قائمة الموقع

هل كورونا خفّضت من استهلاك المضادات الحيوية؟

2020-11-01T08:14:00+02:00
لقاح مصابي كورونا.jpg
د. محمد مشتهى
المختص في علم الوبائيات وصحة المجتمع
يدّعي البعض بأن جائحة كورونا زادت من استهلاك المضادات الحيوية والمستهلكات الصحية والأجهزة الطبية، مما أرهق المنظومة الصحية، لذلك من المهم تسليط الضوء على هذا الجانب لفهم حقيقة الواقع.
قبل دخول فيروس كورونا لمحافظات قطاع غزة كان التركيز على الإجراءات الوقائية وسياسة حجر الوافدين من خارج القطاع، ولتحقيق تلك السياسة كان يلزم التوعية والإرشاد للجمهور وحث الناس على الالتزام بإجراءات منع ومكافحة العدوى والحد من الاختلاط، وتوفير المأوى والطعام والرعاية الصحية للمحجورين وقد بُذل جهد كبير لتحقيق ذلك، ولم يكن هناك استثناءات الا مع بعض المصابين بالفيروس وكان عددهم محدود، وهذا الاستثناء تمثّل في توفير بعض الأدوية الخاصة، وبكل تأكيد هناك أموال أُنفقت في هذا الاتجاه خصوصا لتوفير الفحوصات الخاصة بفايروس كورونا، لكن في المقابل وفي تلك الفترة ومع التزام الكثير من الناس بالإجراءات الوقائية واستخدامهم المطهرات انخفض تردد الناس على المستشفيات بالذات في الأمراض الباطنية كأمراض الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والجهاز البولي، وخصوصا الأطفال منهم مما وفّر على المنظومة الصحية الكثير من الأدوية والمستهلكات الطبية.
ومع دخول الفايروس لمحافظات قطاع غزة ازدادت تلك الإجراءات شدة، فتوقفت المدارس والجامعات ورياض الأطفال ومنعت الأسواق وأغلقت المحال والمؤسسات والمساجد، مما قلل من فرصة الاختلاط، وزاد الناس من استخدام المطهرات وارتداء الكمامات التي تقي من انتقال الكثير من أمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وبعض أمراض أجهزة الجسم المختلفة، والتزم الكثيرون بيوتهم وانخفضت الزيارات العائلية، تلك الإجراءات كانت لوحدها كفيلة لتقليل انتقال العدوى بنسبة كبيرة، وهنا لا يُقصد بالعدوى من كورونا فقط، بل العدوى من كافة الأمراض التي تنتقل من شخص لآخر بشكل مباشر أو من شخص لآخر بطريقة غير مباشرة، مما انعكس بشكل كبير على انخفاض استهلاك الأدوية خصوصا المضادات الحيوية منها، إن أعداد المرضى المترددين على المستشفيات أيضا انخفض بشكل واضح، ففي اليوم الواحد "على سبيل المثال: كان يتردد على قسم استقبال الأطفال (في أحد مستشفيات القطاع) أكثر من 200 طفل مريض، لكن ومنذ كورونا لا يكاد يصل العدد الى 50 مريض في اليوم الواحد، وبعد أن كانت أقسام المستشفى قبل كورونا تمتلئ بالأطفال المرضى، وفي بعض الأحيان كان يتم وضع كل طفلين على سرير واحد من كثرة عدد الأطفال المرضى الذين هم بحاجة الى مبيت في المستشفى، وقد كان يصل عدد الأطفال المنومين الى 50 طفل فأكثر، لكن بعد تلك الإجراءات لا يكاد يصل متوسط أعداد الأطفال المنومين الى 10 أطفال، لقد كان قسم الاستقبال يستهلك خلال يوم واحد أكثر من 40 عبوة محلول بالإضافة الى 4 لفات بلاستر، وقِس على ذلك من أجهزة تباخير وأجهزة بيوريت وكانيولات وغيرها الكثير من المستهلكات الطبية، لكن بعد تلك الإجراءات أصبحت ال 40 عبوة محلول تُستهلك طيلة أسبوع كامل وأصبح يحتاج قسم الاستقبال الى لفة بلاستر واحدة بدلا من 4، كل ذلك ينعكس على باقي الأدوية والمستهلكات الطبية، وما ورد من أمثلة هي للاستدلال فقط وليست للحصر، اذن هناك زيادة في المصاريف على كورونا في اتجاهات معينة مثل توفير المأوى والمأكل والرعاية الصحية للمحجورين وتوفير فحوصات فايروس كورونا، لكن في المقابل هناك توفير في النفقات بشكل مباشر وبشكل غير مباشر نتيجة الإجراءات المتبعة، كل ما سبق بكل تأكيد بحاجة الى دراسات واحصائيات توثق ذلك، لكن يمكن الجزم بأن كورونا حدَّت من استهلاك المضادات الحيوية وسلطت الضوء كثيرا لدى عامة الناس على أهمية طرق ومنع العدوى، لذلك كنت وفي مقالة سابقة طالبت وزارة الصحة للنظر بجدية في تأسيس إدارة عامة لمكافحة العدوى لما لها من أهمية كبيرة، حيث أن مكافحة العدوى ضرورية جدا وتدخل في كافة تفاصيل الحياة البشرية.
فيروس كورونا جعل الناس ليس فقط تهتم بغسيل الأيدي، بل بتطهير البيوت والأماكن العامة والخاصة، فايروس كورونا جعل الناس تتسابق لشراء الصابون والديتول و الكحول (جل) وما إلى ذلك من المطهرات، كورونا جعلت العديد من الناس تتجنب الاختلاط، كورونا أجبرتهم بألا يقتربوا من الشخص المريض سواء بانفلونزا او غيرها، كورونا جعل العديد من الناس يضعون في جيوبهم علبة مطهر للأيدي يستخدمونها بعد ملامستهم للأشياء وكمامة لتغطية الأنف والفم، كورونا جعلت الناس يبيعون الكمامات على مفترقات الطرقات، كورونا جعلت الشرطة تخالف بعض الغير ملتزمين بارتداء الكمامة، كورونا جعلت الناس لا يتصافحون، وأجبرتهم على قبول التعازي في موتاهم الكترونيا، كورونا أغلقت صالات الأفراح والمطاعم والمساجد وأي مكان يؤدي للتجمعات، جعلت البعض يمسك منديلا عندما يريد أن يفتح باب السيارة أو عند إغلاقه، وجعلت بائع الخبز والفلافل وبائع الفجل يرتدي قفازاً وكمامة.
كل تلك الإجراءات والاحتياطات الوقائية كانت كفيلة بأن تحد من جميع الأمراض الباطنية سواء تلك التي تسببها الفايروسات أو البكتيريا أو الفطريات، وبالتالي الحد من عدد المرضى المترددين على المستشفيات، وبالتالي الحد من المرضى المنومين، وبالتالي الحد من استهلاك الأدوية والمضادات الحيوية على وجه الخصوص.
إن ثقافة الالتزام بطرق منع ومكافحة العدوى لو استمرت وأصبحت ثقافة لدى الناس ولو حتى بإجراءات أقل من المتبعة حاليا، فإنها مؤكد ليس فقط ستقلل من الأمراض، بل أيضا ستقلل من معاناة المرضى، وستقلل من المصروفات الصحية وشراء المضادات الحيوية وستعمل للحد من التحويلات للخارج، وستقلل من استهلاك المستلزمات الصحية.
اخبار ذات صلة