بقلم/ خالد صادق
يعتقد رئيس الادارة الامريكية دونالد ترامب ان حظوظ فوزه بالانتخابات القادمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى قربه وانحيازة وتحقيقه للسياسة الاسرائيلية ممثلة برئيس الوزراء الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو, وتمسكه بتمرير مخطط الضم الاستعماري وتنفيذ صفقة القرن, وهو يخشى ان سقوطه في الانتخابات الامريكية سيفشل هذه الصفقة ويضر بمصلحة «اسرائيل» على اعتبار ان منافسه جو بايدن لا يؤيد سياسة الضم الاستعماري معتبرا ان ما تسمى بصفقة القرن هي عبارة عن حيلة سياسية بهلوانية رخيصة, كما ادان بايدن استمرار الاستيطان والتهديد بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة قائلا «إن على إسرائيل أن توقف التهديدات بالضم والنشاط الاستيطاني مثل الإعلان الأخير للبناء الاستيطاني في منطقة E1», ويبدو ان ترامب يراهن على اللوبي الصهيوني في امريكا باعتباره ورقته الوحيدة في الفوز بالانتخابات الامريكية, ويعتمد على رجال الاعمال من اصحاب رؤوس الاموال فيندفع بقوة في سياساته المؤيدة لإسرائيل ويغرق في المستنقع الصهيوني الى حد الثمالة, فهو يتبنى سياسة «اسرائيل» للحل النهائي للقضية الفلسطينية كما وضعها واسس لها نتنياهو, ويتبنى فك عزلة اسرائيل في المنطقة ووضعها على رأس تحالف عربي تقوده «اسرائيل» ضد عدو وهمي» ايران», ويدفع باتجاه التطبيع العربي معها, كما انه يدعمها اقتصاديا وعسكريا وامنيا بشكل غير مسبوق, لأنه يعتقد ان مستقبله السياسي كله مرتبط بمدى رضا «اسرائيل» عنه وانحيازها له.
ونحن هنا لسنا بصدد الخوض في فرص بايدن او ترامب للفوز بالانتخابات الامريكية القادمة, ولا يعنينا هذا الامر من قريب او بعيد, لان السياسة الامريكية المنحازة لإسرائيل هي سياسة ثابتة لا تتغير بتغير الافراد, انما نحن نتحدث دائما عن المراهنين على مستقبل «اسرائيل» في المنطقة, وقدرتها على الصمود في وجه الاعصار الفلسطيني الذي يأتيها من كل حدب وصوب, ففلسطين كما كانت من قبل بداية حلم «اسرائيل» منذ مؤتمر بازل 1897م, هي نهاية حلم «اسرائيل» ايضا ومقبرة اليهود الصهاينة مصداقا لقول الله عز وجل «فاذا جاء وعد الاخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا « ونحن على يقين ان كل من يراهن على ان «اسرائيل» هي الحصن الذي سيحمي عرشه, او ضمانة لصندوق الانتخابات, فهو واهم لان «اسرائيل» اليوم تقف عاجزة عن تنفيذ قرار الضم الاستعماري في الضفة بعد ان لوحت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة باعتبار الضم «اعلان حرب» وانها سترد على هذه الجريمة عسكريا, وربما يكون المشهد الوحدوي بين فتح وحماس ولغة الخطاب المشترك بينهما فاقم من قلق «اسرائيل» التي تخشى ان تندلع انتفاضة شعبية عارمة ليس في غزة والضفة فحسب انما داخل اراضينا المحتلة عام 1948م ايضا, خاصة بعد مشاركة رئيس القائمة العربية المشتركة ايمن عودة في اللقاء, واعتبار هذه المشاركة تهديداً لنتنياهو وحكومته ودعماً للخطوات الفلسطينية المزمع اتخاذها لمواجهة سياسة الضم الاستعماري المزمعة.
ترامب يغامر بمستقبله السياسي لأنه لا يتعامل مع مستشاريه ولا يستمع لاحد, فسياسته تأتي من رأسه, وهذا ما عبر عنه بوضوح مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في كتابه - الذي يحمل عنوان «الغرفة التي شهدت الأحداث» عندما وصف ترامب بأنه - رئيس جاهل بأبسط الحقائق الجغرافية، ولا تتعدى قراراته رغبته في التمسك بمنصبه لفترة ولاية ثانية, ترامب الذي تحدى الشرعية الدولية بالالتفاف على قراراتها بخصوص القضية الفلسطينية, والذي افشل الاتفاق النووي مع ايران استجابة لطلب نتنياهو, والذي تغاضى بشكل فج وواضح ومستفز عن جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في تركيا, والذي صعد اجراءاته بشكل غير مسبوق في التصدي لدخول المهاجرين ومنع حمايتهم, والذي وتر علاقة امريكا بالصين ودول الاتحاد الاوروبي في اعقاب جائحة كورونا, ترامب الذي منع الدعم المالي عن السلطة, وعن محكمة الجنايات الدولية ومنظمة اليونسيف ومنظمات دولية اخرى لأنها ابدت مواقف معارضة لسياسة «اسرائيل» في التعامل مع الفلسطينيين, ترامب الذي اتى بصفقة القرن اللعينة ليفرضها فرضا على العالم لأجل عيون «اسرائيل», سيدفع ثمن هذه الحماقات من شعبه الامريكي, فسياسة التبعية العمياء «لإسرائيل» لا يمكن ان ترضي الامريكان حتى وان كانوا ينحازون بشكل ممنهج لصالح «اسرائيل» حتى وان فاز ترامب بالانتخابات القادمة, فانه سيحمل وزر هذا التحول الدولي في رؤيتهم لدور امريكا الذي وظفته كليا لصالح اسرائيل ودعم الديكتاتوريات على مستوى العالم, انها سياسة حمقاء ارتبطت بحقبة زمنية نعيشها اليوم خارج حدود العقل والمنطق, وستنتهي هذه الحقبة عاجلا او اجلا وستحاسب الشعوب لا محالة تلك الديكتاتوريات.