بقلم: عبد الناصر النجار
بدأ العد التنازلي لوعد نتنياهو بضمّ نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، وعلى رأسها سلة فلسطين الغذائية "الأغوار" والمستوطنات صغيرها وكبيرها وبؤرها حتى لو كانت خيمة نصبها مستوطن قبل سنوات وتركها ولم يبق منها سوى قطعة قماش ممزقة.
الضم الأولي سواء كان رمزياً أو واسعاً وفق الأنباء المتضاربة سيتحقق بدعم من إدارة ترامب، التي لم تترك شيئاً إلا وقدمته لدولة الاحتلال، فكل شيء مباح تحت مسميات عدة أولها: أمن إسرائيل، دون أن يشرح أحد كيف تكون الأغوار خط دفاع في زمن الصواريخ العابرة للقارات وتكنولوجيا الحرب التي تجاوزت مفهوم الحدود الجغرافية.
فيما تبقى من وقت قبل الإعلان الرسمي عن الضم سنسمع تصريحات كثيرة ترفض الضم وتؤكد خطورته وتهديده لمسيرة السلام" المرحومة"... أصوات ستحذر ولكن في الوقت نفسه هناك أصوات أكثر تأثيراً لها قوة الفعل بدأت ترتفع سواء في دولة الاحتلال أو في الولايات المتحدة، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني واليميني الأميركي المتصهين تطالب بالضم الفوري.
السفير الأميركي في القدس المحتلة "عرّاب الضم" الأشد حرصاً على الاستيطان والضم أكثر من غلاة المستوطنين الفاشيين، أكد ألا شروط أميركية على خطوة الضم، وحتى لا شروط أن تكون العملية جزءاً من صفقة القرن كرزمة واحدة، فريدمان مصاب بسعار الضم حتى إنه خلال عودته إلى واشنطن لبحث القضية حمل معه رسالة من مئات الضباط الإسرائيليين اليمينيين تطالب ترامب بالموافقة غير المشروطة على الضم.. أي أنه ذهب إلى واشنطن للاجتماع مع خلية صفقة القرن، وهو مسلح بمواقف إسرائيلية أكثر يمينية من الأحزاب المشاركة في حكومة الاحتلال.
في الولايات المتحدة، هناك اللوبي الصهيوني والسائرون في ظلاله يوقعون الرسائل الموجهة إلى ترامب من أجل إعطاء الضوء الأخضر للضم، بداية الأسبوع المقبل أو خلال أسبوعين كحد أقصى سيعلن ترامب عن موقفه.. وكما حصل سابقاً في قضية السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال والاعتراف بضم هضبة الجولان السورية المحتلة، وطرح صفقة القرن لن يكون هناك تغيير كبير في رؤيته على الرغم من المحاولات الضعيفة الأوروبية والعربية الأكثر ضعفاً لتعديل موقفه.
لكن ما هي الصورة التي ستكون بعد اليوم الأول من الإعلان عن الضم:
أوروبياً، لا يوجد توافق تام بين دول الاتحاد الأوروبي على رد ذي قيمة، خاصة أن دولاً في هذا الاتحاد أقرب إلى إسرائيل من الاتحاد نفسه، بل هي داعمة لتل أبيب بصورة عمياء ومطلقة، وموقفها واضح مع كل ما يصب في مصلحة إسرائيل، وقد أعلنت سابقاً وستعلن لاحقاً رفضها فرض أي عقوبات على دولة الاحتلال، وبالتالي سيخضع الاتحاد الأوروبي في النهاية لابتزاز هذه الدول، أو على أحسن تقدير ستكون هناك إجراءات ثانوية مثل وقف التعاون المشترك في الأبحاث العلمية وما شابه ذلك، أما أن نرى موقفاً أوروبياً مماثلاً لما حصل مع روسيا بعد إعلانها ضم "القرم" فهذا مستحيل، لأن الحديث يدور عن إسرائيل، لا عن روسيا. الأمر الذي يعني صدور بيانات تؤكد عدم شرعية الضم ومخالفته القانون الدولي، وفي الوقت نفسه سترسل أوروبا بعد أسابيع كميات إضافية من الأسلحة والمساعدات لإسرائيل، وبعد أسابيع ستعود الأمور إلى وضعها الطبيعي.
عربياً: ستكون هناك بيانات شديدة اللهجة، تستنكر العدوان الجديد، وربما يكون هناك اجتماع آخر على مستوى وزراء الخارجية العرب، الذي سيخرج أيضاً ببيان يؤكد على الموقف العربي.. ولكن ليس إلى الحد الذي ستقطع فيه كثير من الدول العربية علاقاتها العلنية والسرية مع إسرائيل، فهذه العلاقات أصبحت أهم من القضية الفلسطينية، لأن المصالح مع تل أبيب في التصدي للعدو الإيراني تعلو على قرار الضم، وبعد أسابيع أو أقل ستعود العلاقات العربية الإسرائيلية السرية والعلنية إلى الواجهة، وسنرى الوفود الإسرائيلية في كثير من عواصمنا وكأن شيئاً لم يحصل.
طبعاً الحديث عن موقف عربي قوي هو كالحديث عن حكايات ألف ليلة وليلة، فهناك حرب اليمن وحرب ليبيا وحرب سورية وأزمة لبنان، وهناك سد النهضة الأثيوبي والإرهاب في سيناء، والقائمة تطول.. ففي ظل هذا الوضع غير المسبوق من التردي، تعلم دولة الاحتلال أن الضم فرصة لا تعوض.
فلسطينياً: نحن أيضاً كالعرب، نمر بأزمات مركبة، أزمة مالية خانقة، بعد وقف تسلم المقاصة، وجفاف المساعدات من أكثر من طرف، ولعل عدم الاستجابة لطلب السلطة بقرض مالي عربي خير دليل على عمق الأزمة، ومع دخول الشهر الثاني دون رواتب لموظفي الحكومة تزداد المشكلة حدة.. إلى جانب تفشي وباء "كورونا" بعدما اعتقدنا أننا تمكنا من القضاء عليه، فنزلنا عن الجبل قبل الموعد، وها نحن نعاني من جديد، يضاف إلى ذلك السبب الأخطر وهو جريمة الانقسام.. هذه الأزمات أيضاً سيكون لها تأثير على قوة الرد الفلسطيني، وربما قوة الضغط الإسرائيلي هي التي ستولد الانفجار، وهنا لن يبقى لنا من خيار سوى المواجهة.
نعم سيسقط شهداء، نعم سيصاب كثير من الشباب المنتفض، ولكن الأهم هو مقاومة شعبية قوية مستمرة على كل جبهات الضفة، حتى تتأكد الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية أن جرم الضم له ثمن كبير؟؟
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"