بقلم: ثابت العمور
بفوز جو بادين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أُسدل الستار على الترامبية الأمريكية نسبة للرئيس الخاسر دونالد ترامب، لكن يبدو أن الأمر لن يتوقف عند خسارة ترامب وفوز بايدن، وذلك لان متغير الانتخابات الأمريكية أولا وسياسات ومواقف وجنون ترامب ثانيا أفضيا لمجموعة تحديات وتحولات عالمية وإقليمية وعربية وفلسطينية، بمعنى أن التغيير في الرئاسة الأمريكية كان ولا زال مؤثرا على خارطة التفاعلات العالمية والمحلية، وتحديدا متغير الانتقال من ترامب إلى بادين، فلسطينيا منذ نشأة السلطة الفلسطينية بفعل اتفاق أوسلو الذي رعاه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون بات متغير الرئيس الأمريكي احد أهم محددات السلطة الفلسطينية في مواقفها وسياساتها لا فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن فقط؛ أو بالعلاقة مع كيان الاحتلال من مفاوضات وتسوية ، بل بات ذات المتغير مؤخرا ضابط لعلاقات السلطة الداخلية ومحددات تعاطيها مع المصالحة، وبالتالي لا يمكن إنكار تأثير ما أفرزته الانتخابات الأمريكية مؤخرا وأفضى لفوز بادين على أداء النظام السياسي الفلسطيني أولا وتعاطي السلطة ثانيا ومسار المصالحة ومستقبلها ثالثا.
تقول واحدة من أهم القراءات والفرضيات المتابعة لحيثيات المشهد الفلسطيني لا سيما ما يتعلق بالمصالحة أن تلك جُمدت مؤخرا وعلقت استكمال لقاءات الفصائل الفلسطينية؛ بانتظار ما يمكن أن تُسفر عنه نتائج الانتخابات الأمريكية؟، هذه الفرضية تدعمها فرضية أخرى اكثر تحديدا تقول أن توتر العلاقة بين الرئيس أبو مازن والرئيس دونالد ترامب ، ونقل السفارة الأمريكية للقدس وإعلان صفقة القرن، وتبني ودعم التطبيع امريكا؛ كلها متغيرات أفضت إلى ضيق المساحة المتاحة التي يقف عليها أبو مازن، ما أفضى به إلى الاستدارة لحركة حماس والتقارب معها، أي أن المحدد الرئيس لإحداثيات التقارب الأخير بين كلا من السلطة الفلسطينية وحركة حماس هو جمود المفاوضات وتوقف التنسيق الأمني والقطيعة بين إدارة ترامب وبين السلطة الفلسطينية. فهل انتهاء رئاسة ترامب وخسارته مقابل فوز بايدن قد يفضي لإحداث تغيير في موقف السلطة أو على الأقل جمود التقارب بينها وبين حماس؟، وبالتالي استمرار الانقسام؟. وما هي السيناريوهات الممكنة والمتوقعة للعلاقة بين السلطة وحركة حماس عقب فوز بادين؟.
بدت أولى المؤشرات فيما يتعلق بموقف السلطة من نتائج الانتخابات الأمريكية في تهنئة أبو مازن لجو بادين بفوزه، "وإعراب الأول عن تطلعه للعمل مع بايدن وإدارته من أجل تعزيز العلاقات الفلسطينية الأمريكية والعمل من أجل السلام والاستقرار والأمن للجميع ..".
الأهم في التهنئة ما ادعته صحيفة إسرائيل اليوم التي قالت أن أبو مازن ، أرسل رسائل للرئيس جو بايدن مفادها بأنه "مستعد للعودة للمفاوضات التي توقفت في العام 2016"، لم تذكر الصحيفة هل كانت الرسائل عقب الفوز أم قبله لكن المؤكد أن هناك اتصالات بين السلطة وبايدن، وترحيب السلطة بفوز بايدن وتهنئة أبو مازن له تعني عمليا انتهاء القطيعة بين السلطة وواشنطن.
الملاحظ أن السلطة توقفت تماما في خطابها عموما وتهنئتها لبايدن خصوصا عن ذكر المصالحة، فلم يرد مثلا ما يدحض فرضية أن فوز بايدن قد يُعطل المصالحة أو أن لقاءات الفصائل ستستمر، على العكس من ذلك ذكرت واستحضرت حركة حماس في تعقيبها على فوز بادين المصالحة في قراءتين؛ الأولى قدمها وعبر عنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في قوله: "سنواصل السير وبقوة في تعزيز مسار الوحدة الوطنية والتقارب الفلسطيني الداخلي لمواجهة التحديات كافة الساعية لتصفية القضية الفلسطينية.."، أما القراءة الثانية فقدمها خالد مشعل في لقائه مع المركز الفلسطيني لأبحاث السياسيات "مسارات"؛ وقد كانت أكثر وضوحا إذ عقق مشعل على فوز بايدن "بالخوف من العودة إلى مسار المفاوضات، مبديًا خشيته من أنه يمكن أن تتأثر بذلك المصالحة".
تحقق المصالحة واستكمالها إذاً لم يعد مقتصرا فقط على فرضية المتغير الرئاسي الأمريكي والتحول من ترامب لبادين، وإنهاء القطيعة مع الإدارة الأمريكية، بل باتت العودة للمفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال محدد أخر جديد للمصالحة؟. باعتبار ان ذلك احد مقتضيات انهاء القطيعة بين السلطة وواشنطن. أي أن إنهاء القطيعة يعني العودة للتفاوض مع الاحتلال.
وبالتالي فإن السؤال الضابط للعلاقة الآن بين كلا من السلطة وحركة حماس ، إذا أنهت السلطة القطيعة مع الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن وعادت للمفاوضات والتنسيق الأمني، هل ستبقى حماس على ذات الاقتراب من السلطة وتغض الطرف عن المفاوضات والتنسيق الأمني؟، أم سترفض ذلك؟. وهل تقبل الإدارة الأمريكية أن تقترب من سلطة فاقدة للسلطة على قطاع غزة؟. وما الذي يمكن أن يحدث في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والعربية الحاصلة لا سيما عقب التطبيع ، كيف يمكن أن تُعاد غزة لولاية السلطة الفلسطينية؟، بالاستنزاف والحصار والتضييق وربما الحرب حتى لا يبق أمامها إلا المصالحة.
لا تمتلك السلطة ترف البقاء في قطيعة مع الولايات المتحدة إطلاقا، والاقتراب من واشنطن يقتضي العودة للتفاوض والتنسيق مع الاحتلال كتحصيل حاصل، وهذا يبدوا قريبا ومتحقق عقب فوز بادين، في المقابل تحقق التقارب بين حماس والسلطة على قاعدة ومعطيات مختلفة تماما، كانت هناك قطيعة مع ترامب، وهو ما سهل الاقتراب بين حماس وفتح، لكنه اقتراب لم يُفض لنتائج على الأرض اقتراب توظيف؛ اقتراب حذر أريد منه تحسين كل طرف لظروفه الداخلية؛ اقتراب هش اكتفى بالحديث فقط عن الانتخابات التشريعية دون موعد ودون سقف ودون تنفيذ أي خطوة، حتى استحضار منظمة التحرير الفلسطينية كان استحضار رمزي. وبالتالي بانتهاء الأسباب التي أفضت للتقارب انتهى التقارب.
باختصار لن تُضحي السلطة الفلسطينية بعلاقاتها مع واشنطن عقب فوز بايدن مقابل استمرار التقارب والتصالح مع حركة حماس، إلا إذا غيرت الأخيرة خطابها ومواقفها وأبدت موافقة مرنة لأبعد الحدود، قد لا يكون أولها الاعتراف بالاحتلال، لكنها حتما ستكون عدم ممانعة المفاوضات والتنسيق الأمني، وهذا ما لم ولن تقبل به حركة حماس أي أن تذهب للمصالحة والتقارب مع السلطة على وقع المفاوضات.
المعضلة الفلسطينية أن المصالحة تتم على قاعدة السلطة، والسلطة تحت الاحتلال، والاستغراق يتم في التفاصيل والشكليات والانتخابات، حتى تلاشى المشروع الوطني الفلسطيني، وأصبح متغير الانتخابات الأمريكية عامل مركزي ومؤثر في المشهد الفلسطيني وحيثياته بما في ذلك مسارات المصالحة ومستقبلها. أي أن المصالحة لو كانت لأسباب ودوافع وطنية موضوعية وحقيقية كانت ستصمد وستستمر وتستعيد المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرر وطني لا يتأثر بالمتغير الرئاسي الأمريكي، الذي ستنعكس نتائجه حتما وقطعا على مسار المصالحة ومستقبلها.