بقلم / بكر أبوبكر
التفكير في فلسطين كقضية مركزية للأمة العربية والاسلامية هو منطلق التعبئة والفكر السياسي الذي ساد تنظيمات القرن العشرين، ولكن نتيجة عدد هائل من الاعتداءات الجزئية أوالجُملية على الأمن القومي العربي الذي تمثل فيه فلسطين البورة المركزية، تم تحييد القضية وجعلها في خلف الاهتمامات الأساسية في عديد الدول العربية اليوم.
مما لا شك فيه أن الأصابع الصهيونية كانت تمتد منذ قيام الكيان للعبث في مصائر شعوب المنطقة، وتدمير الارتباط التاريخي والنفسي والديني والحضاري بين هذه الدول والشعوب والمركز أي فلسطين
لم يكن "بن غوريون" كما نُقل عنه بعيد عن العمل لتنفيذ مهمته التي بدت حينها مستحيلة، ولتنفيذ استراتيجيته العربية القاضية بالقضاء على مركزية القضية الفلسطينية لدى الأمة من خلال التشتيت والإلهاء، ومن خلال زرع الأزمات في كل دولة عربية او في محيطها، ومن خلال التدمير أوالاختراق، وبلا شك أن الدعم الأمريكي اللامحدود الذي ربط بين "إسرائيل" والنفط في علاقات الولايات المتحدة مع المنطقة قد أسهم بقوة في تنفيذ خطة بن غوريون
مؤسس الدولة الإسرائيلية طمح لتدمير الجيوش العربية، أو تحييد هذه الدول بجيوشها بالحد الأدنى، وهو ما تحقق له اليوم بعد 70 عاما من تأسيس الكيان المغتصب لفلسطين بتدمير أوتحييد الجيوش العربية والتي كان آخرها بتدمير الجيش العراقي والسوري، وتفتيت بلدان كانت ترفل بالصحة والقوة وإن النسبية، مشكّلة حائطا استناديًا لمركزية القضية الفلسطينية.
سياسة الاحتلال الصهيوني في فلسطين قامت على الاستعمار والتهجير والقتل ووسرقة الأرض والاستعباد للفلسطينيين، الاستعباد للثقافة والفكر التوراتي الخرافي وما تعانق معه من الفكر والفعل الصهيوني الاستعماري والاقصائي الابارتهايدي.
وقام الاحتلال بعلاقته مع دول المحيط على تقزيم القضية وطرحها في خلف الاهتمامات وجعل القضايا المحلية أو الاقليمية (مثل العداء مع ايران وتركيا، والإرهاب،...) أساسا يتم الانطلاق منه لاختراق الجسد العربي.
لا يمكن أن تتم تبرئة الدول الإقليمية من اللعبة الصهيونية بتفتيت أمة الخير الأمة العربية، فلا يمكن النظر ببراءة مطلقًا للعبث الحاصل في قلب هذه الأمة وأطرافها من قبل الاعتداءات التركية الحاصلة في العراق وسوريا وليبيا، وكما هو الحال مع الاعتداءات الايرانية على أربع دول عربية على الأقل، ضمن فكرة المحور المقاوم الذي يتخذ من جسد الأمة مسرحه، وليس الاحتلال الصهيوني.
النكبات الداخلية أو الإقليمية التي تنخر في جسد دول الأمة العربية-والتي كانت للأصابع الصهيونية فيها أحد المفاعيل الرئيسة- تعمل على التشتيت للجهد الموحد الذي أصبح سرابًا، وحققت هذه النكبات حالة الإلهاء المبرّر عن المركز، وجعلت من الثانوي أساسي لا سيما بعد تدمير جيوش، وتجييش مصالح اقتصادية، وتجنيد أشخاص بلا تاريخ ولا استراتيجية عروبية.
تبقى عديد الدول العربية، وشعوب الأمة، رغم كل ذلك عصيّة على المخططات الصهيونية، وفي مثالنا الفاقع اليوم مصر العروبة التي تعاني الأمرين من سلسلة من الحروب المخيفة التي تمارس ضدها، بالداخل والخارج، والتي بلا أدنى شك تجعل الصهيوني يفرح ويحتفل، من اعتداءات تركية على ليبيا المجاورة، وزراعة المتطرفين فيها، كما الحرب في سيناء والضغوط الأثيوبية، والافريقية غير البريئة على مصر هبة النيل.
مصر التي كانت هي مصر الأمل والنور والبناء والانتصار في معارك الأمة جميعا،والتي اعتبرت أن الأمن القومي العربي يمتد من إيران الى موريتانيا، والتي أسهمت بقوة بصنع وحدة ثقافة الأمة وحضارتها، تعاني من حملات تشويه وتدمير وإلهاء ضخمة بعيدا عن الاهتمام بالقضية المركزية، قضية فلسطين، وكأن لسان حال هذه الحملات الموجهة لمصر وغيرها يقول عليكم إطفاء النار في بيتكم قبل أن تفكروا بغيركم، أو بفلسطين!
إن منطق وحدة ثقافة هذه الأمة، وليس احترابها، هي التي جعلت أمثال الكردي صلاح الدين الأيوبي، وركن الدين بيبرس البندقداري (من كازاخستان والذي استعاد القدس للمرة الثانية بعد صلاح الدين)، والأشرف قلاوون من مماليك الترك في مصر الذي استعاد الساحل الفلسطيني من الفرنجة، وكلهم انطلقوا من مصر، جعلتهم يقومون بما قاموا به استنادًا للانتماء الأصيل وللإرث والحضارة المشتركة. وهي التي جعلت من سلطان العلماء العز بن عبدالسلام -المغربي الشامي معًا- لا يهدأ له بال الا بقتال ودحرالمغول والفرنجة عبرخطبه وتعبئته الفكرية الصارمة ومن مصر أيضا.
فلسطين جزء لا يتجزا من هذه الأمة تعتلّ وتمرض لمرضها، وتصح وتنتعش لانتعاشها لذلك كانت القاطرة الفلسطينية لا تسير إلا في القطار العربي، ومصر هي دفتر أيام الأمة، ولذلك وجب النظر للاعتداءات المرتكبة ضد الدول العربية ، وشعوبها الحرّة، في سياق هذا الفهم، وفي سياق الالتفاف الذي يجب أن يكون منا كفلسطينيين مع شعوب أمتنا والعكس بالعكس، فلا نتوه بين دعاوى التحلل من العروبة أو من حضارتنا وثقافتنا المتميزة في المنطقة، فالنصر القادم بالايمان والصبر والرباط بإذن الله يحتاج لوحدة الإرادة واللسان والامة.