الأستاذ: محمد حسن حميد
عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
أقدمت دولتا الإمارات العربية المتحدة والبحرين على خطواتٍ تطبيعية مع العدو الصهيوني، وقد لاقت هذه الخطوات احتفاءً وترحيباً صهيونياً ومباركةً من بعض الدول العربية، وذلك تحت مظلة ورعاية الإدارة الأميركية، وفي ذات التوقيت عبّرت السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية عن رفضها لهذه الخطوات ناعتين إياها بالطعنة في ظهر فلسطين والفلسطينيين واعتبارها إساءةً بالغةً للشهداء والأسرى وجميع المقاومين.
هذه الخطوات السياسية التطبيعية قد يعقبها خطواتٌ مماثلة من دول عربية أخرى خليجية أو غير خليجية، ولا تعدو هذه الخطوات سوى أن تكون مغامرات سياسيةٍ يقوم بها حكام هذه الدول في الوقت الذي لا حاجة لهم بالتطبيع، فلا حدود مشتركةً تجمعهم مع العدو الصهيوني، ولا صعوباتٍ مالية أو اقتصادية يمرون بها، بل إن مواردهم المالية والاقتصادية وافرة، ولا كثافاتٍ سكانية في تلك الدول تثقل نموها الاقتصادي، فالواقع يقول أن هاتين الدولتين المطبعتين من الدول الرائدة في أسواق المال والأعمال على مستوى العالم، وبالتالي لا حاجة ملّحة لتلك الدول لهذه الخطوات السياسية غير المبررة.
في جميع الأحوال، سيكتشف قادة هذه الدول المطبعة أن هذه الخطوات التي أرادوها لأنفسهم لن ينتج عنها استقرارٌ سياسي أو اقتصادي، بل إنها ستورد ضنكاً وهماً وخسراناً، وستؤدي إلى زلزلة شرعية حكامها نتيجةً لانكشاف توجهاتهم السياسية ووضوح عدميتهم الأخلاقية والقانونية والشعبية، فمن جعل إسرائيل وأميركا غطاءً له، لم يعد عليه ذلك إلا بمزيدٍ من الانكشاف.
وإن كان هذا التطبيع غير ذي فائدة لهذه الدول، فإنه يصب في مصلحة القوى الاستعمارية الاستراتيجية، فلدى المنظومة الغربية أولوياتٌ في المنطقة متمثلةٌ في الحفاظ على أمن دولة العدو الذي سيفضي مآلاً إلى السيطرة على طرق الملاحة البحرية والجوية في المنطقة وتأمين مصادر الطاقة، وما يستلزمه ذلك من ضرورة محاربة ومحاصرة محور المقاومة وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية في إيران التي تحمل لواء التصدي للتواجد الغربي بالمنطقة.
في ظل هذه التحديات، يقف التيار الإصلاحي الذي يتزعمه النائب/ محمد دحلان أمام تحدٍ بارز، فدحلان الذي كان أحد قادة الشبيبة الفتحاوية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وعمل قائداً لجهار الأمن الوقائي ومستشاراً سياسياً للرئيس الراحل/ ياسر عرفات، والذي دخل في صراعٍ مع بعض شركائه في حركة فتح أفضى إلى فصله من الحركة وتأسيسه التيار الإصلاحي الديموقراطي داخل حركة فتح وتمكن من حشد الآلاف من أبناء حركة فتح في غزة والضفة الغربية وفي أماكن التجمع الفلسطينية في الشتات والذي يرى نفسه جزءاً أصيلاً من حركة فتح، فلا توجد فروقاتٌ تذكر بين التيار وبين حركة فتح على المستوى الفكري سوى في بعض التفاصيل الداخلية التنظيمية، وبذلك تكون الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين جزءٌ من الإطار الفكري لقيادة هذا التيار.
هذا التحدي الذي يواجه التيار الإصلاحي وتوجهه الفكري متمثلٌ في إقدام دولة الإمارات العربية المتحدة على خطواتها التطبيعية دون التفاتٍ إلى مبادرة السلام العربية ولا إلى اتفاق المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة العدو، فهذه الخطوة تفرض على قيادة التيار تحديد موقف حاسم تجاه الخطوة الإمارتية التي لا تحظى تأييداً فلسطينياً بالمطلق ويعتبرها الكل الفلسطيني حياداً عن الالتزام العربي تجاه القضة الفلسطينية.
فطموحات التيار الإصلاحي كبيرةٌ لقيادة الشعب الفلسطيني، وموقفه من هذه الخطوات ستدخله في منعطفٍ بالغ الخطورة، فتقارير الصحف العبرية التي تربط دحلان باتفاق التطبيع الإماراتي وصمت التيار عنها وغياب الرد الحاسم على الخطوة الإمارتية واستمرار علاقته الطيبة معها سيؤثر على مصداقيته أمام المجموع الفلسطيني، فلا بد من تحديد العلاقة وتوضيحها للمواطن الفلسطيني الذي يراقب تطورات الأمور رغم معاناته الإنسانية والاقتصادية الكبيرة في ظل الحصار والاحتلال، لا أدري ماذا ستكشف قادم الأيام، ولكن الشعارات السياسية التي ينادي بها التيار الإصلاحي طيلة فترة نشوئه وعمله على المحك حالياً، ولا ندري أين ستسير الأمور، لكن الأمر اليقين والجواب على هذه التساؤلات موجود لدى قيادة التيار الإصلاحي ومستشاريها السياسيين والاقتصاديين، في ظل علاقات التمويل والشراكة السياسية التي يعرفها المواطن الفلسطيني منذ نشأة التيار الإصلاحي وبين دولة الإمارات، وأظن أن الإجابة لا يصح أن تطول أكثر من ذلك.