شمس نيوز/ غزة
أكد المفكر والسياسي الفلسطيني البروفيسور سامي العريان، أن الولايات المتحدة لا تريد لأي قوة أن تنافسها على الإطلاق، حتى تحافظ على مصالحها، مشدداً على أنها تريد بقاء النظام الذي بنته، كما هو، دون أن يتغير.
جاء ذلك خلال ندوة سياسية هامة، بعنوان: (الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على القضية الفلسطينية) عبر تطبيق Zoom، تابعتها "شمس نيوز".
وأوضح البروفيسور العريان أن قوة أمريكا تكمن بسيطرة الدولار على العالم، وهنا تأتي أهمية الخليج، كونه يُصدر منه 40% من النفط، وهذا النفط الذي يتواجد في دول محدودة، كإيران والعراق ودول الخليج، يعد السلعة اليومية التي يريدها العالم وبالتالي، عندما أوقفت أمريكا ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، كان لابد أن يعوض ذلك بآخر، وهو بيع النفط بالدولار، وبالتالي سيكون هناك طلب كبير على الدولار.
وأشار الى أن الولايات تعتبر نفسها دولة عظمى، بمعنى أن لديها استراتيجيات عظمى، واستراتيجيات كبيرة حول العالم، وأنها لابد في كل سياساتها أن تراعي مثل هذه الاستراتيجيات.
وعدد البروفيسور العريان، من ضمن استراتيجيات الولايات المتحدة العظمى، الهيمنة الكاملة أو التامة على العالم، منذ بدايات القرن الـ 20، حيث كان هناك بعض المهددات الإستراتيجية التي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تخرج بها كونها دولة ولدت قبل ذلك بقرن، ثم أرادات أن تهيمن على إقليمها، ثم خرجت على العالم بغرض الهيمنة، ثم تحققت لها هذه الهينة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أسست لمنظومة عالمية أرادت أن تتحكم في مفاصلها.
وقال "كانت الولايات المتحدة تريد أن تتفرد بهيمنتها على العالم، ثم ظهرت الصين بعد ذلك لتنافسها".
وأضاف "بالنسبة للولايات المتحدة، فهناك ثلاثة مراكز استراتيجية، لا تريد لإحدى الدول أو القوى، أن تكون مهيمنة فيها، لأنه يمكن أن يؤثر على مصالحها، فلو هيمنت مثل هذه الدول في إقليمها يمكن أن تخرج عن إقليمها ويؤثر على النفوذ الأمريكي، ولعل أفضل مثال عام 1961 عندما نصب الاتحاد السوفييتي الصواريخ النووية على أراضي كوبا، وكادت أن تقوم حرب نووية لولا تدارك الأمر بأن سحبت أمريكا صواريخها".
ونوه البروفيسور العريان إلى أن هذه الثلاثة مناطق لأمريكا وقت الحرب الباردة، هي أوروبا لأنها كانت ساحة الصراع بينها وبين الاتحاد السوفييتي، ثم منطقة الخليج العربي، وشرق آسيا التي تشهد صعود القوة الصينية في هذه المنطقة.
ولفت إلى أنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي تقريباً تبدلت هذه المواقع، وأصبحت المنطقة الاستراتيجية الكبرى لأمريكا التي تريد أن تهتم بها، لمنع تصاعد القوة الصينية، هي منطقة شرق آسيا، تحديداً في بحر الصين الشرقي والجنوبي، ومازالت منطقة الخليج والشرق الأوسط الثانية، وتراجعت أوروبا للمركز الثالث.
وكشف البروفيسور العريان عن كون الولايات المتحدة تسيطر حالياً على نحو 62% من احتياطي النقد العالمي، وبالتالي هي الدولة الوحيدة المخولة بطباعة الدولار وقتما تشاء، ولا تتأثر عملتها، فيما حجم الدين العام لأمريكا 26 تريليون دولار.
وشدد على أن أمريكا تعمل على ألا يكون هناك قوة منافسة لها، كي لا تغير من هذه المعادلة.
وتطرق البروفيسور العريان، إلى وضع "إسرائيل" في هذه المنظومة، موضحاً أنها تعتبر العصا التي يمكن أن تضرب بها أمريكا أي قوة تريد الصعود في هذه المنطقة.
وتابع يقول "أمريكا منذ أيام نيكسون لا تريد أن يكون لها وجود عسكري مباشر، وقد اعتمدت قبل الثورة الإسلامية في إيران على وجود شرطي محلي المتمثل بنظام "الشاهنشهاه"، وهذا كان يعتمد على وجود "إسرائيل" أيضاً".
وزاد البروفيسور العريان "بعد سقوط الاتحاد السوفييتي خفف ذلك من الحمل على أمريكا بألا يكون لها تواجد عسكري ضخم، واقتصرت على وجود 800 قاعدة عسكرية حول العالم".
ونوه إلى أن هناك بعض الدول التي يمكن أن تسبب قلقاً لأمريكيا مثل تركيا وإيران، لكنها في ذات الوقت تستفيد من هذه الدول لضبط الإيقاع، حتى لا يكون هناك تهديد مباشر لمصالحها.
وبحسب البروفيسور العريان فإن ""إسرائيل" ليست فقط ذخر استراتيجي لأمريكا، بمعنى أنها شرطي يمكن أن يحافظ على المعادلة التي تريدها في الشرق الأوسط، ويحافظ على مصالحها، لكنها قضية داخلية في الولايات المتحدة"، موضحاً أن هناك قوة سياسية واقتصادية كبيرة داخل الولايات المتحدة تدعم وجودها، وهذا ما يميز "إسرائيل" عن غيرها من الدول الأخرى، بمعنى أن الصهيونية المسحية متجذرة في الولايات المتحدة، وتستطيع أن تؤثر على الكثير من القرارات التي يمكن أن تتخذها أمريكا داخليًا.
ومضى البروفيسور العريان "وبالتالي استطاعت هذه القوى الصهيونية داخل المجتمع الأمريكي أن يكون لها نفوذاً كبيراً داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي".
ووفقاً للبروفيسور العريان فإن أحد الداعمين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شخصية صهيونية مهمة في أمريكا، لها مصلحة سياسية في قضية القدس والمستوطنات، وهو صهيوني متطرف متزوج إسرائيلية، وعنده ممتلكات وصحف داخل فلسطين المحتلة، مبيناً أن هذه الشخصية أعطت 100 مليون دولار لترامب عام 2016 مقابل أن تنتقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقد حدث ذلك.
كما نوه البروفيسور العريان إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح بحال لهذه المنطقة أن تتوحد وتقوى، مشيراً إلى أن أوضح مثال على ذلك، ما حدث للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي كان يريد أن يغير بيع النفط من الدولار إلى اليورو.
ورأى المفكر والسياسي الفلسطيني أن هامش المناورة بداخل أمريكا في الموضوع الإسرائيلي محدود.
وحول الانتخابات الأمريكية، أشار البروفيسور العريان إلى أننا نقف أمام مرشحين، هما جو بايدن ودونالد ترامب، مبيناً أن الأخير يريد أن يُصفي القضية الفلسطينية، والشواهد كثيرة جدًا، (موضوع نقل السفارة والضم والتطبيع وقطع المساعدات وطرد منظمة التحرير من واشنطن)، وبالتالي إذا أعيد انتخاب ترامب، لا استبعد أن يكون هناك تأثير حقيقي داخل السلطة إذا رفضت التعامل مع "صفقة القرن"، وتحويل القضية الفلسطينية -كما ذكر أحد الخبراء الإسرائيليين - إلى الإمارات الفلسطينية المتحدة، كما كان ذلك في جنوب إفريقيا، إمارة في الخليل، وأخرى في جنين، وثالثة في طولكرم، ورابعة في رام الله وهكذا، وهذا يعني بوضوح إنهاء السلطة الفلسطينية، وإعادة تفعيلها بنظام آخر.
كما لفت البروفيسور العريان إلى أن ترامب يريد أن يوصل بذلك الشعب الفلسطيني إلى أنه إذا أردت أن تبقى في أرضك، عليك أن تقبل بهذه الاتفاقيات، وإلا ستطرد خارج الوطن، وسيضغطون على عشرات الدول لاستقباله كلاجئين.
أما إذا فاز بايدن، وهو المتوقع - بحسب البروفيسور العريان-، سيكون لذلك نتائج أخرى، خصوصًا على ملف المصالحة الفلسطينية، فجو بايدن يمثل الحزب الديمقراطي الذي لديه الكثير من المستشارين الصهاينة، وهو الحزب الذي حصلت داخله تغيرات خلال الـ 15 سنة الماضية، وأصبح هناك أجنحة لا بأس بها داخله، فهناك بداخله من ينادي بالحديث عن الحق الفلسطيني، وعن التغيير السياسي في أمريكا، وحتى وضع شروط للمساعدات الأمريكية لإسرائيل، وكما تعلمون أن مسألة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، تقريبًا عليها إجماع كامل، بل وصل الأمر أن تحدد مسبقاً ل 10 سنوات مقبلة، فقبل أن يرحل أوباما وقع على عقد مساعدة "إسرائيل" بـ 38 مليار دولار.
وووفقاً للبروفيسور العريان فإنه "منذ عهد الرئيس نيكسون وصلت المساعدات الأمريكية لإسرائيل لنحو 145 مليار دولار، و45 فيتو أمريكي داخل الأمم المتحدة من كل رؤساء أمريكا".
وأضاف "إذاً هناك التزام الأمريكي بأن تكون "إسرائيل" قوية ومسيطرة ومهيمنة (..) حتى مع وجود هذه الأجنحة التي تريد أن تغير على الأقل بعض السياسات الأمريكية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية".
واستدرك البروفيسور العريان "ولكن هناك اعتبار آخر، أن أمريكا حريصة جدًا على قواعدها العسكرية، ولا تريد أن تتقوض بحالة من عدم الاستقرار، ولذلك تريد استقرار المنطقة".
ولفت إلى أنه على الجانب الآخر، أمريكا تريد أن تحافظ على مصالحها وبيع الأسلحة، وبالتالي هي لا تريد لأي قوة أخرى بأن تظهر، لأنه ذلك يضر كثيراً بمصالحها.
وكشف البروفيسور العريان كذلك عن وجود أجنحة أخرى من اليسار في داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي، تضغط بشدة، وسيكون جوهر التحرك الديمقراطي هو موضوع سيعيد مرة أخرى "حل الدولتين"، وهذا سيؤثر على مسار تحقيق المصالحة الفلسطينية، التي هي واضح - رغم كل الذي يقال عنها سواء من حركة فتح أو من حركة حماس- بعيدة، فحتى الآن لا يوجد برنامج حقيقي يتمحور حول كيفية مواجهة الاحتلال، فالطرف الذي فاوض المحتل، وقامر على هذا النوع من استرجاع الحقوق وفشل فشلاً ذريعًا مازال يظن أنه يمكن العودة، ويطالب بمؤتمر دولي.
ومضى يقول "وللأسف الشديد عندما يجاري الطرف الفلسطيني الآخر هذا الطرف، ويتحدث بأن المصالحة الفلسطينية كل شيء، فيما الشعب يريد أن يتحدث بصراحة أمامهما دون مجاملة، وأنا باعتقادي أنه لا مصالحة، فالمصالحة يعني تغيير النهج الكامل في التعامل مع هذه المسألة. "حل الدولتين" سقط، ومات، علاوة على أنه جريمة".
وأوضح أن "إسرائيل" ليست "دولة" تريد أن تحيا في هذه المنطقة، هي عندها مهمة وظيفية، وهذا الدور الوظيفي هو الإبقاء على هذه المنطقة مقسمة، مجزأة، ضعيفة، ولا تستطيع أن تنهض، والذي يراهن على "حل الدولتين" يرتكب نفس الجريمة، وعلى القوى التي تُمثل وتحكم الشعب الفلسطيني أن تكون صريحة معه.
ونوه البروفيسور العريان كذلك، إلى أنه عندما كان الممثل السابق للجنة الرباعية الدولية توني بلير يتواصل مع حركة حماس، فهو لم يكن يريد أن يعطي حقوقًا لحماس أو لغيرها، بل كان يريد أن يُقنعها بقبول "حل الدولتين" حتى تتحقق الهيمنة الكاملة.