بقلم: محمد حسن حميد
(عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين)
بعد جهودٍ مضنية وحثيثة بذلتها حكومة غزة خلال الأشهر الماضية لمنع دخول فيروس كورونا المستجد داخل القطاع، استطاع هذا الفيروس مؤخراً تجاوز هذه الجهود والسدود المنيعة ليتفشى داخل القطاع المحاصر، دخول الفيروس لم يكن أمراً مفاجئاً وإنما كان في إطار المتوقع والمنتظر، ففي أكثر من مناسبة صرح مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة أن تفشي الفيروس في قطاع غزة مسألة وقت شأنها شأن باقي دول العالم التي اشتبكت مع هذا الفيروس مبكراً، وخاضت تجارب مختلفة في مواجهته، فأتاحت فسحة الوقت التي تولدت من الإجراءات الاحترازية المتبعة في غزة إمكانية تجهيز الكادر التنفيذي وتَخَيُّر أفضل التجارب، وإعداد خطة الطوارئ الملائمة، وهو ما يستدعي منا توجيه التحية وإبداء الإشادة بجهود الحكومة في غزة وأداء لجنة الطوارئ العليا اللتين بذلتا ما في وسعهما من أجل الحيلولة دون تفشي الوباء، وحشدتا الإمكانيات المالية والبشرية المتاحة، وتحملتا عبء استضافة أكثر من ستة آلاف مواطن فلسطيني عائد إلى القطاع طيلة واحدٍ وعشرين يوماً في أماكن لائقة بكرامة المواطن الفلسطيني ووفرتا لهم الخدمات الممكنة، وقد أشاد معظم المستضافين بخدمات القائمين على مراكز الحجر الصحي التي تمكنت وزارة الصحة من خلالها اكتشاف عشرات المصابين بفيروس كورونا المستجد في أوساط المواطنين العائدين، وتم تقديم العلاج المناسب لهم، ولا يزال بعضٌ منهم يتلقى العلاج في مستشفى عزلٍ مخصص.
إدارةٌ تنتمي إلى هموم هذا الوطن وتقدم صادقةً كل ما تستطيع لخدمة المواطن الفلسطيني تستحق الثناء والشكر، بل ويكفيها فخراً احتضان المقاومة الفلسطينية والمقاومين رغم ما تتعرض له من حملات تشويهٍ ممنهجة مستغلةً حالة الحصار وتضييق الخناق من قبل الإقليم الذي تتزعمه دولة الاحتلال ومن خلفها النظام الدولي الجائر ذي المكيالين والدول العربية المطبعة "أصدقاء توني بلير".
ما من شكٍ أن قطاع غزة يعاني ويلات الحصار ويعيش اقتصاده حالاً متدهوراً وبلغت البطالة مبلغاً كبيراً في صفوف الأيدي العاملة، حتى بات اعتماد عجلة الاقتصاد على الرواتب والماهيات الشهرية غير المنتظمة أو المقطوعة، هذه المعاناة الموصوفة هي جزء من ثمنٍ تدفعه الحاضنة الشعبية الفلسطينية في قطاع غزة التي أعلنت انحيازها لخيار المقاومة وأكدت بوضوح العبارة أنها ماضيةٌ في طريق ذات الشوكة مهما بلغت التكاليف والأثمان، فطريق غزة طويلٌ وشاق ومكلف ومؤلم، لكنه إذا ما قورن مقارنةً موضوعية بالإقليم المحيط الذي يلهث وراء الرضى الصهيوني، فإن هذا الطريق يبدو أكثر إشراقاً رغم صعوبته، ويمكن أن تتجلى هذه الحقيقة في عين كل منصف رغم بعض الأخطاء أو الملاحظات الإدارية.
ومهما يكن من أمرٍ، وطالما أننا لا نزال في بداية تفشي الفيروس في غزة المحاصرة، أدعو السلطة في رام الله إلى أداء واجبها تجاه غزة حفاظاً على صحة المواطنين الفلسطينيين أسوة بإخوانهم في الضفة الغربية، وندعو المنظمات الصحية العالمية لتقديم المساعدات الطبية اللازمة، خاصة وأن وزارة الصحة في غزة عبّرت مراراً عن معاناتها من النقص الشديد في المعدات الطبية اللازمة لإجراء فحص الإصابة بكورونا، إضافة إلى نقص الأجهزة الطبية اللازمة لمواكبة أعراض المرض من أجهزة التنفس الصناعي التي لا يتواجد عددٌ كافٍ منها في القطاع، وغيرها من المستهلكات الطبية اللازمة لمواجهة الفايروس.
كما أدعو كل المقتدرين من أبناء قطاع غزة إلى تقديم المساعدة الممكنة إلى من انقطعت بهم سبل كسب العيش نتيجة لإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال وتقسيم قطاع غزة إلى محافظات متفرقة كجزء من سياسة حكومة غزة لاحتواء هذا الوباء، أجر المساعدة في هذا التوقيت عظيمٌ عند الله تعالى، فهي أوقات شدة وكربة، فمن كان معه فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له، فالمسؤولية جماعية تضامنية، ولا يمكن أن تتفرد بحملها إدارة القطاع.
ولا يفوتني أن أوجه دعوتي إلى الأجهزة المختصة في قطاع غزة نحو البحث عن كيفية دخول الفيروس إلى قطاع غزة، وعدم استبعاد فرضية تعمد إدخاله من قبل العدو الصهيوني، فإرباك الساحة الداخلية في قطاع غزة وخلق فوضىً متعمدة في ظل شح الموارد الاقتصادية والصحية جزء لا يتجزأ من سياسة العدو، والموضوع جديٌّ وبحاجة إلى تركيزٍ شديد، فكما أن مكافحة تفشي هذا الفيروس والحد من انتشاره مهمة أخلاقية ووطنية، فإن البحث عن أسباب دخول وانتشاره يجب أن تكون مَهَمْةً على رأس الأولويات الوطنية.
التحية كل التحية إلى رؤوس الحربة في مواجهة هذا الوباء العاملين على خدمة أهلنا في قطاع غزة من أفراد القطاع الصحي و من أبناء الشرطة الفلسطينية و عمال النظافة وغيرهم الذين يقدمون صحتهم وصحة عائلاتهم رخيصة لتأدية واجبهم الديني والإنساني والأخلاقي، أقول لكم واصلوا طريقكم طريق المرسلين المحفوفة بالمخاطر والمكاره والصعوبات ولا تلتفتوا إلى المثبطين الخاوين الذي يستهدفون النيل منكم ومن جهودكم.