بقلم: أفيحاي ستولر
سينظر سكان المستوطنة الاسرائيلية في الخليل الى الوراء، الى 13 نيسان 2014، ويتذكرون في ابتسامة كيف نجحوا مرة اخرى في خداع دولة كاملة. إن مجموعة المستوطنين التي دخلت الاسبوع الماضي بيت عائلة الرجبي في الخليل وسيطرت عليه بموافقة وزير الدفاع، هي علامة على بدء فصل جديد في قصة الاستيطان اليهودي في مدينة الآباء. وقد مرت ثلاثة عقود منذ أنشئت آخر مستوطنة بين الاربع القائمة، وبين المستوطنون هذا الاسبوع أنهم يرون أن الاستيلاء على المدينة الفلسطينية لم يتم بعد.
لكن ليس في ذلك أي جديد في واقع الامر، فقد استعاد قادة المستوطنين، في رمزية متعمدة الحيلة التي استخدمت لإنشاء المستوطنة في عيد الفصح في 1968. ففي ذلك الوقت بعد احتلال اسرائيل الضفة الغربية في حرب الايام الستة بأشهر معدودة توجه الحاخام موشيه لفنغر الى ممثلي الحكومة وطلب تعييد عيد الفصح في الخليل مع عدد من مؤيديه. واستجابت الحكومة للطلب ودعا لفنغر ورفاقه الجمهور الى الاحتفال بعيد الفصح معهم. وأضافوا طلبا صغيرا الى الاعلان الذي نشروه في صحف الصهيونية المتدينة وهو: "أحضروا ثلاجات!".
لم تكن الثلاجات ضرورية للاحتفال بالعيد نفسه، لكن الطلب كشف عن خطة المنظمين وهي الاستعداد لبقاء طويل. ومع انقضاء العيد رفض لفنغر ومؤيدوه مغادرة المكان وتركوا وزراء الحكومة في حيرة ودهشة. وهكذا مُهدت الطريق لإنشاء المستوطنة اليهودية في قلب المدينة الفلسطينية الخليل. واستسلمت الدولة لمطالب المستوطنين فسُمح لهم بالبقاء في المدينة، وفي العقد الذي تلا ذلك ثنوا مرة بعد اخرى أيدي حكومات اسرائيل. وفي نهاية المطاف حظي مستوطنو الخليل باعتراف رسمي كما طلبوا وبدأت الاحياء الاسرائيلية تنشأ في قلب اليهود في ثمانينيات القرن الماضي.
إن وجود المستوطنة الاسرائيلية الصغيرة في قلب الخليل التي هي أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية، يجبي ثمنا باهظا. فهياج عنف المستوطنين وعدم اجراء القانون عليهم، وسياسة الفصل الاسرائيلية التي لا يجوز للفلسطينيين جراءها التنقل في مركز الخليل، ونشاط الجيش في الاحياء الفلسطينية حول نقاط الاستيطان – كل ذلك أفرغ قلب مدينة الخليل من سكانه الفلسطينيين. فالمركز التجاري في الخليل الذي كان مركزا ثقافيا واجتماعيا لأكثر من نصف مليون من سكان المنطقة، يقوم خاويا اليوم. وأما ابواب المصالح الفلسطينية التي أغلقت بأوامر عسكرية فتلطخها صور نجمة داود الحمراء وكتابات شتم هي من فعل أيدي المستوطنين.
وصف ضابط في لواء الشباب الطلائعيين حياة الفلسطينيين اليومية أمام منظمة "نكسر الصمت" بالكلمات التالية: "الفلسطينيون هناك خانعون ويعلمون ذلك. ويعني ذلك أنهم يعلمون أنه يوجد الآن دورية القصبة... وهم يعلمون أن دورية الجيش الاسرائيلي وصلت فينتقلون. وهم يعلمون أنني استطيع أن أدخل بيوتهم وقد تعودوا على ذلك. وقد مر الجنود هناك بكل بيت آلاف المرات".
إن الاعلام الكبيرة التي علقها السكان الجدد فوق بيت الرجبي تغطيها عبارة "بيت السلام"، لكن المستوطنة الجديدة تُنبيء بكل شيء سوى السلام. ومع المعنى السياسي لإنشاء مستوطنة جديدة في الخليل، لاول مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تحمل نذير سوء الى سكان المدينة الفلسطينيين. فكما حدث بالضبط وقت انشاء المستوطنات السابقة في المدينة، سيأتي مع المستوطنين في حال المستوطنة الجديدة ايضا قيود على الحركة، والدوريات العسكرية بين البيوت وعنف المستوطنين.
أصبح من الجائز اليوم سفر 24 سيارة فلسطينية فقط في الشارع بالقرب من بيت الرجبي، وهي لأشخاص خاصين. ومن المنطق أن نفرض أن هذه التحديدات ستتسع لتنفيذ مبدأ الفصل الذي تعمل بحسبه قوات الامن الاسرائيلية في الخليل. إن سكن بيت الرجبي سيفضي في واقع الامر الى إفراغ الحي الفلسطيني حوله. وليست هذه نبوءة غضب داحضة لأنه يمكن أن نشهد ذلك في التاريخ الذي يكرر نفسه.
ما كان في فصح 1968 كان في فصح 2014، فالمستوطنون يثنون يد حكومة اسرائيل ويدقون إسفينا آخر في قلب الخليل. وقد شهد على كلفة الاستيطان في المدينة مئات من جنود الجيش الاسرائيلي أمام "نكسر الصمت". فهكذا وصف أمامنا جندي خدم في المدينة الحياة اليومية في عيد الفصح: "في عيد الفصح يأتي يهود كثيرون ويوجد حفل للعرب في ذلك الوقت بالضبط وكان يجب أن نكون هناك في بيت (فلسطيني) يومين أو ثلاثة... نصل في السادسة صباحا ويصل قائدنا الذي لا يعرف العربية ويقول للعائلة إنه يجب أن يخرجوا من البيت. وهم لا يفهمون ما يريد ولا يريدون الخروج، فهم عائلة كبيرة في داخل البيت، وهم ناس كثيرون، فيصيح بهم ويكون ذلك غبيا حقا... فنخرجهم 48 ساعة، ماذا يفعلون؟ هل يذهبون الى الجيران؟".
إن الصورة التي تظهر من الميدان يجب أن تثير غضب كل انسان يعز عليه العدل وحقوق الانسان لأن قصة المستوطنة اليهودية في الخليل ليست قصة العلاقة التاريخية اليهودية بالمدينة بل هي قصة الثمن الفظيع الذي نجبيه بل ندفعه، للإبقاء على مستوطنة اسرائيلية في قلب مدينة فلسطينية خاضعة لنظام عسكري. والحال في 2014 كما كانت في 1968 فان بضع عشرات المستوطنين يحددون لدولة كاملة برنامج عمل عنيفا مخيبا للرجاء، ويجبون ثمنا لا يُعقل من الفلسطينيين في المدينة.