أكثر من خمسة آلاف أسيرٍ فلسطيني يقبعون خلف زنازين الاحتلال، منهم ستة وعشرون أسيراً أمضوا ما يزيد على عشرين عاماً وبعضهم جاوز الثلاثين عاما في غياهب الجور الصهيوني، ومنهم خمسمائة ونيفٌ صدر بحقهم أحكامٌ ظالمة من محاكم الاحتلال الفاجرة بالسجن المؤبد ، ويتواجد هؤلاء المضحون بأنفسهم وآجالهم في السجون الجنوبية لفلسطين المحتلة كسجون نفحة ورامون وبئر السبع وعسقلان والنقب، وهي سجونٌ تركت البيئة الصحرواية الحارة للمنطقة أثراً فيها، وسرى المناخ المتطرف في زنازينها بين حرٍ شديدٍ في الصائفة وبردٍ شديدٍ في الشتاء.
أكتب هذا المقال من مدينة غزة في ذروة شهور الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة ونسب الرطوبة العالية، و نعاني من هذا الظرف المناخي الصعب، رغم تواجد بعض وسائل الرائحة والتبريد، فكيف الحال بإخواننا الأسرى الذين نتذكر معاناتهم الحاضرة في كل وقت وكيف يصنعون في مجابهة هذه الموجة الحارة في هذا الوقت من العام؟!، كيف وهم يجابهون في كل لحظةٍ ممثل الطغيان الأكبر ووارث وحشية الاحتلال: "مصلحة السجون" التي تضيق عليهم معايشهم ومأكلهم ومشربهم، ويحرمون من الحد الإنساني الأدنى في الرعاية الصحية وتلقي العلاج ما أدى إلى استشهاد عشرات الأسرى في سجون الاحتلال في إطار سياسة الإهمال الطبي المتعمد.
ناهيك عن الحرمان منقطع النظير لأبسط ضرورات الحياة داخل السجون، فإجرام مصلحة السجون لا يتوقف عن حدٍ معينٍ، بل إنها تفكر كل يوم في إحكام مزيدٍ من الخناق على أنصار مذهب الحق التام، نذكر من هذه التضييقات ما وصل به الأمر إلى إرباك الأسرى وذويهم عبر آلية متذبذبة في الزيارات للسجون، فيعيشون وذويهم يفكرون في الأمر، وتفننت مصلحة السجون في تعطيل هذه الزيارات لأسبابٍ واهية، حتى وصل الحال مؤخراً إلى منع الزيارات بالكلية بذريعة تفشي فيروس كورونا المستجد، وكذلك منع زيارات المحامين المكفولة بمقتضى القوانين والتشريعات ذات العلاقة، بالإضافة إلى مماطلة المصلحة في معالجة طلبات نقل الأسرى إلى المرضى وإدخالها في دوامة إجراءات روتينية قاتلة تحول دون الاستجابة السريعة لدواعي نقل الحالات العاجلة والحركة إلى مشفى الرملة المخصص للأسرى، والذي لا يفي بحاجات الأسرى الصحية، بل إن من المغالطة تهويل مقدرات هذا المكان وتسميته بالمستشفى، إذ أنه لا يلبي الحد الأدنى من مواصفات منظمة الصحة العالمية.
المعاناة كبيرة ومتعددة وقد يحتاج الأمر إلى أكثر من مثالٍ لنقل جزءٍ يسير من معاناة الأسرى في السجون إلى النور، لذا أقولها بوضوحٍ: مقصرٌ من كان في موقع المسؤولية في صفوف المقاومة ولم يقم بواجبه الذي يمليه الواجب الديني والضمير الإنساني تجاه الأسرى، مقصرٌ من كان ذا مسؤوليةٍ على أي مستوىً سياسيٍ كان أو اجتماعيً ولم يبذل ما في وسعه في مساندة قضية الأسرى في كل المواقع التي يصل تأثيره إليها ودعمها معنوياً أو مادياً، مقصرٌ من كان مفتقراً لرسالة حاضرة للأسرى في خَلَده تكون ملازمةً لعمله ومعاشه تروي مأساة الأسرى ومعاناته.
خاسرٌ خسراناً مبيناً من استيقظ لصلاة الفجر باكراً يصليها في مسجده أو في بيته ولم يدعُ الله تعالى للأسرى بالفرج القريب، أو ذاك الذي لا تنام عينه زلفاً من الليل يرجو رحمةً من الله وسعةً لنفسه وماله دون دعاءٍ عميقٍ بالفرج القريب للأسرى.
فاته ركنٌ أعظم من اعتلى منبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يوم الجمعة أو في درسٍ من دروس العلم في المسجد ولم يأتِ على ذكر قضية الأسرى، وأضاع فرصة تحشيد الجمهور المستمر نحو قضيتهم ودعمهم ومساندتهم.
منتهكٌ لمعايير الصحافة الوطنية من امتلك ناصية الإعلام من فضائيات وإذاعاتِ وصحفٍ وغيرها وترك قضية الأسرى ولم يوجه الجمهور نحوها.
فاته حظٌ من العلم من كان معلماً أو ناصحاً في مدرسةٍ أو جامعةٍ ولم يكن ملف الأسرى حاضراً في ذاكرته بشكل مستمر يوجه الأجيال نحوهم.
إن قضية الأسرى بحاجة إلى جهدٍ جماعي تقوده مؤسسات الشعب الفلسطيني السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة وفق برنامج محدد يضعه أصحاب الاختصاص في هذا الملف، يشمل نصرة قضية الأسرى على جميع المستويات وأهمها المستويين العسكري والسياسي في سبيل تفريج كربة الأسرى الكرام دافعي ضريبة الحق المبين، فلا يصح ولا يجوز أن يبقى الأسرى وحدهم، ورغم الجهد المبعثر الذي يبذله بعض الإخوة دعماً وإسناداً لقضية الأسرى، إلا أننا جميعاً مقصرون ونتحمل المسئولية الجماعية تجاه قضية الأسرى.
* عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.