بقلم/ توفيق السيد سليم
لم يكن غريباً ولا مفاجئاً البتّة، الخطوة الإماراتية "الجريئة" بوقاحتها، وهي (الإمارات) تتردى في أعماق مستنقع التطبيع الآسن، الذي تفوح منه رائحة الغدر والخيانة والرذيلة، بعد أن خلعت ثوب المروءة والعروبة وبقايا ما لديها من حياء!، لتؤسس لمرحلة جديدة من "العهر السياسي" للنظام العربي الرسمي المتاجر بقضايا وعذابات الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
فالمتابع لتسلسل العلاقات الإماراتية –"الإسرائيلية" العلنية، منذ عدة سنوات، يؤكد أن شيئاً ما كان "يُطبخ" على نار هادئة، عبر سلسلة طويلة من التعاون والتنسيق الأمني، والعسكري، والاقتصادي، والثقافي، والرياضي، والتكنولوجي، وتبادل الزيارات بين الجانبين، وصولاً إلى الإعلان "التاريخي" الذي كشف عنه الرئيس الأمريكي دونلد ترمب في تغريده له عبر "تويتر" في 13/8/2020؛ لتصبح بذلك "الإمارات" ثالث دولة عربية تقوم بالتوقيع على ما يسمى "اتفاق سلام" مع كيان الاحتلال، بعد مصر (1979)، والأردن (1994).
الفضيحة الإماراتية المتمثلة في توقيع "اتفاق العار"، ورغم خطورتها على مستقبل القضية الفلسطينية، ومصالح شعوب المنطقة العربية والإسلامية، إلا أنها لن تغيّر من الواقع شيئاً، خاصة على صعيد محور المقاومة الذي يقف صلباً وعنيداً -ومن خلفه الشعوب الحية- في مواجهة مشروع الهيمنة والاستكبار العالمي بقيادة "واشنطن" و"تل أبيب"، كون ما جرى بالفعل هو "إشهار" لـ"لعلاقة الحرام" القائمة منذ سنين عجاف بين الإمارات والكيان!.. وهو ما أكدته العديد من وسائل الإعلام العبرية ومن بينها صحيفة "هآرتس" التي قالت: "إن توصيف الاتفاق مع الإمارات على أنه اتفاق استراتيجي يشبه في وزنه وتأثيره الاتفاق مع الجانب المصري عام 1979، هو مبالغة، وجلّ ما حدث هو قرار شجاع بإخراج العلاقات إلى العلن"!.
سقطت إذن ورقة التوت عن "الإمارات"، وخرجت فعليا من المواجهة المفترضة مع العدو الصهيوني، ليبدأ معها سباق "الهرولة العربية الخاسر" باتجاه كيان الاحتلال. فالأخير، وهو ينسج شباكه للإيقاع بدولة عربية وازنة –على الأقل اقتصاديا- كالإمارات، كانت عيناه ترنوان إلى ما هو أبعد من ذلك، مزيداً من الدول العربية المطبّعة (علناً) معه، وهو ما جاء تباعاً على لسان أكثر من مسؤول "إسرائيلي" من بينهم رئيس "الموساد" إيلي كوهين، الذي تحدث عن عدة دول عربية ستحذو حذو الإمارات للدخول في الزمن العبري المدنّس، وهي: "البحرين، والسودان، وعُمان، والمغرب، والسعودية"!
إن شهيّة كيان الاحتلال تجاه التطبيع (العلني) مع مزيد من الأنظمة العربية، نعتقد جازمين أن المستهدف من وراء ذلك ليست الأنظمة الرسمية، فهي معروفة –في أغلبها- بعلاقاتها السرية مع الكيان، ومعاداتها لحقوق شعوبها وتطلعاتهم نحو الحرية والكرامة، وإنما المستهدف في هذه المرحلة:
أولاً: وعي الشعوب العربية، الذي تحاول أنظمتها ومن خلفها "إسرائيل" اختراقه وتدجينه للقبول بواقع الذل والهزيمة والاستسلام!
ثانياً: محور المقاومة، وفي القلب منه إيران، التي تقف سداً منيعاً في وجه المخططات والمشاريع "الصهيو- أمريكية" الرامية إلى إطالة عمر هذا الكيان في المنطقة، والهادفة إلى إحداث مزيد من الفرقة والتشرذم في الجسد العربي.
فمن خلال نظرة جغرافية على موقع كل من إيران والإمارات في منطقة الخليج، يتضح أنهما تتقاسمان السيطرة على مضيق هرمز، ما يعني خلق موطئ قدم مؤثر لـ"إسرائيل" في مياه الخليج، وبالتالي تشكيل خطورة فعلية على حركة الملاحة الإيرانية، عوضاً عن الأمن القومي الإيراني، ما ينعكس سلباً على محور المقاومة عموماً.
ولذلك، جاء رد الفعل الإيراني من الخطوة الإماراتية سريعاً، وواضحاً، على لسان أكثر من مسؤول في طهران، بينهم الرئيس حسن روحاني الذي وصف الخطوة بـ"الخطأ والخيانة"، محذراً الإمارات من أن "تجعل موطئ قدم لـ"إسرائيل" في المنطقة".
وختاماً، فإن ما بعد تاريخ 13/8/2020، ليس كما قبله، فالأيام حبلى بالمفاجآت، بل والانهيارات في الجدار العربي المتهالك والمتداعي أصلاً بفعل أنظمة مسكونة بالذلة والخيانة، افتضح أمرها منذ "كامب ديفيد" (1979) حين خاطبها الشاعر العراقي أحمد مطر في قصيدته الشهيرة: "الثور فرّ" قائلاً:
الثور فر من حظيرة البقر، الثور فر ،
فثارت العجول في الحظيرة ،
تبكي فرار قائد المسيرة ،
وشكّلت على الأثر ،
محكمةً ومؤتمر،
فقائل قال: قضاء وقدر،
وقائل: لقد كفر!
وقائل : إلى سقـر،
وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة ،
لعله يعود للحظيرة ؛
وفي ختام المؤتمر،
تقاسموا مربطه، وجمدوا شعيره
وبعد عام وقعت حادثة مثيرة
لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة!