بقلم/سفيان قديح
حروبٌ وهميةُ، وانتصاراتٌ كرتونيّة، وكأنه سلامٌ بينَ دولٍ قد نشبت بينها حروبٌ منذ عقود.
جلسَ الجميعُ على طاولةٍ واحدةٍ للتوقيع، تفقدَ الجميعُ بعضهم بعضاً، الآن مشهدُ التمثيل قد اكتمل.
في حينها كان الإعلام العالمي يقول أين صاحبُ القضيةِ الحقيقي؟
هو الغائبُ عن المشهدِ إنّه الفلسطيني صاحب القضية وصاحب الحق، لأنهم يعلمون جيداً أن الذين وقعوا على هذا الاتفاق لا يملكون حلاً حقيقياً للصراع العربي الإسرائيلي، ولا يملكون أي مكامنَ للقوةِ في هذا الاتفاق، فهو اتفاقٌ صُوريّ لتحسينِ صورةِ نتنياهو أمامَ الجمهور الإسرائيلي. ليظهرَ كالمنتصرِ مع حليفه ترامب، فهو الذي تلاحقُه الفضائحُ الجنسية المُسربة والتهرب الضريبي وصندوق الاقتراع عما قريب هو الفيصل والحكم.
لفت انتباهي في كلمات الحضور وأعدتها مراراً وتكراراً كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال فيها: "لقد عملتُ جاهداّ من أجل إسرائيل قويةً وقويةً للغاية؛ لأن التاريخَ أكّدَ أنّ القوةَ تجلبُ الأمنَ والحُلفاءَ، وكما قال ترامب القوةَ تجلبُ السلام".
تمعنت جيداً في هذه الكلمات وفهمت منها أن إسرائيل تجرُّهم جرَّ البعيرِ إلى طاولة التوقيع والتطبيع.
دعونا – الآن - من الابتساماتِ المصطنعةِ التي كان يُوزعها الوزير الإماراتي، ولنذهب للسؤال الغريب الذي سأله الوزير البحريني الذي ما إن حطت رحاله في البيتِ الأبيض قد سأل ما هي بنودُ الاتفاق؟
مهزلةُ العربِ أنهم يوقعون بلغةِ عدوهم التي لا يفقهُونها وعدوهم يوقع باللغة التي يريد.
نرجع للوراء قليلاً لنتذكرَ الاتفاقيات التي وقعها العرب من قبل حتى نتأكدَ أنها لم تجلب للعربِ أيُّ نفعٍ حقيقي؟!
*معاهدة كامب ديفيد وقعها الراحل أنور السادات عام 1979 والتي لاقت استنكاراً عربياً قوياً وكبيراً حينما كان العرب يعتبرون إسرائيل كِياناً مغتصباً لا يمكن القبول به، وعلى إثرها تم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية وسحب السفراء بينها وبين الدول الرافضة للاتفاق؛ لأنهم اعتبروها طعنةً في ظهر العرب لما كانت تمثله مصر من مكانةٍ قويةٍ لدى نفوس العرب في حينها.
وقد ذكر بنيامين بن أليعازر، وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق أن التعاون بيننا وبين مصر يتجاوز التعاون الاستراتيجي."
ولما سُئلَ الرئيس الراحل ياسر عرفات في حينها عن اتفاقية السلام مع مصر فأجاب: " دعهم يوقعون ما يحلو لهم. السلامُ المزيفُ لن يدومَ"
* معاهدة وادي عربة: وهي معاهدةُ سلامٍ وُقعت بين الأردن والكيان الصهيوني عام 1994. طَبَعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهم تحت مسمى السلام والتعايش.
إسرائيل التي لم تحترمْ هذه الاتفاقية يوماً ما، فسرعان ما أدى الاتفاق إلى نتائج عكسية من قبل الكيان الصهيوني المعهود عليه بذلك، فأثارت تصرفاتُ إسرائيل خلال ذلك الوقت ما كان في مذبحة قانا عام 1996 في جنوب لبنان، وقرار الحكومة الصهيونية في حينها بناء مستوطنات في مدينة القدس، وأحداث هَبّة النفق بعد حفر إسرائيل مجموعة من الأنفاق تحت المسجد الأقصى – ضجةً من الانتقادات لنتنياهو في العالم العربي، ولا ننسى الحادثة الشهيرة في 25 سبتمبر 1997 من محاولةٍ لاغتيال الأستاذ خالد مشعل -أبو الوليد- من قِبل المُوساد الإسرائيلي والتي كانت علامةً فارقةً في العلاقة مع المملكة الأردنية والتي على إثرها هدد الملك حسين بسحب الاتفاقية إنْ لم يعطَ أبا الوليد الترياق المضاد للسم وعلى إثرها -أيضاً- تم الافراج عن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله.
*اتفاقية أوسلوا التي سأختصر في سردها ذلك بأنه لم يكن لها أي بندٍ إيجابي لصالح القضية الفلسطينية والتي كشفت الأيام أن ياسر عرفات كان مجبراً عليها، ذلك بأن الدُّول العربية بدأت توقيعَ معاهداتِ تطبيع مع الصهاينة وهي من أجبرته على ذلك؛ حتى أنه في اجتماع المنظمة واللجنة المركزية في تونس في حينها، قال لهم هذا الاتفاق اتفاقُ عمالةٍ ولصالحِ الصهاينة. ولكن هذا ما رسمه العرب والصهاينة برعاية أمريكا ولن أحصل على أفضل من ذلك.
وها هي السلطة الفلسطينية بعد أن قدمت كل ما يلزم منها، بِيعت في سوقِ نخاسةٍ بعد 27 عام على اتفاقية أوسلوا المشؤومة التي حولت بعض أجهزة السلطة الفلسطينية من حراسِ وطنٍ إلى حراس مستوطنات تحت مسمى التنسيق الأمني.
وبعد 27 عاماً على آخر اتفاقيات الذل والعار مع الكيان الصهيوني والمتمعن للمشهد أن الدول العربية لم تجنِ أي منفعةٍ لها ولا للقضية الفلسطينية من خلف تلك المعاهدات، بل أوصلت القضية الفلسطينية الى مرحلة الحضيض.
تفاجأ الجميع باتفاق ابراهام بين الإمارات والبحرين من جهة والكيان الغاصب من جهة أخرى تحت مسمى "التعايش والسلام"، وطَيِّ صفحاتِ الماضي وصناعة الجيل الجديد والقضية الجديدة.
لا أعلم، ماذا يقصد وزير داخلية البحرين بقوله نُؤسس لجيلٍ جديدٍ، وقضيةٍ جديدة. فهل هناك قضية للعرب غير القضية الفلسطينية التي هي لُبُّ الصراع بين العرب والصهاينة منذ 70عاماً؟!
أم أن فلسطين أصبحت لا تعنيهم البتة لا من قريب ولا من بعيد.
الشاهد في هذا كله ومما سردناه من مختصر الاتفاقيات أن اسرائيلَ لا تحترمُ أي اتفاقيةٍ، وتتعامل مع أي اتفاقية من منظورِ منفعةٍ أمنية فقط لا غير. بل وتعتبر أي اتفاقية تحصيل حاصل من أجل أمنها، وأن الأمن الإسرائيلي لا تحده حدود ولا تُوقِفُه اتفاقيات هنا أو هناك. ولهذا كان خطاب نتنياهو في حد ذاته نوعاً من الزعرنة والمراهقة السياسية، فهو رسالةُ تهديد لا رسالة سلام للمطبعين بقوله إن القوةَ تجلب الجميع إلينا وبمباركة أمريكية، وبدعمٍ لا محدودَ..
فهل ستلتحق بقية الدول العربية في ركبِ التطبيع مع الكيان ؟
هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.