شمس نيوز/ غزة
شهد أسلوب إدارة قطاع غزة وفلسفة الحكم فيه اختلافاً جوهرياً بعد عام 2007م، ففي الوقت الذي كانت تراهن الإدارة المحلية السابقة على الحلول السلمية التسووية عبر التفاوض معلقةً الآمال على تحقيق أية نتائج في هذا المسار، ركزت إدارة القطاع خلال الفترة اللاحقة لعام 2007م على عملية استعدادٍ مستمرة وممنهجة تشمل عمليات تصنيع الأسلحة وتدريب المقاتلين على مدار الساعة لصد أي عدوانٍ على قطاع، فلا يكاد يمضي يومٌ إلا وعشرات الشبان الفلسطينيين ينهون دوراتٍ متنوعة مغلقة تستهدف إعداد كادر قوي قادر على إحداث الفارق في أي مواجهات قادمة مع العدو.
ورغم الظرف الاقتصادي الجيد الذي وفرته الإدارة السابقة لقطاع غزة إلا أن المسار التطبيعي الذي سلكته هذه الإدارة والذي تسلكه الإدارة الحالية للضفة الفلسطينية لم يجر سوى أذيال الخيبة بعد أكثر من خمسٍ وعشرين عاماً، فلا يزال الاحتلال يرى الشعب الفلسطيني أقليةً تسكن الأرض المحتلة مجردةً من أي كينونة أو هوية، ولا طرحَ ماثلٌ أمامه سوى حكمٍ ذاتي لإدارة الحياة المعيشية للسكان، أما فيما يتعلق بطرح الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م و عاصمتها القدس الشرقية مع عودة اللاجئين الفلسطينيين، فهذا طرحٌ بعيدٌ عن القبول والتطبيق في الذهنية الاستعمارية للعدو الصهيوني. وقد جاءت خطة الابتلاع الاستعمارية "الضم" التي تحمل في طياتها اختلاس أراضي الضفة الغربية والقدس ومناطق غور الأردن بكل غرورٍ وصلف ٍ ليشكل ضربةً قاضيةً من الاحتلال لخيار حل الدولتين الذي تصب عليه القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومة رام الله آمالاً كبيرة.
ورغم المحاولات والتضييق على إدارة غزة للقبول بشروط الرباعية الدولية وجرها إلى مربع التسوية والمفاوضات إلا أن غزة سجلت موقفاً حاسماً رافضاً، ليس فيه تهاونٌ أو مساومةٌ على ثوابت القضية الفلسطينية، وعليه تعرض القطاع لحصارٍ خانقٍ ممتدٍ حتى وقتنا الحالي، وشنت آلة الحرب الصهيونية ثلاثة حروبٍ على القطاع وعشرات الهجمات العدوانية للضغط على المقاومة في قطاع غزة، إلا أن القطاع –وكما كان دائماً على مر العصور- كان عصياً على الكسر والإذعان، مؤمناً أنه رافعة المشروع الوطني الفلسطيني وحاملاً للواء الحرية والانعتاق من الاحتلال الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين منذ عام 1948م.
لكن هذا التضييق والهجمات العسكرية المختلفة خلفت آثاراً مست أهل القطاع بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات، فأضحى أهلها وشبابها يعانون ظروفاً اقتصاديةً صعبة، حيث يعيش في قطاع غزة مليونا مواطن فلسطيني معظمهم من الشباب دون فرص عمل حقيقية وفي ظل اقتصادٍ منهكٍ يعتمد على الرواتب الشهرية لبعض الموظفين التي تتعرض رواتبهم في وقتنا الحاضر إلى القطع والحجب أو التضييق بسبب الإجراءات التعسفية بحق أهلنا في فلسطين.
ورغم كبرياء غزة وصمودها بما يحمله من سجلاتٍ وتصدٍ للعدو الصهيوني وأعوانه، إلا أن الهجمة تشتد عليها وتُشَنُّ حملاتٌ دعائية وإعلامية تستهدف مقاومتها بدعمٍ من أجهزة مخابرات العدو وأجهزة مخابرات محلية وأجنبية أخرى، فأعداد العاطلين عن العمل في ازدياد وأعداد التجار المُعْسرين في صعود، وأعداد الشبان المهاجرين أو الراغبين في الهجرة كبيرٌ، وأكبر منه أعداد الشباب المحبطين والبائسين. ويعاني أهل غزة الذين يدفعون ثمن الحصار والحرب من الجوع وقلة ما في اليد ويعانون من ظلم الاحتلال وظلم أعوانه ويقاسون حصار بعض ذوي القربى وإدارة ظهرهم لأهلهم وإخوانهم في فلسطين.
فكان لزاماً علينا أن نوجه كل التحية إلى أهلنا قطاع غزة الذين يعانون ما يعانون من بطشٍ وحصارٍ وتجويعٍ وتشكيك في قدرات مقاومتهم على صنع الفارق، والتحية أيضاً إلى الإدارة المحلية التي تعمل ليل نهار بإصرارٍ وعزمٍ كبير ودون كللٍ أو مللٍ على تقديم الخدمات اليومية لأهلنا في قطاع غزة، فلا زالت مؤسسات إنفاذ القانون –ورغم الحصار والتضييق- تعمل بجدٍ لأمن وأمان المواطنين، ولا يزال الجهاز الصحي يقدم خدماته رغم شح الموارد ويكفيه فخراً جهوده المباركة في حماية المواطنين من فيروس كورونا المستجد الذي فشلت في صد بطشه دولٌ ذات كوادر وإمكانيات طبية عالية المستوى، والتحية أيضا إلى جهود هذه الإدارة في محاربة الفساد وترسيخ مبدأ العدالة النسبية، ويمكن القول أن هذه الجهود بحاجة إلى مزيدٍ من التطوير حتى يشعر المواطنون بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات شأنهم شأن أصحاب المناصب العليا وأبنائهم. وأدعو إلى دراسة التجربة الاقتصادية الكوبية أو الصينية أو جزءٍ منهما والاستفادة من تجربتها من أجل العمل على إنصاف الأسر المستضعفة، فلا يجوز ألّا يبذل مجهود إضافي في سبيل تعزيز مكانة ودور الحاضنة الشعبية للقطاع وعلى رأسها الشباب.
أخيراً أعلم أنه من الممكن أن تفتح على غزة الأبواب إذا ما تخلت عن أنفاقها ومشروعها المقاوم ولكنها تدفع الثمن في زمنِ قلَّ فيه النصير ويدفع الثمن معها الأجيال الشابة التي تبحث عن ملاذٍ آمنٍ في العمل والعيش والمستقبل المشرق، وأعلم يقيناً أن الله –سبحانه وتعالى- لن يضيع غزة ولن يتركها وحدها وسيجعل الله بعد عسرٍ يسراً.