قائمة الموقع

لا تسمحوا باقتلاع "الساموراي"!

2020-10-24T11:05:00+03:00
علم فلسطين ..jpg

بقلم الإعلامي/ عوض أبو دقة

بالقدر يوم أمس الجمعة، وأنا أُقلِّب شاشة التلفزة، بعد تناولي وجبة الغذاء، استوقفني على قناة mbc2 فيلم The Last Samurai، بطولة "توم كروز"، وإخراج "إدوارد زويك"، والذي حَضَرتُه عدة مرات في السابق، ولم أمَّل من متابعته حتى النهاية.

كان الفيلم في المحطة الأخيرة، وهي الأكثر تشويقاً فيه، حيث المعركةُ التي يموت فيها "الساموراي" الأخير، وهو قائد الفرسان والمحاربين القدامى اليابانيين، بعد مواجهةٍ ضارية مع جيش الحداثة الياباني، الذي استورد المدافع والأسلحة المتطورة للتو من الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا ما أردنا التأصيلَ لكلمة "الساموراي"، فهذا لقبٌ يُطلقه اليابانيون على المحاربين والفرسان الشجعان، والكلمةُ تعني باللغة اليابانية (من يضعُ نفسه في خدمة الشعب)، حيث كان معروفاً عنهم فنونهم ومهاراتهم القتالية العالية، والتي جعلتهم إلى جانب مزايا عديدة، في صدارة المشهد لأكثر من سبعة قرون.

ويُعرف عن "الساموراي" كذلك أنهم يعملون بقواعد قتالية صارمة، حيث أثبتوا ضراوةً في الحروب التي خاضوعها، وأخلاقاً عالية في التعامل، إضافةً لتمتعهم بثقافةٍ ووعي يُنشئون عليه أبناءهم منذ الصغر، كل ذلك جعل منهم محاربين أشداء، يصدون الغزاة والأخطار التي تتهدد وطنهم وشعبهم.

أدرك الأعداءُ صلابة ومهارة هؤلاء المحاربين، واستحالة اختراق الجدار المنيع الذي يُمثلونه بالمواجهة والحروب، كي يهيمنوا على اليابان، ويسلبوا خيراته، فحاكوا مؤامرةً مركبةً ضد "السامواري".

تبدأ فصول هذه المؤامرة بشخصية خيانية، وليست أي شخصية، حيث درس الأعداءُ جيداً بيئة إمبراطور اليابان اليافع "ميجي"، والشخصيات التي تؤثر فيه، وفي قراراته، ليستقر الأمرُ عند الوزير "أومورو"، الذي عرفوا ضعفه باتجاه المال، فاشتروا ذمته، وبدأ هذا الخائنُ بتنفيذ مخططهم اللعين من خلال سلسلة خطوات مدروسة جيداً، قادت في النهاية لسحق درع اليابان الحامي.

نفثَ الوزيرُ الخائنُ في رأس الإمبراطور الفَتِيُّ أهمية تدريب الجيش الياباني، وتسليحه بمعدات ووسائل عسكرية متطورة، ليكون بمواصفات عصرية، ولا يستطيع أحد هزيمته، فوافق دون تردد، وجاءوا بالنقيب في الجيش الأمريكي "نايثن ألغرين" - الذي جسد شخصيته في الفيلم "توم كروز"- لتدريب الجيش الياباني، وطُلب منه الإسراع بالمهمة، التي يتخللها تأهيل الجنود لاستخدام الأسلحة الحديثة.

قبل ذلك، كان النقيبُ "نايثن" يعيش هماً وجحيماً جعله يُدمن على شُرب الخمر، حيث شارك في سحق وإبادة الهنود الحمر، السُكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية، وكان ممن صنعوا مشاهد القتل والدمار الذي حلَّ، فأخذ يراجع ما أقدم عليه، ويندمُ على مشاركته بتلك الجرائم الفظيعة، فكان يهربُ من ذلك كله إلى السُكر، وعندما تم استدعاؤه لتدريب الجيش الياباني لم يتردد، هروباً مما هو فيه. وكان معروفاً عن هذا الضابط الأمريكي حرصه وتميزه - لذلك وقع عليه الاختيار - وأخذ يسابق الزمن لإنجاز المهمة الموكلة إليه.

عاش النقيب "نايثن" المشهد بتفاصيله مع اليابانيين لعدة أشهر، وعندما جاءت الأوامر من بلاده للوزير الخائن، بدأ بتعبئة الإمبراطور بأن يُواجه الجيش الياباني - المُدرَّب جيداً- محاربي "الساموراي" تحت حجج وذرائع واهية، منها تصديهم بقوة لمظاهر الحداثة. هنا انحاز الضابطُ الأمريكي للحق والصواب - بعد أسره من قبل "الساموراي" لقتله أحدهم، حيث رأى طريقة معاملتهم النبيلة له - وهو ما افتقده من روح وهو يقتل الهنود الحمر بلا شفقة أو رحمة.

دارت المواجهة - ولن استرسل في التفاصيل-، وجاءت الأوامر للجيش الياباني بقتل جميع محاربي "الساموراي" كونهم يشكلون خطراً على الوطن والإمبراطور!!، حيث كان عناصر ذلك الجيش المُدججين بأحدث الأسلحة ينفذون الأوامر وهم يبكون ألماً وحرقةً على هؤلاء المحاربين الشجعان، الذين لطالما قرأوا وعاشوا تفاصيل بطولاتهم وتضحياتهم. وكان الضابطُ الأمريكي في ميدان المعركة مع قائد "الساموراي"، حيث ظلا في الميدان حتى آخر لحظة، قبل أن يَقتلَ القائدُ نفسه بسيفه بعد إصابته البليغة، مُفضلاً هذه الميتة على أن يقع أسيراً، لينجو الضابط "نايثن" فقط من هذه الإبادة الجماعية - التي عاش وقائعها هذه المرّة، ولكن ليس كما في السابق- حيث طلبَ الإمبراطور حضوره فوراً، ليدخل عليه وهو يحملُ سيف قائد "الساموراي" الذي مات بين يديه، فوضع ذلك السيف بين يدي الإمبراطور، وقال له بأن وصيته لك بأن "تحافظ على هذا السيف، الذي تَعاقب على حمله أجدادك وآبائك، وحموا به الوطن". هنا بدأ الإمبراطور بالتأثر، ومراجعة نفسه، وعندما حاول وزيرُه الخائن مقاطعةَ الضابط الأمريكي في حديثه، تم طرده. وقال الإمبراطور للنقيب بعد أن جثا على ركبتيه أمامه: Tell me How he died?(أخبرني كيف مات؟)، فرد عليه: I want to tell you how he lived?. (سأخبرك كيف عاش؟!).

بلا شك التفاصيل والوقائع كثيرة، بل ومثيرةٌ جداً، وهذه أبرز المحطات الهامة في الحكاية، التي نستلهمُ منها دروساً غايةً في الأهمية، ويمكن إسقاطها على واقعنا، نذكر منها:-

• أن الأمة يجب ألا تسمح بأيِّ حالٍ من الأحوال أن يُؤكل أيٌّ من مكوناتها، لاسيما أولئك الأحرار الشجعان الذين يواجهون الأخطار التي تتهددها، ويدافعون ببسالة وعزيمة عن أرضها ومقدساتها.

• إن مجرد القبول باستهداف المقاومة الفلسطينية، وليس ممارسة ذلك كما تفعل بعض الأنظمة العربية التي انزلقت في وحل التطبيع مع المحتل الإسرائيلي، سيُسهل على العدو تمرير مؤامراته ضد شعوب تلك البلدان، ونهب ثرواتهم، حينها سيتذكرون، لكن في الوقت الضائع مقولة: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

• المواكبة والتطور أمرٌ هام، لتعزيز قوة المجتمعات وتحصينها من الأخطار والتحديات، لكن يجب أن نتنبه هنا جيداً ونحذر من محاولات أعدائنا نخر صفوفنا من خلال إشاعة وإحلال مفردات ظاهرها برَّاق ومُلهم، ومحتواها يقودنا لأبعاد خطيرة ك"الحداثة" و"ضخ دماء جديدة".. إلخ، بحيث يوصلنا ذلك في النهاية، إلى الانقلاب على قيمنا وتاريخنا وتراثنا والفتك بمجتمعاتنا.

• لاشك أن ديننا يحضنا ويحثنا باستمرار على تعزيز قيم: التسامح، والتواضع، والعطاء، والتضحية، ورص الصفوف .. إلخ، وهذه القيم تجعلنا في الصدارة دوماً، لذلك تنبّه أعداؤنا جيداً لهذا الأمر الذي يعزز قوتنا ويبدد أحلامهم، فعملوا وفق منهجية واضحة، لإفراغ أجيالنا من محتواهم القيمي، من خلال الترويج لمصطلحات ومفاهيم ظاهرها عظيم، وباطنها منافٍ لذلك، نذكر منها دعوتهم ل "تعزيز الديمقراطية"، و"حقوق الإنسان"، و"حرية الرأي والتعبير"، و"إرساء ثقافة السلام والتعايش"، ودعوات تحرر المرأة، ومساواتها مع الرجل في الميراث.. إلخ، لتكون هذه يافطات يَسهلُ من خلالها تَسلُلهم لمجتمعاتنا، بهدف زعزعتنا، وكي وعي أجيالنا.

• أن القائد يجب يكون حكيماً ورصيناً، ولا تؤثر في قراراته شخصية ما أو موقف معين (كرد فعل عليه)، بل يجب أن يكون قراره مدروساً بعمق، ومن كافة الأبعاد والنواحي، حتى لا يقع فريسة المخططات والدسائس أو الأحقاد والنزوات؛ وعليه فإن القيادة الرشيدة تُقرب منها بطانة خير، وكياسة، وصبر، تُعينها، ولا تُعِينُ عليها.

• نتعلم من حكاية "الساموراي"، أننا يجب أن نتسلح بالوعي، وألا نسمح لأنفسنا بأن نشارك أو نصمت على إقصاء أو تحييد الشجعان، ومن دفعوا ضريبة الانتماء، والمواجهة، من المشهد، لأن ذلك سيُسهِل الطريق أمام أعدائنا لسحقنا واحداً تلو الآخر. وعلينا الانتباه جيداً من كون السماح بأن يُسحق المحاربون الأطهار - تحت مبررات نُغلَّب فيها مصالح مؤقتة وطارئة تارةً، وتنطلي فيها علينا تارةً أخرى ذرائع واهية أو أن نستمع لوشايات وتقارير مُغرضة - سيكشف جبهتنا في النهاية، ويجعلها مستباحة.

• يجب أن نحذر من محاولات شق الصفوف، وافتعال الفتن في أوقات حساسة -كالتي نعيشها اليوم حينما نتحدث عن وحدة الصف لمواجهة الأخطار التي تتهدد قضيتنا الوطنية- فكل ذلك يقف وراءه أعداؤنا لحرف أنظارنا عنهم، وإشغالنا بإشكاليات متواصلة، تستنزف أوقاتنا وجهودنا وإمكانياتنا وطاقات أبنائنا.

• علينا أن نكون حذرين ومتنبهين من أي دعوات أو رؤى تحرفنا عن عقيدتنا، أو قيمنا، أو مبادئنا، أو هويتنا، أو تراثنا، فمن شأن ذلك أن يُمهِد الطريق لانسلاخنا، وزعزعة صفنا، وضربنا في مقتل.. فرجائي، لا تسمحوا باقتلاع "السامواري"، وهنا أقصد المعنى الأعمق للمصطلح، (الجدران المنيعة التي تتكسر عليها مؤامرات الأعداء).

* ملاحظة/ كلامي هذا لا أخصُ به فصيلاً أو مؤسسة بعينها، بل هو موجه لكافة قطاعات وأطر ومؤسسات وقوى شعبنا، واللبيبُ بالإشارةِ يَفهمُ.

اخبار ذات صلة