إلى إنفصال أجزاء الوطن بعضها عن بعض، كما هو حاصل اليوم جراء سياسات ومواقف حركة حماس في قطاع غزة، لتشكل حالة ضاغطة على الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية وأطره الشرعية سواء على مستوى سلطته الوطنية أو على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية، معتقدة أن سيطرتها على السلطة وعلى منظمة التحرير هو الحل، أو إسقاط السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية وإستبدالهما بها، حتى تتحقق المصلحة الوطنية من خلال تسيدها وسيطرتها على الكل الفلسطيني وإلغاء التنوع والتعدد وإسقاط مبدأ التكامل الذي يَسمُ أي حركة وطنية عبر التاريخ.
في هذا السياق منذ وجدت حركة حماس وقبلها حركة الجهاد رفضتا المشاركة في م.ت.ف وارتبطتا بشبكة تحالفات حزبية خارجية إقليمية ودولية، وعارضتا البرامج الكفاحية والنضالية المرحلية لـ م.ت.ف وفصائلها، دون إدراك لأهمية الوحدة الوطنية وأهمية الحفاظ على الكيانية السياسية التي تمثلها م.ت.ف، وما تمثلها تلك الإرتباطات من ضغط واضعاف لـ م.ت.ف وللحركة الوطنية الفلسطينية في مجملها معرضة القضية الفلسطينية لخطر التصفية والعودة بالشعب الفلسطيني إلى مرحلة الضياع والتوهان ما قبل نشأة وتأسيس م.ت.ف.
إن حركة حماس التي لم ينفع ولم يجدي معها الحوار لغاية الآن وعلى مدى ثلاثة عقود خلت للتخلي عن أوهامها والإندماج في الحالة الوطنية كجزء مكمل ومتكامل مع القوى والفصائل الأخرى، معتمدة على دعم تنظيم دولي عابر للدول والقارات وعلى دول إقليمية ذات أجندات خاصة تجد فيها فرصة مناسبة للإستثمار وفي دعم هذه الفصائل والمواقف لتحقيق مصالح خاصة لها وبها عبر إظهار قدرتها في التأثير في الشأن الوطني الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي على حساب مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، فتوفر لها الدعم المالي والسياسي والمعنوي.
عبر مسيرة 56 عاما من العمل السياسي والكفاح الوطني والمقاومة المسلحة والشعبية التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني وما حققته من إنجازات قد مكنها دائماً ان تتجاوز هذه القوى ذات الأجندات والإرتباطات التي تقدم مصلحة الحزب أو الفصيل وتلك القوى على المصلحة الوطنية في محطات عديدة.
من هنا نفهم الهجوم البشع الذي تشنه بعض أقطاب حركة حماس على م.ت.ف وقيادتها مثل محمود الزهار مؤخرا، وما عبر عنه أيضا رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية في ندوة اليكترونية نظمتها جماعة الإخوان في عمان يوم 4/5/2020 بمناسبة ذكرى النكسة حين قال (آن الأوان لإسترداد م.ت.ف من خاطفيها) هذه العبارة تكشف عن مدى النوايا السيئة التي تنوي الإقدام عليها حركته وتنظيمه الدولي لجماعة الإخوان تجاه م.ت.ف التي لازالت حركته ترفض الإنضمام إليها حتى يجري تفصيلها على مقاسها واغتيال صيغتها التعددية الجبهوية التمثيلية للشعب الفلسطيني وصبغها بصبغته الحزبية الفردانية الإخوانية، دون تقدير منها لخطورة المرحلة وشراسة الهجمة الصهيونية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في مواجهة خطة الضم وصفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية، خصوصا بعد أن اعلنت القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكل تشكيلاته وفي كافة أماكن تواجده رفضه القاطع وتحلله من الاتفاقات والتعهدات الموقعة مع الحكومتين الإسرائيلية والامريكية..
إن تصريح هنية وهجمة وشتائم الزهار على م.ت.ف وتاريخها المشرف في لغة السياسة ليس له سوى تفسير واحد وفهم واحد هو أن هناك بدائل جاهزة لـ م.ت.ف تتمثل به وبحركته، وأن ما ترفضه م.ت.ف هناك من هو موجود وعلى استعداد للتعامل معه، كأنهم يعلنون عن جاهزيتهم للإكتفاء بما أنجزته حركتهم ورعاتها واختزال حقوق الشعب الفلسطيني في دويلة غزة والتذهب الضفة والقدس إلى أي صيغة وكيفما يفصل لها من سياسات خطة الضم وصفقة القرن وتجهز على فكرة المشروع الوطني الفلسطيني بإنهاء الإحتلال والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية.
اليوم في ظل جملة من التغيرات والتحديات التي تواجه الحركة الوطنية وإستمرار حالة الإنقسام والتمترس لحركة حماس وبعض القوى في مواقع ومواقف تكريس الإنقسام وإضعاف الحركة الوطنية وإطارها منظمة التحرير، لابد أن تفهم هذه الفصائل ومن يقف خلفها من أحزاب ودول، أن منظمة التحرير عصية على الإنكسار والإستبدال والإختطاف، كما هي عصية على الإستئجار، وهي ليست عقاراً قابلاً للبيع أو التنازل، إنها حركة الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد، وإن هذه الشرعية الوطنية والقومية والدولية التي تتمتع بها منظمة التحرير أقوى من أن تخلخلها أو تنسفها مواقف هذه القوى المرجفة والأجسام المصنعة في دوائر التآمر، وبعد أن منحت هذه القوى زمناً طويلاً للنضج، والتخلي عن ذاتيتها وفردانياتها، وإرتباطاتها المضرة بالمصلحة الوطنية، لم يعد أمام منظمة التحرير سوى الإقلاع في مسيرة التحدي وإبقاء الأبواب مفتوحة للجميع من الشرفاء للحاق بها ووضع حد لعامل الزمن الذي راهنت عليه تلك القوى لمدة زادت عن ثلاثين عاماً، أصبح من الضروري إقرار برنامج سياسي كفاحي وخطة مواجهة ومقاومة تتوافق ومتطلبات المرحلة، على طريق تحقيق الأهداف الوطنية في إطار البرنامج المرحلي الذي يستهدف إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وحل قضية اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
بمثل هذا الموقف يتم مواجهة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته وتسقط كافة المؤامرات التي تسعى للنيل من حقوقه ومستقبله وفي مقدمتها (خطة الضم وصفقة القرن)، الكرة الآن في ملعب حركة حماس وبقية القوى والدول الداعمة لها كي تتخذ الموقف الصائب وتنخرط في المشاركة الوطنية وتشارك مع بقية القوى في مواجهة خطة الضم وصفقة القرن، وأن تكون شريكاً أصيلاً للكل الوطني بقيادة م.ت.ف في مواجهة استحقاق المرحلة، وليس التخطيط لخطف م.ت.ف من شعبها وقواها التي بنت مداميكها وراكمت انجازاتها، على حماس وقيادتها أن تعتذر للشعب الفلسطيني ولـ م.ت.ف عن انقلابها على السلطة وعلى م.ت.ف الذي ألحق أبلغ الأذى بالشعب الفلسطيني وبقيادته ونضاله ومَكنَ للعدو النفاذ مما أحدثته من ثغرات في جدار وحدة النضال الوطني.
كلمة أخيرة في مواجهة أحلام وخطط الإختطاف في عقل جماعة الإخوان، لا يمكن أن يكون لا خالد مشعل ولا محمود الزهار ولا اسماعيل هنية ولا أي واحد ممن لف لفيفهم أن يكون رئيسا لـ م.ت.ف ليس لبعد شخصي فهم ليسوا مثل أحمد الشقيري أو يحيى حمودة أو ياسر عرفات أو محمود عباس، وإنما لما يحملونه من أوهام سياسية وفايروس التفرد بالصواب والطهر الرباني ونظرتهم القاصرة والإستعلائية والتشكيكية والتخوينية التكفيرية للآخرين، المتعارضة مع الفطرة التي فطر الله عليها الخلق أجمعين، ومنهم الشعب الفلسطيني، وهي الوحدة الوطنية على أساس من التنوع والتعددية والحرية والديمقراطية التي لا تؤمن جماعة الإخوان بها، والتي بها ينتزع الإستقلال وعلى أساسها تبنى الاوطان وتقام الدول وبغيرها يبقى الإحتلال جاثما وتدمر الأوطان وتثور الفتن ... وللحديث بقية....!

اخبار ذات صلة