شمس نيوز/ بيت لحم
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن أنه بعد أيام من فوز دونالد ترامب غير المتوقّع بالرئاسة الأمريكية، تسلّل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى اجتماع في "برج ترامب" حضره كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاستراتيجية السابق قبل عزله ستيف بانون، وصهره جاريد كوشنر.
وأوضحت الصحيفة، التي نقلت من كتاب (الدم والنفط: بحث بن سلمان الشرس عن قوّة عالمية) لمراسليها برادلي هوب وجاستين شيك، أن بن زايد شعر براحة استثنائية حين بدأ بانون بالحديث عن "الفرس"، وعن سياسات أوباما الكارثيّة في المنطقة، ما دفع الضيف الإماراتي المتحمس إلى اقتراح تواصل الإدارة الجديدة مع محمد بن سلمان قائلاً: "إنه مفتاح خططك في المنطقة"، قال للمستشار الاستراتيجي.
حلف "المحمدَين" كان بدأ ينضج، بعدما تولى بن زايد أمرَ تضخيم صورة بن سلمان في واشنطن.
وعلى رغم اغتياظ وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، الذي كان يخشى تقويض مكانة ولي العهد السعودي محمد بن نايف، وتكراره أنه لا يمكن الاعتماد على وعود الرياض، ونصيحته كوشنر بتأجيل موعد الزيارة الرئاسية حتى عام 2018، لأن "السعوديين سيخذلونك دائماً"، أصر المستشار على المضي في خطته.
رُتِّب اتصال هاتفي بين ترامب والملك سلمان للإعداد لقِمّة الرياض. اتصالٌ عبّر فيه الأخير عن إعجابه بالرئيس الذي أكّد، من جهته، أنه سيكلّف كوشنر بمسألة الرحلة، على أن يتولّى الأمير محمد ترتيبها سعودياً: "إذا كنت تعتقد أنه لا يقوم بعملٍ جيد (بن سلمان)، يمكنك أن تقول له: أنت مطرود!"، قال سلمان لترامب.
منذ ذلك الحين، توطدت علاقات الثنائي كوشنر - بن سلمان، بعدما استطاع الأخير إقناع الأول بأنه لا يشبه غيره من الأمراء، وبكونه يدرك أهمية عصر ما بعد النفط: المال والتكنولوجيا.
أدرك بن سلمان أنه يمكن إرضاء ترامب من طريق كيل المديح له أولاً، ووضع اسمه على صفقات بمليارات الدولارات ثانياً. وهو فعل ذلك على أكمل صورة، فحصل على معاملة تفضيلية في واشنطن، وضعته فوق المساءلة، وأطلقت يده في التنكيل بكلّ من يعترض طريقه، فكانت "حملة الريتز"، واغتيال جمال خاشقجي، وملاحقة المعارضين واعتقالهم.
قبل جلوس والده على العرش في كانون الثاني/ يناير 2015، لم يكن بن سلمان معروفاً إلا لدى قلّة خارج المملكة، كما أن اسمه لم يكن متداولاً داخلها. من وزارة الدفاع والتحكُّم المطلق في اقتصاد المملكة وامتلاك "كارت بلانش" لإنفاق مليارات الدولارات، إلى إطلاق الحرب على اليمن، أصبح اسم الأمير في وقت قياسي الأكثر ترداداً عالمياً.
ومع إطاحة مقرن بن عبد العزيز في نيسان/ أبريل 2015 من ولاية العهد، صعد بن سلمان إلى المرتبة الثانية في الطريق إلى العرش. إنجازٌ استدعى إقامة احتفالات صاخبة في جزر المالديف، حيث استأجر الأمير وحاشيته جزيرة خاصة لاحتفالات كَلفت 50 مليون دولار، كان يفترض أن تتواصل على مدى شهر، لو لم ينفضح أمرها بعد أقلّ من أسبوع. في ذلك الوقت، بدأ الأمير بشراء "اللعب الثقيلة"، كما نقلت الصحيفة: اشترى يخت "سيرين" الذي يبلغ طوله 439 قدماً بـ429 مليون دولار، وقصراً في فرساي مقابل 300 مليون دولار.
كذلك، توقّف مراسلا الصحيفة عند استيعاب بن سلمان لأهمية منصّات التواصل الاجتماعي في المجتمع السعودي، حيث يمضي أكثر من 60% من الشباب أوقاتهم في الفضاء الإلكتروني. فقرّر أن يستخدم "تويتر" - المنصة الأولى بين السعوديين - ليروّج لـ"الشاب الإصلاحي" الذي يريد القضاء على سلطة رجال الدين المتزمتين، وإعطاء المرأة حقوقها، والإتيان بكل وسائل الترفيه إلى المملكة، في محاولة لكسب شعبية بين شباب المملكة ليصبحوا سلاحه في مواجهة منافسيه على العرش. في الوقت نفسه، كان لا بد من ضمان السيطرة على تلك الأداة حتى لا تتحول إلى سلاح في أيدي أعدائه أو منافسيه.
ومن هنا، بدأت قصة اختراق حسابات "تويتر" من المنبع في "وادي السيليكون" في سان فرانسيسكو، حيث تولّى مساعد ولي العهد السعودي، بدر العساكر، تجنيد أحد مديري الشركة، أحمد أبو عمو، وآخر هو علي آل الزبارة، وما تلى ذلك من تفاصيل ظهرت بالفعل عبر قضية أقامها مكتب التحقيقات الفدرالي، وتمّ نشر الكثير من تفاصيلها في الإعلام الأميركي.
ويورد الكتاب بعض التفاصيل التي تشير إلى إنفاق بن سلمان مليارات الدولارات لاستضافة شخصيات بارزة في عالم المال، من أمثال مديري "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس".
وفي نيسان/ أبريل 2016، ظهر رئيس تحرير وكالة "بلومبرغ"، جون ميكليثويت، على الشاشة ليعلن أن السعودية على وشك تأسيس صندوق استثمار سيادي بقيمة تريليونَي دولار. الصندوق الذي بشّر به ابن سلمان قبل أربع سنوات ونصف سنة، تبلغ قيمة موجوداته نحو 300 مليار دولار فقط، تضعه في المركز الرابع خليجياً بعد صناديق الاستثمار السيادي في الإمارات والكويت وقطر، في مؤشّر واضح إلى الفارق الشاسع بين ما يحلم به الأمير الطموح والواقع. ينسحب هذا أيضاً على "رؤية 2030" نفسها، والتي تسببت، معطوفةً على تداعيات وباء "كورونا" التي فاقمتها حرب أسعار النفط، في وضع حرج للاقتصاد السعودي، وصلت آثاره التقشّفية إلى المواطنين السعوديين.
وبعد الإعلان عن انطلاق ما أطلق عليها اسم "عاصفة الحزم" (العدوان على اليمن) من واشنطن في آذار/ مارس عام 2015، توجّه أنتوني بلنكن، كبير مستشاري نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى الرياض، في مسعى لقراءة الموقف السعودي.
وفي لقاء جمعه بولي العهد آنذاك، محمد بن نايف، وصف الأخير الحرب على اليمن بأنها "رهان خاسر"، على رغم محاولته تفادي الحديث عنها، نظراً إلى أنه لم يكن يعلم بأمرها، وفق ما يؤكّد "مسؤول استخباري كبير" تحدّث إلى المراسلين الأمريكيين. وهي الرواية نفسها التي أكّدها وزير الحرس الوطني السابق، متعب بن عبد الله، لأحد زواره، حين قال إن بن نايف لم يعلم مسبقاً بشأن الحرب، وإن هياكل الحكم في المملكة تتغير.
