بقلم: - درور يميني
تسارع محافل اسرائيلية الى تهدئة الروع في أن ليس هناك ما هو حقيقي في تهديد أبو مازن "بإعادة المفاتيح" وحل السلطة. ويقضي المنطق في أنهم محقون: فهذه خطوة بعيدة الاثر، والفلسطينيون أنفسهم هم الذين سيدفعون الثمن. حيث أن القيادة الفلسطينية ستجد صعوبة في التخلي عن مناعم الحكم التي بقيت في أيديها – وهي غير قليلة. وبشكل عام، فان الفلسطينيين متعلقون أكثر من أي شعب آخر بالمساعدات الاقتصادية والانسانية، فيما أن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن التوزيع. وهكذا بحيث أن الاحتمال في أن يحصل هذا، من زاوية نظر فلسطينية، يقترب من الصفر.
المشكلة هي اننا نعيش في الشرق الاوسط، ومعظم ما يحصل في محيطنا القريب عديم كل منطق. هذه مشكلة ثابتة للخبراء والمحللين. فبشكل عام تحليلاتهم وتوقعاتهم لا تستند الى المعرفة فقط، التي توجد لديهم بل وأيضا الى المنطق – وهذا لا ينطبق.
يمكن ان نستعرض بأثر رجعي معظم المحللين والخبراء عندما بدأ "الربيع العربي". فالفشل في الفهم والتقدير يتجاوز التسعين في المئة. فقد رووا لنا عن ثورة فيسبوك فحصلنا على "اخوان مسلمين"؛ قالوا لنا ديمقراطية وحصلنا على الفوضى أساسا. الدولة الوحيدة التي اجتازت الازمة بسلام نسبي، دون سفك دماء جماعي، هي تونس، رغم أن فيها أيضا انتصر حزب النهضة للإخوان المسلمين. الفشل الاكبر كان بالنسبة للربيع الذي بدأ في سوريا – بشار الاسد لا يزال في الحكم، وسوريا التي عرفناها لم تعد قائمة.
القاسم المشترك هو أن المنطق هزم. وهكذا فمن المجدي التعاطي معه بحذر الان ايضا، حين يهدد ابو مازن بحل السلطة. المحللون محقون. هذا تهديد يبدو عديم المنطق. فلماذا تفعل السلطة الفلسطينية شيئا يمس بالفلسطينيين اساسا؟
هنا يدخل الى الصورة احد القوانين الحديدية للحارة التي نعيش فيها. فحسب هذه القاعدة، عندما تكون خطوة يمكنها أن تمس بإسرائيل فإنها تحظى برفع مستوى جدي، حتى لو كان الضرر الذاتي أكبر. "نحن نحب الموت اكثر مما نحب الحياة"، قال رجال حماس، وأعطوا بذلك التعبير عن القانون الحديدي.
يثبت التاريخ ان هذه هي بالضبط القصة. تكاد تكون كل الخطوات الفلسطينية، على مدى مئة سنة من النزاع، تبين أن هذه بالضبط هي القصة. انت توشك على أن ترتكب جريمة ضد الشعب الفلسطيني، حذر الامير بندر بن سلطان ياسر عرفات عندما خاف من أن يكون الاخير سيرفض خطة كلينتون. فهل اختار عرفات المنطق أم ارتكاب الجريمة ضد أبناء شعبه؟ الجواب معروف. عرفات لم يرغب في الاحسان لأبناء شعبه أو ان يقدم لهم الفرصة في الازدهار. فهو يرغب في المس بإسرائيل. وقد مس بها حقا في ظل مس مزدوج ومضاعف بثلاثة اضعاف بابناء شعبه.
القاعدة الحديدية ليست أمرا يتميز به النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي؛ ففي السياق الاوسع تقضي هذه القاعدة بان من الاهم الاضرار من الطرف الاخر من الدفاع عن النفس. هذا هو المنطق الذي يتسبب بالقتل الجماعي وعديم المنطق في سوريا، في الصومال وفي العراق. "الربيع العربي" أو الاسلامي كان سيحصل حين يبدأ الكفاح ضد القاعدة الحديدية بالتبدد. أما هذا فلم يحصل بعد.
ما قيل حتى الان لا يؤدي الى الاستنتاج بان السلطة الفلسطينية ستحل فقط من أجل المس باسرائيل. القاعدة الحديدية ليست الوحيدة التي تعمل في الميدان. الواضح هو أنه ينبغي الحذر من التقديرات والتوقعات التي لا تخضع الا الى العقل السليم والمنطق المباشر. في هذه المنطقة، ينبغي ومن الواجب التذكر بانه تعمل أيضا قاعدة حديدية. وهي عدو المنطق، عدو العقل السليم – وبالأساس عدو الفلسطينيين أنفسهم.